03-ديسمبر-2023
الأمية

وقفة سابقة لأساتذة محو الأمية بولاية الجلفة (الصورة: فيسبوك)

يعيش الأستاذ في قسم محو الأمية، إدريس نابتي، حالة من القلق والتوجس، فدخله الشهري المقدر بما يقارب الـ 18 ألف دينار (150 دولار أميركي) يقبضه كل ستة أشهر مع عقد لمدة عام قابل للتجديد.

النقابة الوطنية المستقلة لعمال التربية والتكوين دعت الرئيس عبد المجيد تبون إلى التدخل واتخاذ قرار رئاسي بإدماج أساتذة محو الأمية في مناصب عمل دائمة وإنهاء معاناتهم مع نظام التعاقد

ولا يحظى الأستاذ إدريس (33 سنة) بأجرة شهرين من السنة في الصيف، على خلاف مختلف الوظائف العمومية، ليتساءل كيف يمكنه أن يُعِيل عائلته، وأن يفكّر في الاستقرار والزواج ويفتح باب الطموح، في حين يتعلق قلبه بانتظار ترسيمه منذ سبع سنوات.

وقال نابتي لـ"الترا جزائر" إنه يعيش على الأمل في غدٍ أفضل، مع التطلع إلى تعديل القوانين كل يوم، "بالرغم من أنّ عملنا يتمثّل في تدريس محو الأمية للكبار ولمدة ثلاث مرات أسبوعيًا، إلّا أنه عمل جبار مع فئة من الكبار". ليوضّح: "كل ما تخبرنا به الحكومة هو أن الأمور ستنفرج وأن هذه الوضعية مؤقّتة".

تعكس حالة القلق التي يعيشها هذا الشاب، وضعية آلاف الجزائريين من الموظفين في عقود التدريس في أقسام محو الأمية للكبار والمقدّر عددهم بـأكثر من 12 ألف أستاذ ينتظرون الترسيم والتوظيف على قدر المساواة مع نظرائهم من الأساتذة وعمال العقود، التي تم ترسيمهم بعقود دائمة، بالإضافة إلى رفع أجرتهم الشهرية وتعديل وضعيتهم الاجتماعية والمهنية.

انتظار..

في ظلّ قرارات الرئيس عبد المجيد تبون القاضية بحلّ مشكلات العمال عبر مختلف القطاعات، ووعوده بفتح ملفات ظلت مغلقة لسنوات طويلة، وطيها نهائيًا، مع توجيه دفة المقدرات المالية نحو تسوية وضعية الآلاف، تبقى آمال الأساتذة معلّقة أمام مصير هذه الوعود.

تقول الأستاذة بمركز محو الأمية بمدينة تيبازة، غرب العاصمة الجزائر، عائشة حواس لـ"الترا جزائر" بأنها باشرت عملها منذ سنة 2011، إلّا أنّها مازالت تنتظر أن تحظى بالترسيم أولًا وتعديل قوانين أساتذة محو الأمية لاعتبارات اقتصادية واجتماعية.

وتتساءل السيدة حواس، وهي المتخرجة من كلية علم النفس بجامعة الجزائر عام 2007 بشهادة ماستر، عن سرّ عدم تسوية الوضعية المهنية لفئة أساتذة محو الأمية خاصة بالنسبة لتأخّر الأجرة الشهرية، مع "أهمية مراجعتها لـتحفظ كرامة الأستاذ".

مطالب وحقوق

تتوالى المطالب لعمال محو الأمية، من المتعاقدين لأكثر من عشر سنوات، دون استفادة الكثيرين منهم من الحقوق الاجتماعية مثل "عطلة الأمومة" بالنسبة للآلاف من الأستاذات، كما تقول السيدة حواس، بينما يناشد زملاءٌ لها في المهنة الحكومة من أجل التدخل لإنصافهم وتهيئة أرضية لاستمرارهم في هذه المهنة النبيلة، والنظر في تسوية وضعيتهم المؤقتة لعقد من الزمن، خاصة وأن الأعباء في المقابل كثيرة على الأستاذ، مع انخفاض مستوى المعيشة.

في هذا الصدد، دعت النقابة الوطنية المستقلة لعمال التربية والتكوين، الرئيس عبد المجيد تبون إلى "التدخل واتخاذ قرار رئاسي بإدماجهم في مناصب عمل دائمة، وإنهاء معاناتهم مع نظام التعاقد، كباقي الأساتذة المتعاقدين الذي استفادوا من إجراءات من السلطات العليا."

ويطرح رئيس النقابة، بوعلام عمورة، في تصريحات صحفية، أنّ الأساتذة في أقسام محو الأمية عبر مختلف ولايات الوطن كلهم متخرجون من الجامعات وحاصلين على شهادات عليا، إذ تتوفر فيهم مختلف شروط التوظيف والترسيم، خاصة مع سنوات الخبرة في هذا القطاع المهم من مجال التربية والتعليم.

من خلال سنوات العمل لأساتذة محو الأمية وخبرتهم في المجال، لفت عمورة إلى أن عدد سنوات الخبرة لكل الأساتذة في محو الأمية يتراوح ما بين 8 سنوات و15 سنة، وهو ما يعني حسبه، "خبرة وتجربة وثروة تعليمية وجب الدفاع عن مطالبها".

اللافت أيضًا أنّ أغلب المنضوين تحت غطاء الديوان الوطني لمحو الأمية وتعليم الكبار، قد قدموا مجهودات كبرى في التعليم في مختلف الظروف وفي القرى والمداشر والمدن، إذ تتمثل مطالبهم، وفق النقابة في "تعديل قانون العمل بعقد محدد إلى عقد مفتوح بواسطة إلغاء العمل بالمادتين 19 و22 من القانون الأساسي العام للوظيفة العمومية، بالإضافة إلى ترسيم جميع أعوان محو الأمية المتعاقدين في مناصب دائمة وحسب مؤهلهم العلمي".

كما تطالب النقابة الوطنية المستقلة لعمال التربية والتكوين بدفع رواتبهم شهريًا وليس كما هو الحال اليوم، إذ يتلقى الأساتذة أجرتهم مرتين كل سنة، مع الالتزام بتسديد أجور 12 شهرًا وليس 10 أشهر فقط.

إعادة النظر في قيمة الأجرة الشهرية ورفعها بما ينسجم مع القدرة الشرائية، من انتظارات المعنيين، فضلًا عن الاستفادة من المنح والعلاوات خاصة منها "منحة المردودية" مثلما هو معمول به في مختلف فئات التعليم في الجزائر.

وبالإضافة إلى ما سبق، تطالب هذه الفئة – حسب النقابة- بـ"الاستفادة من مختلف الخدمات الاجتماعية مثلهم مثل مستخدمي التربية، مع احتساب سنوات العمل والخبرة المهنية المكتسبة خلال مسيرتهم المهنية، في حال مشاركتهم في المسابقات الوطنية للتوظيف الخارجي للأساتذة".

وفي السياق ذاته طالبت النقابة، بمنح حق عطلة الأمومة للأستاذات، إذ تحرم الكثيرات حاليا منها، وتطالبهن الإدارة باستئناف العمل بعد ثلاثة أيام فقط من الولادة وإلا تتلقى التهديد بفسخ العقد.

أرقام

منذ 2008، بداية تنفيذ الحكومة لـ"الاستراتيجية الوطنية لمحو الأمية" في البلاد وإشراك أكثر من 13 دائرة وزارية وجمعيات المجتمع المدني، تمكن الديوان الوطني لمحو الأمية وتعليم الكبار من تدريس أكثر من 400 ألف متعلم، مع تخصيص ما يقارب 12 ألف قسم من الهياكل التابعة لعدة قطاعات لتعليم الكبار.

ونزلت نسبة الأمية، من 22 بالمائة سنة 2008، حسب تقديرات الديوان الوطني للإحصاء، إلى 7.96 بالمائة سنة 2021 ثم إلى 7.40 بالمائة سنة 2022، وفق ما يؤكده الديوان الوطني لمحو الأمية وتعليم الكبار.

وأبرز مدير ديوان محو الأمية، كمال خربوش، في تصريحات سابقة، أن أزيد من 67 بالمائة من مجموع المسجلين في الأقسام منذ انطلاق الاستراتيجية الخاصة بالقطاع الى غاية اليوم تحصلوا على شهادات تخرج، مشيرا إلى أنه تم سنة 2022 ادماج 986 شخص من أقسام محو الأمية في التعليم عن بعد و204 آخرين في التكوين المهني.

وتعتبر نسبة الأمية في الجزائر منخفضة كثيرا بالمقارنة مع ما رصده الجهاز العربي لمحو الأمية وتعليم الكبار، الذي يقدر النسبة في الوطن العربي بحوالي 21 بالمائة.