على بُعد أزيد من 400 كيلومتر جنوب الجزائر العاصمة، تقع مدينة عين ماضي التابعة إداريًا لولاية الأغواط، في تلك المدينة التي تلوّنت بيوتها العتيقة بلون الطوب، يقع مقرُ الزاوية التيجانية، أكبر طريقة صوفية نشأت في الجزائر وانطلقت منها نحو العالم.
وقع الخليفة الرابع للطريقة التيجانية في حب ّالفتاة الفرنسية في سجن بوردو بفرنسا وتزوجها وعاش معها بعين ماضي التي تحتضن قبرهما
في تلك الزاوية نشأت قصة حبٍّ من نوع خاص، حين وقع أحمد التيجاني أحد شيوخ الطريقة في حبّ فتاة فرنسية، قصّة بدأت في سجنٍ في بوردو، بفرنسا، وانتهت في قبر يحتضنه تُراب عين ماضي كشاهدٍ على هذه التفاصيل.
حبٌّ وراء القضبان
في عام 1869 ألقت السلطات الاستعمارية الفرنسية القبض على سي أحمد التيجاني وشقيقه محمد البشير بتهمة المشاركة في ثورة "أولاد سيدي الشيخ" الشعبية (1864 - 1867م)، وتم إرسالهما لسجن عسكري في مدينة بوردو بفرنسا، هناك تعرّف الشقيقان على "بيكار" الذي سبق له وأن اشتغل في جهاز الدرك الفرنسي بالجزائر، وكان لـ "السيد بيكار" ابنة تُسمّى "أوريلي".
كانت البنتُ تأتي عند والدها في عمله، وهناك التقت سي أحمد عمار التيجاني، وكانا يتبادلان أطراف الحديث في بعض الأحيان، كون أحمد عمار التيجاني وشقيقه كانا يستطيعان الخروج لساحة الثكنة والتجوّل بشكل عادي نظرًا لأنهما كانا حينها يحملان رتبة أمير، حسبما ورد في أرجح الروايات حول هذه القصة.
بعد نهاية محكومية الخليفة الرابع للطريقة التيجانية وشقيقه، أفرجت السلطات الفرنسية عنهما، ليقرر عمار التقدم لوالد أوريلي وطلب يدها.
انتشر خبر تقدّم أحمد عمّار التيجاني لخطبة الفتاة الفرنسية، وهو الأمر الذي قوبل بالرفض لكن "العاشقين" كانا عاقدين على المضي قدُمًا، فسافرا إلى الجزائر وعقد قرانهما سنة 1871 في مدينة عين ماضي، بالأغواط.
وافق والد أوريلي على زواج ابنته بثلاثة شروط: أن يتم الزواج وفقًا للقانون المدني، أن يكون بإمكان أوريلي أن تظل مسيحية (فيما يقول عقد الزواج أنها أسلمت) وأن يُطلّق سي أحمد التيجاني زوجاته الثلاث الأخريات، ومع ذلك، واجه هذا الزواج في البداية معارضة رسمية، سواء من الإدارة الفرنسية أو من قاضي الجزائر.
عاشت "أميرة الرمال" كما أصبحت أوريلي بيكار تُسمى بعد زواجها، في مدينة عين ماضي، حيث تعلّق بها الناس كثيرًا، فيما ساهمت بدورها بتعليم الأطفال وتقديم المساعدة الصحية للنساء اللواتي أطلقن عليها اسم "لالا يمينة"، وقامت سنة 1882 بتشييد مدرسة ومستوصف.
للقصة بقيّة..
كانت أوريلي تعيش رفقة زوجها بقصر "كوردان" بالأغواط، الذي شيده أحمد عمار التيجاني الخليفة الرابع للطريقة التيجانية ليكون مسكنًا لزوجته التي تعلّقت كثيرًا بالمكان واختارت أن تُدفن فيه.
بعد 26 سنةً من زواج عمّار وأوريلي، توفيّ عمار أحمد التيجاني، وخلفه على رأس الطريقة التيجانية أخوه سي محمد البشير التيجاني، الذي عرض الزواج على أوريلي فقبلت بذلك لتعلّقها بالمدينة والقصر والعائلة التيجانية، وما جعلها تحمل اسم "زوجة السيّدين".
وبعد تسع سنوات توفي هو الآخر، وعادت "أميرة الرمال" إلى فرنسا، لكن الحنين إلى عين ماضي أعادها مرّة أخرى إلى قصر "كوردان" لتُواصل حياتها هناك، حيثُ توفيت عام 1933 وأوصت بأن تُدفن إلى جانب زوجها الأول سي أحمد عمّار التيجاني، ولا زال القبران لحد اليوم قبلة للزوار من مريدي الطريقة والراغبين في السفر في قصة حبّ جميلة عاشت في زمن الحرب.