13-سبتمبر-2016

طفل جزائري مع ذبائحه (الأناضول)

يُشكّل طقس الذبح والسلخ في الجزائر، عرسًا يجمع أبناء الحي الواحد، الذين قد لا يلتقون على مدار العام مجتمعين إلا فيه، ولا يهمّ أن يوجد بينهم من لا يُحسن ذبح كبشه وسلخه، أو لا يملك الأدوات الخاصّة بذلك، فالروح الجماعية تهيمن خلال هذه المناسبة العميقة في النفوس. اليوم بات متاحًا أن نرصد صورًا من هذا العمق، من خلال موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، إذ تسارع نسبة كبيرة من الشباب إلى نشرها.

في مناطق كثيرة في الجزائر تحتكر النساءُ أكلَ أعضاء معيّنة من الأضحية، ويُكره أكلها للرجال، ويصل المنع إلى مقام التحريم

ما أن يتولى الرجال ذبحَ الأضاحي وسلخَها، حتى تصبح في عهدة النساء ليكملن إعدادها. عادة ما يبدأن بالرأس، يُسمّى شعبيًا "بوزلّوف"، فيتمّ "تشويطه/شعوطته" أي نزع صوفه بالنار، ثم بالكرش، تسمّى "الدوّارة"، فيتمّ تنظيفها ممّا تكدّس فيها من أعلاف، ثم بالكبد والرئتين وما جاورهما من أعضاء، لتكون هي أول ما يُحال على القلي والشواء.

ويمكننا أن نرصد جملًة من العادات والتقاليد الشعبية، لحظة الانتهاء من عملتي الذبح والسلخ، بعضها واسع الانتشار وبعضها محدوده، أو مختلف في بقعة أخرى، في بلد يمتدّ على 2.5 مليون كيلومتر مربّع، منها حمل الأطفال الصغار على أن يمسحوا وجوههم بجلد الأضحية، اعتقادًا بأن ذلك يقيهم من حَب الشباب والأمراض الجلدية، وإعطاء الذيل للنفساء أو الحامل، فتضعه تحت وسادة الرضيع، حتى لا تصيبه العين، ورمي واحدة من الأرجل الأربعة من النافذة، حتى يغادر النحسُ البيتَ، وجعل أكبر شخص في العائلة وأصغر شخص، أوّلَ من يأكل من لحم الأضحية، حتى تحلّ البركة فيه، فلا ينفد بسرعة، ذلك أن هناك اعتقادًا شعبيًا بأن العيد قال: "لقيتكم شاتيين ونخلّيكم شاتيين"، أي وجدتكم مشتهي لحم، وأترككم كذلك.

غير أن أكثر ما يثير في السياق، أن هناك مناطقَ كثيرةً، خاصة في الأرياف والقرى، تحتكر النساءُ فيها أكلَ أعضاء معيّنة من الأضحية، ويُكره أكلها للرجال، ويصل المنع إلى مقام التحريم، ليس من المنظور الديني، فيما يتعلّق بالأطفال، فإذا امتدّت يدُ أحدهم إلى عضو من تلك الأعضاء، واجهته عبارة "ما هو زين"، أي ليس لائقًا بك أكله.

تأتي في مقدّمة هذه الأعضاء الممنوعة على الأطفال، الكرش، والسبب هو الخوف من أن تظهر التجاعيد على وجوههم حين يكبرون، ثم اللسان، خوفًا من أن يُصبحوا كذّابين، ثم الكليتان، حتى لا يحصل لهم احتباس في البول، ثم الأمعاء، حتى لا يصابوا بـ"بوصفّاير" أي فقر الدم.

وفي ظلّ شح دراسات في علم الاجتماع، تؤصّل هذه الظاهرة الشعبية، لجأنا إلى بعض كبار السن، فاختلفوا في مقاربتها، ووجدنا ما ذهبت إليه الحاجة أم السعد، من محافظة برج بوعريريج، 200 كيلومتر شرقًا، أقربَ إلى المنطق وأكثرَ انسجامًا مع السياق الجزائري، خاصة القروي منه. تقول: "كان الفقر مهيمنًا واللحم نادرًا، زمن الاحتلال الفرنسي، وكان الذكور والضيوف يستحوذون على الذبيحة، حيث كانت الأسرة تتكوّن من ثلاثة أجيال، فتواطأت النساء على أن يربطن بعضَ الأعضاء ببعض المضاعفات السيئة، حتى يجعلنها حكرًا عليهن، وبالتراكم، بات ذلك قناعة شعبية عامة".

تضيف الحاجّة أم السعد، أن الأمر لا يتعلّق بالغنم فقط، بل يمتدّ إلى الدجاج أيضًا. "نمنع عن صغارنا أكل الرأس، حتى لا يفقدوا موهبة الحفظ، والكبد، حتى لا يطلعوا جبناء، والحويصلة، تسمّى "الكنزة"، حتى لا يصابوا بالتجاعيد، والأرجل، حتى لا يصابوا بالكساح". تختم: "ويصبح الديك والخروف مكروهين كلهما، إذا تمّ ذبحهما من أجل امرأة نفساء، حتى تستفيد منهما وحدها لحاجتها إلى اللحم".