19-سبتمبر-2021

احتجاجات أمام مقرّ جبهة التحرير الوطني (فيسبوك/الترا جزائر)

أصبح بيت جبهة التحرير الوطني لا يعرف الهدوء والسكينة مطلقًا، فالصراعات والمشاكل وحرب الوصول إلى المناصب صارت السمة التي تميزه على طول السنة، وبالخصوص مع قرب المواعيد الانتخابية، لتطرح ككل مرة مسألة شرعية الأمين العام الحزب، ومدى امتلاكه لدعم اللجنة المركزية التي يميل أعضاؤها حيث مالت المصالح والغايات والأموال في سيناريو قديم يتكرّر اليوم مع الأمين العام الحالي أبو الفضل بعجي.

لا تزال الفرقة والانقسام هي الصفة المسيطرة على الوضع داخل حزب جبهة التحرير الوطني الذي يحكم البلاد منذ الاستقلال

ورغم الصدمات المتتالية التي عرفها الحزب منذ حراك الـ 22 شباط/فيفري 2019، بعد خروج الشعب للشارع ضد رئيسه عبد العزيز بوتفليقة، وحبس أمناء عامين سابقين ووزراء ونواب منه، إلا أن لا شيء تغير داخل الأفلان، فلا زال حتى اليوم رمزًا للفساد والنفاق السياسي الذي يدعم رأي المطالبين بإحالته على المتحف، إن كان ذلك سينفع لحفظ سمعة جبهة التحرير الوطني التاريخية.

اقرأ/ي أيضًا: بعجي في هجوم مضاد بعد محاولة إبعاده من الأفلان

شقاق متواصل

لا تزال الفرقة والانقسام هي الصفة المسيطرة على الوضع داخل حزب جبهة التحرير الوطني، الذي يحكم البلاد منذ الاستقلال إلى اليوم، فالحروب التي قادها من سُميوا على الدوام بـ "الحركة التصحيحية" لا "الانشقاقية" بدءًا من الراحل عبد الحميد مهري ثم ضدّ علي بن فليس فعبد العزيز بلخادم ثم عمار سعيداني فجمال ولد عباس ومحمد جمعي، تستمر اليوم ضد الأمين العام الحالي أبو الفضل بعجي، وإن كانت الظروف تغيرت والخلاف والنقاش ازداد انحطاطًا وتفاهة، ليتذكر الجميع مقولة الراحل عبد الحميد مهري الشهيرة "إننا في زمن الرداءة، وللرداءة أهلها".

وخلال الأيام الماضية، تصدّرت صور اقتحام معارضي بعجي للمقر الوطني للحزب بحيدرة بالعاصمة الجزائر المشهد السياسي، ففي التاسع من شهر أيلول/سبتمبر الجاري اقتحم أعضاء من اللجنة المركزيين المنضوون تحت لواء ما يسمى "هيئة التنسيق الوطنية" المقر الوطني، في مشهد كان العنف والفوضى شعاره، وذلك للمطالبة برحيل أبو الفضل بعجي من الأمانة العامة للحزب.

وأصدرت هيئة التنسيق الوطنية لجبهة التحرير الوطني التي يرأسها محمد يسعد محمد، بيانًا تعلن فيه حالة شغور منصب الأمين العام للحزب، وتجريد أيو الفضل بعجي من صفة المناضل، ليتولى مهمة التسيير أعضاء هذه الهيئة إلى غاية عقد دورة اللجنة المركزية في أقرب وقت، حيث جردت هيئة التنسيق أيضًا مسؤول التنظيم رشيد عساس من صفة المناضل بجبهة التحرير الوطني

تشبث بالكرسي

كغيره من الأمناء العامين السابقين لـ'الأفلان"، يصر بعجي على عدم التخلي عن مقعده، وتجاهل حركة المطالبة برحيله، وذلك بالاستنجاد بالموالين له الذين يتكونون في الغالب من جناح مستفيد استطاع أن يصل إلى قبة البرلمان في الانتخابات التشريعية الماضية، حتى ولو كان نضاله داخل الحزب العتيد منعدما قبل هذه الاستفادة الانتخابية، وجناح ثالث يبحث عن الاستفادة في الانتخابات المحلية المقبلة المقررة في الـ 27 تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، وذلك بترشيحه على رأس قوائم الحزب في المجالس البلدية أو الولائية، والتي قد تفتح له باب الوصول إلى الغرفة الثانية للبرلمان.

ويدافع بعجي عن بقائه في قيادة "الأفلان" باستطاعته المحافظة على بقاء الحزب كأول قوة سياسية في البرلمان خلال الانتخابات التشريعية التي جرت في الـ 12 حزيران/جوان الماضي، واعدا باستطاعته على تحقيق هذا النجاح حتى وإن كان أقل بكثير من نتائج 2017 في المحليات المقبلة أيضا.

وقال بعجي إن جبهة التحرير الوطني ستدخل "للحفاظ على مكانتها الريادية كأكبر قوة سياسية في البلاد وستحقق انتصارًا مثل الذي حققته في تشريعيات الـ 12 حزيران/جوان الماضي".

وهوّن بعجي من قوة معارضيه، كون أن الحزب متعود على مثل هذه الأمور في كل موعد انتخابي، واصفًا إياهم بـ "المشوشين أصحاب المصالح الشخصية".

وحسب بعجي، فإن علاقة هؤلاء قد انتهت مع الحزب منذ التشريعيات الماضية، مشيرًا إلى أن "من بين هؤلاء المعارضين 19 ترشّحوا في قوائم غير قوائم حزب جبهة التحرير الوطني خلال تشريعيات يونيو و32 آخرين تم إقصائهم من اللجنة المركزية للحزب قبل تعيينه أمينًا عامًا".

وللتأكيد على حيازته على دعم من المناضلين، استنجد بعجي الأحد الماضي بالعشرات من أنصاره الذين تنقلوا إلى المقر الوطني بحيدرة، لإعلانهم دعم  الأمين العام الحالي في صورة تشبه لجان المساندة والمناشدة التي ميزت مسيرة الحزب خلال ترأس عبد العزيز بوتفليقة له. غير أن بعجي الذي كان إلى وقت قريب من المدعمين والمتملقين إلى الرئيس السابق، غير خطابه بالكامل وأصبح يتهم معارضيه بأنهم استمرار للنظام السابق.

مسألة غنائم

أثبتت السنوات أن الخصام المستمرّ داخل جبهة التحرير الوطني لم يكن ولا لمرة على المبادئ واحترام القانون الأساسي للحزب، والحرص على تلبية آمال المواطنين، فهذه الجوانب ثانوية أو منعدمة في قاموس المتشاحنين على كرسي الحزب الذي حكم البلاد لسنوات.

 ويظهر ذلك من خلال النقاش الذي يقدمه الحزب بقيادة أبو الفضل بعجي أو خصومه، والذي صار في الحضيض ولا يمت بأي صلة لجبهة التحرير التاريخية، إذ أن "الافلان" صار مكتبًا للتأييد أو الشجب الذي تبديه السلطة من مختلف القضايا.

 وأظهرت التحقيقات التي باشرتها العدالة أن الحزب العتيد كان مرتعًا للفساد والنصب، بداية بما سمح به رئيسه عبد العزيز بوتفليقة، ووصولًا إلى الاتهامات التي يواجهها الأمين العام السابق للحزب جمال ولد عباس، وما تنقله الصحافة ضد الأمين العام الأسبق عمار سعداني، إضافة إلى الإدانات التي يواجهها نواب ووزراء الحزب كالطاهر خاوة وبهاء الدين طليبة والسعيد بركات وغيرهم، دون الحديث عن الإدانات التي وجهت لمنتخبين محليين منتمين للأفلان الذين استغلوا مناصبهم لنهب المال العام.

وإذا كان الرئيس تبون قد رفع شعار إبعاد المال الفاسد عن السياسة من خلال قانون الانتخابات الجديد، إلا أن السلوكات والتناحر من أجل المناصب التي صارت تقليدا داخل الأفلان تجعل تحقيق هذا الهدف صعب التجسيد في حزب صار نشاطه مقترنا بالشجار الدائر بين بعجي وخصومه، وهو ما جعل  السلطة حسب قريبين من داخل الحزب تتتخلّى عن حاجتها لـ "الأفلان"، وترفع يدها منه لأنه صار -وفق هذه المصادر- يسيء إليها أكثر ما يفيدها، وهي التي ليست في حاجة للتدخّل في مسألة تزيد من منتقديها.

ذكر بعجي أبو الفضل أن اللائحة التي تم المصادقة عليها بالإجماع "بما فيهم هؤلاء المشوشين"

وعن سبب تأجيل انعقاد المؤتمر الوطني للحزب، ذكر بعجي أبو الفضل أن اللائحة التي تم المصادقة عليها بالإجماع "بما فيهم هؤلاء المشوشين" بعد انتخابه أمينًا عامًا تنص على تأجيل المؤتمر ستة أشهر مع منح الاولوية للأجندة السياسية الوطنية أي تأجيله الى ما بعد الاستفتاء والاستحقاقات التشريعية والمحلية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

بعجي: "الأفلان" سيكون مفاجأة التشريعيات القادمة

تيار معارض داخل "الأفلان" يرفض الاعتراف بشرعية بعجي