09-سبتمبر-2020

الجزائر أعلنت رفضها القاطع للانقلاب العسكري في مالي (فيسبوك/الترا جزائر)

كثفت الجزائر من تحركاتها الدبلوماسية بعد الانقلاب العسكري في مالي، في محاولة جديدة منها لخفض مستوى التوتّر الذي تعيشه جارتها الجنوبية، والتي لازالت تشكّل أكبر صداع قادم من الجنوب في السنوات الأخيرة، رغم محاولات الصلح واتفاقيات السلام التي احتضنتها لوقف الاقتتال بين الماليين، فهل تستطيع هذه المرة تهدئة الأوضاع أم أن خيوط اللعبة فلتت من بين أيديها؟.

ظلّت الجزائر على الدوام عنصرًا حاضرًا في حلّ المشاكل التي تعصف بمالي

وظلّت الجزائر على الدوام عنصرًا حاضرًا في حلّ المشاكل التي تعصف بمالي، فقد شكّلت اتفاقية الجزائر بأرقامها المختلفة أساس أي مفاوضات لوقف الاقتتال بين الحكومة والمتمرّدين خاصة في شمال البلاد.

 

اهتمام كبير

بعد ساعات من الانقلاب العسكري الذي قام به قادة في الجيش ضد الرئيس إبراهيم أبو بكر كيتا في الـ 18 آب/أوت الماضي، أعلنت الجزائر عبر وزارة الخارجية رفضها أي تغيير في الحكم خارج الأطر الدستورية.

وترفض الجزائر أي وصول لسدّة الحكم خارج الممارسات القانونية، امتثالًا للميثاق الأفريقي للديمقراطية والانتخابات والحكم لعام 2007، الذي ينصّ على أنه لا يمكن انتهاك عقيدة الاتحاد الأفريقي بشأن احترام النظام الدستوري.

وبعد مرور أكثر من  أسبوع من هذا الانقلاب، وفي ظلّ عدم اتضاح مخرج حقيقي للأزمة التي تعصف بمالي، تكيفت الجزائر مع معطيات الواقع، فقد حل يوم29آب/أوت وزير الخارجية صبري بوقدوم ببماكو، مبعوثًا للرئيس عبد المجيد تبون، وهو أسمى مسؤول أجنبي يحلّ بالبلاد عقب الانقلاب.

وقال بوقدوم بباماكو إن مالي بلد "في غاية الأهمية" بالنسبة للجزائر، وكل ما يعني هذا البلد الجار "فهو يعنينا أيضًا".

وذكر وزير الخارجية أنّ بلاده ومالي بلدان جاران يتقاسمان حدودًا طويلة، وتجمعهما علاقات تاريخية وعائلية وقبلية وصداقة".

والتقى بوقدوم ببماكو الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في مالي ورئيس بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام (مينوسما) محمد صالح النظيف، ورئيس بعثة الاتحاد الأفريقي إلى مالي والساحل بيير بويويا، واللذين درس معهما "الوضع الحالي في مالي وسبل مرافقته لمواجهة التحديات الراهنة".

وتطرّق ممثّل الجزائر مع أعضاء اللجنة الوطنية لإنقاذ الشعب في مالي، الوضع القائم في البلاد وسبل الخروج من الأزمة.

وأكد وزير الخارجية الجزائري "استعداد بلاده لمرافقة مالي في ظلّ هذه الظروف الاستثنائية"، مذكرًا بـ"التزام الجزائر الثابت اتجاه مالي وشعبها الشقيق، والذي لطالما اتسمت به العلاقات القائمة بين البلدين بما في ذلك تنفيذ اتفاق السلم والمصالحة في مالي المنبثق عن مسار الجزائر".

من جهتهم، أكد أعضاء اللجنة الوطنية لإنقاذ الشعب في مالي تمسكهم بالعلاقات الثنائية مع الجزائر، وأبدوا رغبتهم في "أن تتم مرافقتهم من أجل الخروج من الأزمة بشكل توافقي في أقرب الآجال الممكنة".

وقبل ذلك كان الرئيس تبون قد بحث هذا الملف في مكالمة هاتفيه مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي تدخلت بلاده عسكريًا هناك في كانون الثاني/جانفي 2013.

كما شكّل ملف الأزمة المالية محور المباحثات التي جمعته بنظيره التركي مولود جاوييش أوغلو في أنقرة، حيث أكد أن البلدان "يتشاركان الأفكار نفسها ودولة مالي مهمة جدًا واستقرارها مهم بالنسبة إلينا لزيادة الاتفاقيات".

مهمة صعبة

لا تبدو مهمة الجزائر سهلة في إعادة ترتيب البيت المالي، بالنظر إلى تعقيد الوضع، فإضافة إلى أن هذا الانقلاب يُنافي قوانين الاتحاد الأفريقي التي لا تعترف بمن يصل إلى السلطة بطرق غير دستورية، يبقى الشارع المالي ملتهبًا وحانقًا على النظام السياسي في البلاد، الذي لا يعني أنه قد زال بإزاحة أبو بكر كيتا من كرسي الرئاسة، لأن النظام العسكري وعقلية الانقلابات لازالت مترسخة داخل السلطة المالية حتى ولو تغير الأشخاص.

وتكمن صعوبة هذه المهمّة في مدى قدرة السلطة العسكرية الجديدة في مالي على امتصاص غضب المعارضة بقيادة الإمام  محمد ديكو الذي قاد منذ أشهر احتجاجات عارمة في العاصمة بماكو تطالب برحيل الرئيس المنقلب عليه، فعدم الوصول إلى اتفاق بين الطرفين سيمدد الأزمة ويعمق مشاكل الماليين.

وقد تضطر الوساطة الجزائرية في حال ما تحركت من جديد، إلى مراجعة اتفاق الجزائر حول السلم والمصالحة في مالي الموقع سنة 2015، وتعديله، خاصة وأن الأحداث في الجارة الجنوبية تتسارع، فالخطر لم يعد يقتصر على التهديد الإرهابي الذي يشكله تنظيم القاعدة وغيرها من الحركات المسلحة المتشدّدة رغم مقتل بعض قادتها هذا العام من قبل القوات الفرنسية، إنما أيضًا على أحداث القتل الطائفية التي زادت في السنوات الأخيرة، وأصبحت تشكل تهديدًا جديدًا للاستقرار في البلاد.

وشهد وسط مالي عدة مجازر راح ضحيتها مواطنون من طائفة " الفولاني" على أيدي مسلحين من عرقية "الدونزو"، فبداية العام الماضي، عرف مقتل 37 مدنيًا من رعاة "الفولاني"، بعد مهاجتهم من قبل مسلحين بمنطقة موبتي، وسط البلاد.

وبعد الانقلاب العسكري، تداول نشطاء ماليون على مواقع التواصل الاجتماعي أنباء تتحدث عن تعرض مواطنون عرب ومن أزواد بمدينة غاو وغيرها من مدن الشمال لهجمات عرقية، دون تحرّك من الجيش النظام أو القوات الفرنسية التي تدعي أن مهمتها توفير الأمن والاستقرار بمناطق الشمال.

ويغذي هذا الاحتقان وسط الأزواد والعرب شمال البلاد نزعة الانفصال عن مالي والمطالبة بحكم ذاتي أو الاستقلال بحجّة عدم تطبيق حكومة بماكو لاتفاق الجزائر، وهو عبءٌ جديد يقع على عاتق الجزائر الرافضة لأي محاولة لتقسيم جارتها الجنوبية.

مصالح خارجية

لا تقتصر مهمة الجزائر في مالي على تقريب وجهات النظر بين الأطراف المالية فقط، إنما أيضًا على الرمي بكامل طاقاتها الدبلوماسية لإيجاد توازن بين الأطراف الخارجية التي هي الاخرى جزءٌ من الأزمة في البلاد ، فباريس التي اندلعت بداية العام احتجاجات ضدها تحت عنوان تعجيل رحيل القوات الفرنسية من مالي، لا تزال إلى اليوم المتحكّم الرئيس بخيوط اللعبة في بماكو.

وشهدت العاصمة بماكو احتجاجات متتاليةـ تطالب برحيل القوات الفرنسية كونها بمثابة استعمار جديد للماليين، حتى لو أتت تحت غطاء تقديم المساعدة العسكرية لمواجهة التنظيمات الإرهابية.

وأدّت الصراحة التي عبر عنها سفير مالي في فرنسا في شباط/فيفري الماضي، بشان تجاوزات ارتكبها الجنود الفرنسيين إلى أزمة دبلوماسية بين البلدين، سرعان ما استطاعت باريس إخمادها.

وتوجد باريس في مالي ضمن قوّة برخان التي تضم 5100 جندي، وهي أكبر كتيبة للجيش الفرنسي خارج البلاد، وذلك بهدف حماية مصالحها، خاصّة ما تعلق بمناجم اليورانيوم، والحفاظ على سيطرتها على حزام منطقة الساحل خاصّة في دول موريتانيا والنيجر وبوركينافاسو.

لكن المستعمر القديم يلقى منافسة من دول أخرى، في مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية التي تنشر 7200 جندي في غرب أفريقيا والصومال، 800 منهم بالنيجر التي توجد بها قاعدة يمكن منها القيام بغارات جوية في الدول المجاورة عن طريق طائرات مسيّرة، مثلما قامت به سابقًا في ليبيا.

ورغم وجود جنود من دول غربية أخرى كالدانمارك وبريطانيا، إلا أن دورها يبقى صغيرًا مقابل الدور الفرنسي، لكن أذا صدقنا ما جاء في صحيفة "أتلايار" قبل أيام، فإن روسيا قد انضمت أيضًا إلى نادي الدول التي تبحث عن مكان لها في منطقة الساحل، فقادة الجيش الذين قادوا الانقلاب العسكري في مالي كانون قد تلقوا تدريبات عسكرية في روسيا مطلع العام الجاري، وفق ما تقول الصحيفة ذاتها.

بحث الجزائر المنهمكة بمشاكلها الداخلية على المساهمة في عودة مؤسسات الدولة للعمل في مالي

وأمام هذه المصالح المتداخلة، تبحث الجزائر المنهمكة بمشاكلها الداخلية على المساهمة في عودة مؤسسات الدولة للعمل في مالي، لتجنب موجة جديدة من اللاجئين الماليين الذين قد يزحفون شمالا باتجاهها، في حال ما انزلقت الأوضاع إلى ما عاشته جارتها الجنوبية عام 2012، وعندها يصبح من الصعب السيطرة على شريط حدودي يفوق 1300 كلم ، تُهرب عبره المخدرات والسلاح وينشط فيه تجار تهريب البشر نحو الشمال.