18-يونيو-2019

مراد عولمي، علي حداد، إيسعد ربراب، محيي الدين طحكوت، ورضا كونيناف (الترا جزائر))

في الساعة صفر من يوم 17 جوان/ يونيو، أودع رجل الأعمال مراد عولمي سجن الحراش في الجزائر العاصمة، ليرفع من مجموع الثروة التي يمتلكها "أثرياء الجزائر" المحبوسين على ذمّة التحقيق في هذا السجن، والمتابعين في قضايا فساد.

وراء قضبان يجن الحرّاش، يقبع موقوفون  يتصدّرون المراتب الأولى في قائمة أغنى رجال أعمال في البلاد

وراء قضبان هذا السجن، الذي صار يُعرف اليوم بـ"نزل الأثرياء"، يجتمع موقوفون  يتصدّرون المراتب الأولى في قائمة أغنى رجال الأعمال في البلاد، غير أن القصّة لا تنتهي هنا؛ فهناك حكايات طويلة تدور في أروقة هذا المعتقل الذي صار حديث الخاص والعام في الجزائر.

اقرأ/ي أيضًا: بعد استدعاء أويحيى.. صيف ساخن جدًا للقضاء الجزائري مع ملفات الفساد

في حيّ بلفور ببلدية الحراش بالعاصمة، ظلّت المؤسّسة العقابية الشهيرة التي حملت اسم المدينة والبلدية التي تنتمي إليها، مرتبطة بأشهر المساجين من عالم السياسة أو الإجرام، ولم يطأها إلى وقت قريب رجل أعمال بارز، باستثناء "الفتى الذهبي" عبد المومن خليفة، صاحب إمبراطورية مجمّع الخليفة المنهارة.

سجن تاريخي

منذ تشييد سجن الحرّاش على يد الاحتلال الفرنسي عام 1915، ذاع صيت هذا الصرح الذي يسمّى اليوم إداريًا "مؤسّسة إعادة التربية والتأهيل "، حيث أصبح معتقلًا للمقاومين والرافضين للسياسة الاستعمارية، إذ أودع فيه رائد الحركة التحررية في الجزائر مصالي الحاج عام 1937، إلى جانب شاعر الثورة الجزائرية مفدي زكريا في العام نفسه.

ومع اندلاع ثورة التحرير في الفاتح نوفمبر/تشرين الثاني من عام 1945، أصبح هذا السجن المكان المفضّل لفرنسا الاستعمارية، ومعقلًا للثوّار والمجاهدين، حيث ارتبطت جدرانه برمزية البطولة والمقاومة.

وراء جدران هذا السجن؛ تذكر سير قادة الثورة الجزائرية، أنّ الاستعمار الفرنسي مارس أبشع طرق التعذيب في هذا المعتقل على الثوّار، إذ سُجن فيه الشهيدان العربي بن مهيدي، وعبان رمضان في العام 1957.

هذا المكان، شاهد أيضًا على اعتقال المجاهدة جميلة بوحيرد بين عامي 1957 و1962، إذ تعرّضت داخله إلى تعذيب وحشي.

معتقل المعارضين

بعد الاستقلال، وخلال حكم الرئيس الأسبق الراحل أحمد بن بلة، كان السجن معقلًا لمعارضيه في تلك الفترة، أبرزهم زعيم جبهة القوى الاشتراكية الراحل حسين أيت أحمد، لكن بن بلة نفسه سرعان ما التحق هو الآخر بزنازين هذا الحبس، بعد أن قاد وزير دفاعه هواري بومدين انقلابًا ضدّه سنة 1965.

وفي تسعينات القرن الماضي، شهد السجن سلسلة اعتقالات لعدد من السياسيين بعد توقيف المسار الانتخابي في الجزائر، كان أبرزهم علي بلحاج والراحل عباسي مدني زعيما حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ المُحلّ.

لهذا السجن حكاية أخرى مع عدد من الصحافيين والإعلاميين المعارضين للنظام، من بينهم مدير صحيفة "لوماتان" محمد بن شيكو، الذي كتب داخل أسوار سجن الحرّاش كتابه "سجون الجزائر"، وتضمّ قائمة معتقلي الرأي من الصحافيين؛ مديرة صحيفة الفجر حدّة حزام، والصحافي محمد تامالت الذي توفي بعد إضراب عن الطعام داخل السجن، تطلب إدخاله المستشفى قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة في ديسمبر/كانون الأوّل 2016.

ميزة جديدة

منذ أكثر من 70 عامًا مرّت على تشييده، حمل هذا السجن عدّة تسميات؛ مثل سجن الثوّار والمعارضين والمجرمين والمظلومين، وارتبطت تسميّاته في الغالب بالأنظمة السياسية المتعاقبة، إلا أن الحراك الشعبي في الجزائر، أضاف صفة جديدة إلى سجلّه، وأصبح يُطلق عليه سجن الأثرياء أو نزل الأثرياء، بعد أن قرّرت العدالة إيداع عدة رجال أعمال الحبس المؤقّت بالحراش ضمن  المحاكمات التي تتمّ ضدّ رموز نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، بتهم تتعلّق بقضايا فساد.

يقبع  اليوم في سجن الحراش، رجل الأعمال إيسعد ربراب، أغنى رجل في البلاد والميليادير الوحيد في الجزائر، حيث بلغت ثروته 3.8 مليار دولار، بحسب آخر تصنيف لمجلّة "فوربس" الأميركية. لكن الصحافة المحليّة تقول إن ثروة صاحب شركة "سفيتال" التي تحتكر سوق السكّر والزيت في البلاد، قد تجاوزت أربعة ملايير دولار.

أثرياء في السجن

أودع ربراب سجن الحراش، لاتهامه في قضايا فساد مختلفة منها تضخيم الفواتير، حسب ما أمر قاضي التحقيق لمحكمة سيدي امحمد في العاصمة.

وقبل التحاق ربراب بالحراش، كان قد سبقه إليه غريمه المالي، الرئيس السابق لمنتدى رؤساء المؤسسات علي حداد، المتابع في قضايا فساد، والذي حُكم عليه مؤخّرًا بالحبس ستة أشهر نافذة، في أولى القضايا المحاكم فيها، وتتعلّق بتزوير جواز سفر.

وتبلغ ثروة رجل الأعمال حدّاد، الذي أصبح حديث الجميع في عهد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، لاحتكاره صفقات في قطاع الأشغال العمومية، حوالي 1.8 مليار دولار.

السجن الشهير شرق العاصمة  الجزائر، يأوي اليوم أيضًا الإخوة كونيناف: رضا ونوح، وكريم، الذين مثّلوا جماعة ضغطٍ في السلطة، تُعيّن وتُقيل وزراء الرئيس بوتفليقة، وترسم سياستهم التي كانت تُفضّل بناء السجون على تشييد الجامعات والمستشفيات، فشاءت لعبة القدر أن تتحوّل هذه المؤسسات العقابية إلى مأوىً لهم وهم الذين يملكون ثروة تقدر بـ800 مليون دولار على الأقل، جمعوها بالاستفادة من مشاريع كبيرة في قطاع النفط.

الأسبوع الماضي، انضمت للقائمة عائلة طحكوت، ممثلة في بارون النقل الجامعي محي الدين طحكوت، ونجليه بلال وشقيقيه رشيد وحميد، والذين قُدّرت مملتكاتهم المالية بـ1.5 مليار دولار بحسب تقارير إعلامية.

أمّا آخر المنضمين إلى نادي الأثرياء في سجن الحراش، فكان مراد عولمي مالك مجمع "سوفاك" للسيارات الألمانية في الجزائر، إذ قدرت ثروته بـ700 مليون دولار.

يطرح خبراء وقانونيون اليوم، إمكانية استعادة الأموال المهرّبة إلى الخارج من رجال الأعمال الموقوفين

مهما كانت المبالغ الحقيقية لثروات رجال الأعمال القابعين في سجن الحراش، في وقت مازال المصرّح به من ثروات هؤلاء، أقلّ بكثير بما خفي عن الأنظار، يأمل كثيرون ألّا تتوقّف إجراءات العدالة على حبس من أتت أطماعهم على الأخضر واليابس، واستعادة الأموال المودعة في البنوك الخارجية والتي تمّ تهريبها بطرق غير قانونية، وهو الإشكال الذي يطرحه خبراء اقتصاديون وقانونيّون اليوم.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

موجة عالية للقضاء: نائب عام جديد والمزيد من ملفات الفساد أمام المحاك

الشارع يجدد "يتناحو قاع".. عبارة هزّت عرش السلطة