18-أكتوبر-2022
الفلاحة

فلاح يحرث الأرض في ضواحي العاصمة (تصوير: رياض قرامدي/أ.ف.ب)

أعاد استمرار الحرب في أوكرانيا الحديث بقوة عن الأمن الغذائي في المنطقة العربية ومنها الجزائر، بالنظر إلى عدم تحقيقها الاكتفاء الذاتي بشأن متطلباتها الغذائية، الأمر الذي جعل الحكومة تلتفت في الأشهر الأخيرة بشكلٍ خاص لمجال الفلاحة بالدعوة إلى اتخاذ كل السبل التي من شأنها تطوير هذا القطاع، وتلبية احتياجات البلاد من منتجات زراعية وحيوانية.

تشتري الجزائر دوريًا كميات كبيرة من القمح وتعد من أكبر المقتنين لهذه المادة الغذائية عربيًا وأفريقيًا

غير أن تحقيق هذا الهدف الذي ظلّ الشغل الشاغل للمحكومات المتعاقبة ليس بالأمر السهل، في ظلّ موجات الجفاف وشح الأمطار التي تعرفها البلاد، وهجران كثير من الفلاحين لهذا القطاع المتعب الذي صار أحيانًا مخسرا أكثر مما هو مربح اقتصاديًا.

أرقام الحكومة 

حسب ما جاء في بيان السياسة العامة للحكومة الذي عرضته السلطة التنفيذية على البرلمان، فقد تم اتخاذ "عدة إجراءات في  قطاع الفلاحة من أجل تحسين الأمن الغذائي المستدام وخفض واردات الغذاء".

وتشير الوثيقة ذاتها إلى أن عمل الحكومة ارتكز خلال عام على  تطوير الشعب الإستراتيجية  كالحبوب والزراعات الصناعية، إضافة إلى  تعزيز الآليات التنظيمية وتحديث أنظمة مراقبة الصحة والصحة النباتية وتعزيز  الرقابة النوعية للمنتجات الفلاحية.

وتشير إحصاءات الحكومة الأولية إلى أن شعبة الحبوب حققت إنتاجا يبلغ حوالي 41 مليون قنطار حتى أغسطس أوت الماضي، مقابل 27.6 مليون قنطار في عام 2021، فيما تشير التوقعات المتعلقة بعام 2025 إلى بلوغ إنتاج يقدر بـ55 مليون قنطار على مساحة تقدر بـ3.75 مليون هكتار.

وقدم بيان السياسة العامة أرقامًا حول الإنتاج الفلاحي مثل إنتاج الطماطم الصناعية التي  قدر إنتاجها في  2021و2022 بحوالي 2.3 مليون قنطار مقابل 19.3 مليون  قنطار في عام 2020، وهو ما جعل البلاد تحقق الاكتفاء الذاتي في هذا المجال والتخلي كليا عن استيراد مركز الطماطم، وتسجيل فائض في الإنتاج بقيمة 104 مليار دينار.

وبخصوص إنتاج الجزائر من اللحوم التي تظل أثمانها منذ سنوات حتى اليوم لا تتناسب مع القدرة الشرائية لأغلب الجزائريين المنتمين إلى الطبقة الوسطى من العمال والفئات قليلة الدخل، تعد الحكومة بالوصول إلى إنتاج وطني يقارب 6.5 مليون قنطار من اللحوم الحمراء و6.8 مليون قنطار من اللحوم البيضاء عام 2025 بهدف خفض الأسعار.

وتراهن الحكومة على تحقيق ذلك من خلال النمو المتواصل المسجل في قطاع الفلاحة الذي تتوقع أن يرتفع إنتاجه إلى 30 بالمائة نهاية العام الجاري، بقيمة كلية تصل إلى 4500 دينار جزائري، ما يجعل هذا القطاع يساهم بـ14.7 في الناتج الداخلي الخام، ويوظف 2.7 مليون عامل بنسبة تتعدى 20 بالمائة من اليد العاملة الوطنية.

إجراءات

لتحقيق الأمن الغذائي، وأهدافها المتعلقة بقطاع الفلاحة، أقرت الحكومة عدة إجراءات في هذا الشأن منها ما أعلن عنه في مجلس الوزراء المنعقد بداية الشهر الجاري، والخاص بـ"السماح باستيراد المعدات الفلاحية بكل أنواعها، وقطع غيارها، سواء بالنسبة للخواص بشكل فردي، أو من قبل الشركات، واستيراد الجرّارات الفلاحية، الأقل من خمس سنوات، إلى غاية إحداث التوازن بين الإنتاج الوطني من الجرّارات، وتلك المستوردة".

وأمر الرئيس تبون حينها بـ"ضرورة إخراج الفلاحة من الطابع الاجتماعي، إلى الطابع العلمي، وفق نظرة عصرية، تشمل تكوين وتأهيل المورد البشري، واعتماد تقنيات جديدة في بناء مخازن المحاصيل الزراعية، من أجل تسريع عملية التشييد، خاصة في الولايات المعروفة، بإنتاجها الغزير، وتغيير الإدارة التقليدية لتسيير الفلاحة، واستحداث شُعب جديدة في كل الولايات، على غرار الشُعب الموجودة وطنيًا، وإنشاء الشركات الناشئة والمؤسسات المصغرة، لمَعصرات الزيت والحبوب الزيتية، حتى ولو كانت لتلبية حاجيات السوق المحلية".

كما تم توقيع عدة اتفاقات مع دول في المجال الفلاحي كالولايات المتحدة الأميركية وتركيا وإيطاليا، وآخرها تلك الموقعة مع فرنسا خلال زيارة رئيسة الوزراء إليزابيث بورن، وتخص اتفاقية شراكة وتعاون في مجالات الفلاحة والتنمية الريفية والصناعة الغذائية.

ولمواجهة الارتفاع الجنوني التي عرفتها أسعار الأسمدة دوليًا جراء الحرب في أوكرانيا، وقعت وزارتي الفلاحة والطاقة اتفاقًا يقضي بضمان تموين السوق الداخلية وتزويد الفلاحين بالأسمدة والمدخلات الزراعية بشكل مستمر، مع مراجعة الأسعار المرجعية للأسمدة الواسعة الاستعمال كالآزوت والفوسفات والبوتاسيوم، حتى تكون في متناول الفلاحين، مع تفضيل الأسمدة المنتجة محليًا بغرض التخفيف من التبعية لاستيرادها.

وفي  آب/أوت الماضي، افتتح الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمان البنك الوطني للبذور التابع للمركز الوطني لمراقبة البذور والشتائل وتصديقها، بالجزائر العاصمة، والذي يمكن أن يساهم في تحقيق الأمن الغذائي للبلاد من خلال ترقية الإنتاج الوطني للبذور، والتقليل من استيراد البلاد لكثير من البذور التي تكلف الخزينة العمومية مبالغ بالعملة الصعبة.

عقبات

صنف المؤشر العالمي للأمن الغذائي الجزائر في صدارة البلدان الإفريقية وفي المرتبة 54 من بين 113 بلدًا عبر العالم في سنة 2021، كما احتلت الجزائر الصدارة عربيا من حيث عدم تسجيل معدلات كبيرة بشأن نقص التغذية، إذ لم تتجاوز النسبة 2.5 بالمائة، وهو ما يشير إلى أنه بالرغم من الانتقادات الموجهة للقطاع لا أن العمل المحقق يبقى أحسن من المعدلات المسجلة عربيًا وأفريقيًا.

إلا أن هذه التصنيفات والجهود المبذولة لا تخفي حقيقة أن الجزائر تعتمد في أكثر من 30 بالمائة على حاجاتها الغذائية على الخارج، وبالخصوص في مجالات حساسة، في مقدمتها الحبوب، حيث تظل تصنف من البلدان الأكثر استيرادا للحبوب وفي مقدمتها القمح.

وتشتري الجزائر دوريًا كميات كبيرة من القمح فهي تعد مع مصر ضمن أكبر المقتنين لهذه المادة الغذائية عربيًا وأفريقيًا، ومنذ أسبوعين أفادت تقارير إعلامية بأن الديوان الجزائري المهني للحبوب اشترى نحو 300 ألف طن من قمح الطحين في مناقصة دولية.

ويبقى حجم محصول الحبوب مرتبطًا كل عام بكمية الأمطار المتساقطة، وبالخصوص في فصل الربيع، لذلك يتراجع مستوى الإنتاج الوطني في سنوات الجفاف مثلما حصل في سنة 2021، وذلك بسبب صغر مساحات المحاصيل الزراعية المسقية.

ورغم سعي الحكومة سنويا لتقليص فاتورة المواد الغذائية المستوردة سنويًا، إلا أنها تبقى مرتفعة ، فقد قاربت في 2019 مستوى 8 مليارات دولار رغم انخفاضها بـ7 بالمائة.

 ويرتبط هذا الإخفاق في تقليص فاتورة الاستيراد من الغذاء بعدم عصرنة قطاع الفلاحة، والفساد  المالي والتسييري الذي حدث في عدة فروع تابعة لها خلال السنوات الماضية، وعدم معالجة ملف العقار الفلاحي، وتبعية البلاد في بعض الشعب للخارج كقطاعات الحليب والسكر، واللحوم نسبيًا.

الوصول إلى تأمين 80 بالمائة من حاجيات البلاد الغذائية محليًا عام 2023 يبقى هدفًا صعب المنال

وبالنظر إلى هذه المشاكل التي تعترض تحقيق الأمن الغذائي في الجزائر، فإن هدف الحكومة تأمين 80 بالمائة من حاجياتها الغذائية محليًا عام 2023 يبقى صعب المنال حتى ولو بلغت قيمة الإنتاج الفلاحي أكثر من 24 مليار دولار.