13-مايو-2016

يتميز الأطفال اللاجئون الأفارقة في الجزائر بإشاعة روح المرح أين حلّوا(الترا صوت)

لم يحدث أن استقبلت الجزائر موجات كبيرة من اللاجئين الأفارقة، خاصة من دولتي مالي والنيجر المجاورتين جنوبًا، مدفوعين إلى الهروب من مناخات الحرب والمجاعة، وبحلم بعضهم، خاصة الشباب، إلى اتخاذ الجزائر بوابة إلى الجنة الأوروبية، كحال السنتين الأخيرتين.

يتميز الأطفال اللاجئون الأفارقة في الجزائر، الذين لا تتعدى أعمارهم العاشرة، بسرعة البديهة والقدرة على التأقلم وإشاعة روح المرح أين حلّوا

تتضارب الأرقام المتعلقة بعدد هؤلاء، غير أنه بات ممكنًا أن تجدهم في أي تجمع سكاني مهما كان صغيرًا، رغم قيام الحكومة بترحيل بعضهم إلى بلدانهم الأصلية. أطفال ونساء وشباب وكهول يتحركون في جماعات، وينامون في الساحات العمومية وتحت الجسور، ويعتمدون في قوتهم على صدقات المحسنين.

اقرأ/ي أيضًا: التعليم.. حل أطفال اللاجئين الأفارقة بالجزائر

يتفاوت الجزائريون في النظر إلى هؤلاء الأفارقة، بين داع إلى ترحيلهم فورًا، خاصة وأن نسبة كبيرة منهم دخلت بعيدًا عن المراقبة، والحفاظ على الأمن العام بالنظر إلى انخراط بعضهم في شبكات تزوير العملة والسحر والشعوذة وتهجير البشر، وداع إلى معاملتهم معاملة إنسانية تليق بأواصر الجوار والدين، وتتزعم "الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان" هذا المسعى، بتنديدها مرارًا بالكوارث التي لحقت ببعضهم، كان آخرَها حريقُ أحد مراقدهم في مدينة "ورقلة" مخلفًا العديد من الوفيات.

يتصدر الأطفال الصغار عمليات التسول التي تعتمدها أسرهم، مصحوبين بها أحيانًا وفرادى أحيانًا أخرى، وقد ذكرت "رئيسة الهلال الأحمر الجزائري" سعيدة بن حبيلس، في سياق تبريرها عملَ الحكومة على ترحيل بعض اللاجئين، أنه تم ضبط 200 طفل جلبوا خارج إرادتهم وإرادة أسرهم لاستغلالهم في تحصيل المال.

يتميز هؤلاء الأطفال الذين لا تتعدى أعمارهم العاشرة بسرعة البديهة والقدرة على التأقلم وإشاعة روح الفكاهة والمرح في الفضاءات التي يرتادونها وإطلاق الابتسامات والضحكات في أوجه الجميع حتى أولئك الذين ينهرونهم.

"أمادو" القادم من منطقة سيغو المالية، تسع سنوات، واحد من الذين فرضوا أنفسهم في القطار الرابط بين الجزائر العاصمة ومدينة "الثنية"، 50 كيلومترًا شرقًا، حتى بات من دواعي الملل ألا يجده المسافرون فيه وهذا نادر الحدوث. لقد بات صديقًا للجميع.

تتضارب الأرقام المتعلقة بعدد اللاجئين الأفارقة في الجزائر، غير أنه بات ممكنًا أن تجدهم في أي تجمع سكاني مهما كان صغيرًا

اقرأ/ي أيضًا: اليمن.. قصص قتل وتعذيب الأفارقة

إذا سمعت ابتهاجًا عامًا في القاطرة فاعلم أن "أمادو" دخلها، وما عليك إلا أن تمد يدك إلى جيبك بحثًا عن قطعة نقدية، لأنك إن لم تعطه شيئًا فسوف لن تسلم من تعليقات المسافرين المثيرة للضحك عليك، أما إذا أعطيتَه فستحظى بقبلة ودعاء وربما بأغنية أو رقصة أو تهريج معين. يحمل "أمادو" الصغير صحنًا بلاستيكيًا أحمرَ صغيرًا لجمع النقود، وإن حدث أن جاراه الحظ وامتلأ سريعًا، فإنه يحشو جيبيه بها، فإن لم يكفه ذلك اضطر إلى النزول في محطة "باب الزوار" حيث يجد أبويه وأخته مستعدين لتلقي صيده الثمين.

"أمادو" براغماتي جدًا، فهو لا يطيل مع الشخص الذي يتأكد من كونه لن يعطيه شيئًا، ويحرص على أن يقابل "بخلَه" بابتسامات غزيرة، فلعله يعطيه في المرات القادمة، عكس بعض أترابه الذين يسيئون التصرف في هذه الحالات أحيانًا، كما أنه يستغل استعداد أحدهم للعطاء، بات يعرف ذلك من خلال قراءة الملامح وردود الأفعال، فيعمد إلى إغراقه بالدعاء والعبارات الدينية المستفزة.

نوم "أمادو" مع أسرته تحت الجسر ليلًا، وتجواله في القطارات نهارًا، مع ما يبذله من طاقة فكرية وروحية في التعامل مع الناس، يجعله أحيانًا ينام في أي مقعد متاح في القطار، لكنه وهو في عز الإغفاءة لا يُفلت صحنَه. علمًا أن إغفاءته لا تطول أكثر من ربع ساعة، إذ سرعان ما ينتفض من غير مقدمات وهو يردد بلكنته الأفريقية المحببة: "صدكة في سبيل الله".

يحدث ألا تكون الصدقة من النقود، بل مما يؤكل أو يُشرب أو يلبس ولا يختلف ابتهاجه بها عن ابتهاجه بالمال، غير أن أكثر ما يُسعد "أمادو" أن تسمح له بالاطلاع على الألعاب التي يتوفر عليها هاتفك الذكي، حينها قد يسهو عن صحنه وعن جيبيه ويغرق في إنتاج الابتسام والضحك لنفسه المحرومة من المدرسة ومن التلفزة ومن التكنولوجيا ومن سقف يأويه وأسرتَه في وطن آمن.

 

اقرأ/ي أيضًا:

المصريون.. أسطورة الأفارقة الذين لم يعودوا كذلك

محرز يفك شيفرة محنة الأفارقة في الدوري الإنجليزي