10-فبراير-2020

مراد عولمي، علي حداد، إيسعد ربراب، محيي الدين طحكوت، ورضا كونيناف (تركيب: الترا جزائر)

لطالما كان رأس المال الخاصّ في الجزائر، طعمًا يُغذّي خطاب السلطة، وحقلًا للمزيدات السياسية والشحن الجماهيري، وسلاحًا ذو حدّين؛ تستعمله السلطة مرّة، لتحسين صورتها عبر "شيطنة" القطاع الخاصّ، ومرّة تعمل على احتضانه واستغلاله سياسيًا، وتوسيع نفوذها في الأجهزة التشريعية والتنفيذية على حدّ سواء.

كان رئيس الجمهورية الأسبق أحمد بن بلة أوّل من هاجم البرجوازية الصغيرة والمتوسّطة واتهمها بالعمالة

كان رئيس الجمهورية الأسبق أحمد بن بلة (1963-1965) أوّل من هاجم البرجوازية الصغيرة والمتوسّطة، متهمًا إيّاها بالعمالة للاستعمار ومناهضة قيم الثورة الاشتراكية، بيد أن العلاقة الجدلية بين المال والسياسة، ارتبطت فعليًا بعد الانفتاح الاقتصادي سنة 1989، وانتعشت بعد مجيء بوتفليقة إلى سدّة الحكم سنة 1999، لنشهد ميلاد مصطلح الأوليغارشية المالية في الأدبيات السياسية والإعلامية.

اقرأ/ي أيضًا: سجن الحراش.. ملايير الدولارات وراء القضبان

تبون يتعهد  

في هذا السياق، شكّلت قضيّة مكافحة الفساد محورًا أساسيًا في البرنامج الانتخابي لعبد المجيد تبون، حيث تعهّد بمحاربة الفساد، وتطهير البلاد من الفاسدين، واسترجاع الأموال المنهوبة، وشدّد على أخلقة الحياة السياسية، عبر تمويل الدولة للأحزاب وحملاتها الانتخابية، داعيًا إلى التجنيد قصد القضاء على الرشوة والمحسوبية، التي تغوّلت في مفاصل الدولة. 

لكن ثمّة نقاط بحاجة إلى توضيح، هل التعديلات الدستورية والقانونية قادرة على أخلقة الحياة السياسية، وكيف يُمكن الفصل بين المال والسياسة، في عالم تحوّلت فيه الأطر الحزبية إلى مؤسّسات سياسية، بحاجة إلى الأموال والتمويل؟  

الفساد السياسي 

يُعرَّف الفساد السياسي حسب المنظمة العالمية للشفافية؛ بأنه استغلال السلطة من أجل المنفعة الخاصّة، أو استعمال الوظيفة العامّة للمصلحة الخاصّة، وبرأي كثير من المتتبعين، فإنّ كرونولوجيا استشراء الفساد السياسي في الجزائر، ظهرت بوادرها  مع الانفتاح الاقتصادي سنة 1989، وتحرير التجارة الخارجية، وهو القطاع الذي سيطرت عليه فئات نافذة داخل السلطة، عبر استغلال أموال البنوك العمومية في عمليات الاستيراد، وشكّل تطبيق برنامج إعادة الهيكلة الاقتصادية بداية من سنة 1992، فرصة لنهب العقار والنسيج الصناعي للمؤسّسات العمومية عبر خوصصة القطاعات التي جرت بعيدًا عن الشفافية.

المال السياسي

في السياق ذاته، يُمكن القول إنّ استشراء الفساد السياسي، ارتبط بمرحلة حكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، ويعود هذا بحسب مراقبين، لعاملين اثنين: أولهما الطفرة المالية التي عرفتها البلاد، حيث وصلت أسعار البترول إلى حدود 120 دولارًا للبرميل، وثانيهما محاولة بوتفليقة توسيع دوائر نفوذه سياسيًا، عبر خلق طبقة من رجال الأعمال التي تشكّل قاعدة سياسية واقتصادية لحكمه، وهي الوضعية التي ساهمت في تفاقم  الفساد السياسي، عبر تمكين  رجال المال من اختراق مؤسّسات الدولة على غرار البرلمان، ومجلس الأمة والجماعات المحليّة، وبات كلّ وزير أو قطاع ينسب إلى رجل أعمال.

تزوير الانتخابات 

لقد كان التزوير من العلامات الأولى في فساد الأنظمة السياسية، وتعتبر العملية الانتخابية، سواءً النيابية أو في الدوائر المحليّة، مطيّة لصعود المال السياسي، ووسيلة سهلة مكّنت "الكارتل المالي"، من تكوين شبكات داخل الدوائر والأحزاب السياسية والأجهزة الإدارية، بحثًا عن الحصانة النيابية، أو تغطية للنشاطات التجارية والمقاولاتية الموازية، أو لتبيض الأموال، في هذا الشأن كشفت محاكمات مسؤولين سابقين ورجال أعمال في الفترة الأخيرة، مدى التداخل العضوي بين شبكات المال السياسي مع الأجهزة الحزبية والإدارية.  

تصفية حسابات؟

في مقابل ذلك، باشرت السلطة حملات عنوانها محاربة الفساد، لكن بحسب مراقبين، فقد تمّت بمنطق تصفية الحسابات، على غرار تفكيك مجمع "خليفة"، مجمّع "تونيك"، مجمّع "بلانكي"، وهي مجمّعات اقتصادية ومالية طالتها المتابعات القضائية، واستنادًا إلى تقارير إعلامية، فهي في النهاية تمويل الحملة الانتخابية للمرشّح بوتفليقة، أو قدّمت الولاء لمرشّحين آخرين منافسين له.

نظام ريعي  

هنا، يرى القيادي في حزّب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، مراد بياتور في هذا الصدد، أنّ النظام السياسي في الجزائر، اعتمد على اقتصادٍ ريعيٍّ؛ وبالتالي أصبحت الممارسة السياسية، مجرّد صراع من أجل الحصول على نصيب من الريع البترولي واقتسام الغنائم، وهي الظاهرة التي أدّت إلى الابتعاد عن ممارسة العمل السياسي، المتمثل في تسيير الشأن العام، حسب تعبيره.

 وأضاف المتحدّث أن النسق "اليعقوبي" بمركزية القرار قد منح للإدارة نفوذًا كبيرًا، وأصبحت هذه الأخيرة أداة تمارس بها السلطة القائمة التسلّط، ما فتح الأبواب أمام التحالف المالي السياسي مع الجهاز الإداري.

قدَّرَ مراد بياتور، أن الرئيس الحالي غير قادر على أخلقة العمل السياسي، لأنه يفتقد للشرعية والمشروعية حسب تصريحه؛ حيث أن أخلقة العمل السياسي في الجزائر، تمرّ حتمًا عبر تغيير النظام والانتقال الديمقراطي.

تكافؤ الفرص 

في السياق نفسه، شدّد الناطق الرسمي لحزب جيل جديد، الحبيب براهمية، على أن أخلقة الحياة السياسية؛ هي عملية شاملة تتطلّب أولًا العودة إلى الأصول النبيلة للعمل السياسي، وجعل الكفاءة هي الميزان الحقيقي للسياسي.

وأضاف المتحدّث، أن فتح المجال السياسي والإعلامي، والقضاء على التزوير الانتخابي، ونظام المحاصصة، حوّل عددًا من الأحزاب إلى مكاتب مناقصات علنية لبيع القوائم الانتخابية. 

من جهة أخرى، وقصد تجفيف "مستنقعات" المال الفاسد في السياسة، قال براهمية، إنه "لابدّ من تحديد الحصانة البرلمانية في إطار النشاط البرلماني فقط، وإعطاء الأحزاب إمكانية التنافس بطريقة متكافئة، عبر استرجاع كل مقرّاتها المجانية، قصد تمكين الجميع من التركيز على إنتاج الأفكار والبرامج، وليس في البحث عن ممولين للبقاء على قيد الحياة".

إن الفساد المالي بحسب متابعين ما كان لينتشر لولا وجود حاضنة سياسية عملت على تغوّله

إن الفساد المالي بحسب متابعين، ما كان لينتشر لولا وجود بيئة أو حاضنة سياسية عملت على تغوّله، حيث أصبحت محاصرة الفساد بآليات قانونية وتنظيمية مهمّة صعبة، لأنّه بات اليوم ظاهرة أفقية وليست عمودية، وتتوسّع في جميع مصاب المسؤولية من أعلاها إلى أدناها، والسبيل للحدّ من الفساد هي دَمقرطة الصحافة والإعلام الحرّ، وتحرير المنافسة الانتخابية على أساس البرامج وخدمة الشأن العام، وتحديد المشكلة المالية في الجزائر وارتباطاتها  المعقّدة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

البنك العالمي: حبس رجال الأعمال سيؤدّي إلى تباطؤ نمو الاقتصاد الجزائري

محاكمة رجال الأعمال.. "صراع اللوبيات" على طاولة القضاء