07-أكتوبر-2016

قمع لتظاهرة معارضة في الجزائر العاصمة مطلع 2015 (بشير رمزي/الأناضول)

لم يحدث أن نال رئيس للحزب الحاكم في الجزائر "جبهة التحرير الوطني"، منذ فجر الاستقلال الوطني عام 1962، من السخرية الشعبية، مثلما نال الرئيس الحالي عمار سعيداني، 1950، من زاوية أنه كان ضابط إيقاع في فرقة موسيقية في الجنوب الشرقي، ثم قادته رياح طموحاته إلى أن أصبح الرجل الثالث في الدولة، برئاسته للبرلمان ما بين عامي 2002 و2007، ثم قيادته للحزب الحاكم الذي يرد اسمه في النشيد الوطني الذي كتبه شاعر الثورة مفدي زكريا: "جبهة التحرير أعطيناك عهدًا".

هناك ضرورة  لتحرير الأرشيف الوطني الجزائري لنعرف الوطني من الخائن

غير أن الرجل استطاع أن يخفف من جرعة الاستهزاء الشعبي به، في السنتين الأخيرتين، من خلال استباقه للأحداث المهمة في كواليس السلطة بأيام، وإخباره عنها، فتقع تمامًا كما أخبر، ممّا نقله من مقام البيدق الذي يحركه "قصر المرادية" إلى مقام الناطق غير الرسمي باسمه، بل بات يخوض باسمه المعارك التي كانت تبدو مستحيلة، منها معركته مع مدير جهاز المخابرات محمد لمين المدين/الجنرال توفيق المعروف بـ" ربّ الجزائر"، وهي المعركة التي انتهت بإحالته على التقاعد من طرف الرئيس بوتفليقة.

هذه الأيام، عاد سعيداني إلى الواجهة، من خلال جملة من التصريحات اللاهبة، ننتقي منها أنه اتهم عبد العزيز بلخادم، 1945، بكونه ينحدر من أسرة كانت تعمل لصالح الاحتلال الفرنسي، في خمسينيات القرن العشرين، داعيًا أسرة الإعلام إلى التحقيق في ذلك.

وما يهمنا في هذا السياق، بغضّ النظر عن صدق التهمة وزيفها، وإن كانت تهمة ناسفة بالمعايير السياسية الجزائرية، هو المنطق في تصريح سعيداني، إذ ما معنى أن يلتزم الصمت حين تولى بلخادم وزارة الخارجية ثم الحكومة ما بين عامي 2006 و2008، ثم تمثيل رئيس الجمهورية في المحافل الدولية، بالموازاة مع توليه الأمانة العامة للحزب الحاكم نفسه، قبل أن يُطلب منه التزام بيته في ظروف غامضة؟

اقرأ/ي أيضًا: هل تمّت خوصصة الحكومة الجزائرية؟

هنا يفرض علينا البيت الشائعُ لابن قيّم الجوزية نفسه: "إذا كنت لا تدري فتلك مصيبة، وإن كنت تدري فالمصيبة أعظمُ"، ذلك أن معلومة خطيرة مثل هذه، تدين المتهِم قبل المتهَم، علم بها مبكرًا أم متأخرًا، بالنظر إلى كونه كان الرجلَ الثالثَ في الدولة، يرأس غرفة التشريع، ثم أمينًا عامًّا لحزب الأغلبية، بغض النظر عمّا إذا كانت أغلبية مستحقة أم مغشوشة.

ما يشهده الجزائر من مناكفات بين قيادات الدولة أقرب لصراع عصابات حزبية مستمر منذ الاستقلال

ثم لماذا يكتفي الرجل بدعوة رجال الإعلام إلى التحقيق في الخلفية التاريخية لأسرة نظيره السابق في قيادة الحزب الحاكم، مادام متأكدًا من ذلك، عوض استعمال البرلمان الذي يحظى حزبه بالأغلبية فيه، في دعوة جهاز العدالة إلى التحقيق في الأمر، فهل هذه وظيفة الإعلام؟

ليست وظيفتنا، هنا، الدفاع عن هذا الطرف أو ذاك، من أطراف السلطة الحاكمة، بقدر ما هي أن نشير إلى الأثر السلبي لمثل هذه الاتهامات المحكومة بتصفية الحسابات الشخصية والسياسية، في صورة الثورة والوطن، لدى الأجيال الجديدة التي بدأت أصلًا تطرح أسئلة مختلفة بخصوصها.

ذلك أن ما قاله السيد سعداني عن السيد بلخادم، ليس التخوينَ الأوّلَ الذي تقوم به شخصية عامة في حق شخصية عامة أخرى، فقد فعلها قبله آخرون في حق آخرين، حتى بات الأمر سلاحًا جاهزًا يُشهره الجميع في أوجه الجميع، بما يُعطي "الحق" للجيل الجديد، بالتراكم وفي ظل غياب مؤسسة نزيهة تشرف على كتابة تاريخ

ثورة التحرير، في أن يكفر بالوطن نفسه، بصفته محكومًا بهذه الشرعية التاريخية، التي باتت وجوه الثورة والمنظمات الثورية نفسها تثير القلاقل عنها.

إن المنطق الذي يهمنا الدفاع عنه، عوض الدفاع عن أي طرف من الأطراف، يقتضي أن نوجه رسالة إلى هؤلاء المتنابزين بالتاريخ، مفادُها: إما ألا توظفوا التاريخ في صراعات الجغرافيا، طبيعية كانت أم سياسية، وإما أن تحرّروا الأرشيف، بعد نصف قرن من الاستقلال الوطني، لنعرف الوطني من الخائن، هكذا "يتهنى الفرطاس "الأصلع"، من حكان الراس".

اقرأ/ي أيضًا:
قسنطينة.. مدينة بألف وجه
فقراء في الجنوب الجزائري الغني بالنفط!