ترفع فعاليات معرض الإنتاج الوطني في طبعته الـ31 التي تختتم اليوم بالشركة الجزائرية للمعارض والتصدير "صفاكس" شرق العاصمة الجزائر ، بمشاركة قرابة 600 عارض، شعارًا واحد يتمثل في السعي لتلبية السوق المحلية، وإزاحة المنتوج الأجنبي من أولويات المستهلك الجزائري، وهو الهدف الذي تم في بعض القطاعات، لكن الهدف الأسمى للحكومة يبقى أن تحجز السلع والخدمات الجزائرية مكانًا في الأسواق الخارجية، فهل الواقع الحالي للإنتاج المحلي يسمح بتحقيق هذه الغاية؟.
الدكتور عبد الصمد سعودي لـ "الترا جزائر": يجب تحسين خدمات الموانئ الجزائرية التي تبدو بعضها كأنها مهيأة للاستيراد فقط ولا تضع التصدير ضمن مهامها الرئيسية.
تراهن الحكومة منذ وصول الرئيس عبد المجيد تبون إلى سدة الحكم نهاية 2019، على تخليص الاقتصاد الجزائري من تبعيته لعائدات برميل النفط، وذلك بمحاولة زيادة قيمة الصادرات خارج المحروقات التي تبقى مرتبطة بمدى قدرة المنتوج الجزائري على المنافسة خارجيًا، بالنظر إلى أن تحقيق هذه الغاية ليست بالمهمة السهلة حتى وإن لم تكن مستحيلة.
منتجات جزائرية
عند ملاحظة الإقبال الذي تعرفه مختلف المعارض التي تنظم في الجزائر في مختلف الولايات سواءً كانت عامة كمعرض الإنتاج الوطني أو متخصصة، فإنه يمكن القول بأن الإنتاج الجزائري بدأ دخول قائمة احتياجات المستهلك الوطني، ولكن لم يكن ذلك غالبًا من باب الجودة والأسعار ، ولكن بسبب غياب المنافسة وتوقيف الاستيراد واحتكار مجالات معينة من طرف عدد محدود من الخواص، وهو ما يمكن نعته بالواقع المفروض على المواطنين.
في مقابل ذلك، تنال منتجات جزائرية ثقة المستهلكين الجزائريين بصورة لافتة، تأتي الأجهزة الكهرومنزلية على رأس هذه القائمة، إذ يفضل كثيرون اقتناء منتوجات محلية إذا تعلق الأمر بأجهزة التلفزيون والثلاجات وأجهزة الطبخ والتدفئة وغيرها، إضافة إلى المواد الغذائية كالمصبرات ومواد البناء من إسمنت وحديد، وبعض مواد التجميل والألبسة الجاهزة وبالخصوص النسائية.
إلى هنا، أوضح أستاذ الاقتصاد بجامعة المسيلة عبد الصمد سعودي لـ"الترا جزائر" بأن هناك "تطور" في المنتوج الجزائري من حيث الكم والنوع مقارنة بالسنوات الفارطة، وهو ما يمكن قراءته من خلال ارتفاع قيمة صادرات الجزائر خارج المحروقات.
وبلغت صادرات الجزائر خارج المحروقات العام الماضي سبع ملايير دولار، و خمسة ملايير دولار في 2021، فيما لم تكن تتجاوز سابقًا حاجز 1.8 مليار دولار على الأكثر.
ولم تكشف الحكومة هذا العام عن قيمة الصادرات خارج المحروقات حتى اليوم، لكن الهدف الرسمي يتمثل في الوصول إلى 13 مليار دولار، وهو رقم ليس من السهل تحقيقه بالنظر إلى طبيعة الاقتصاد الجزائري، وضعف أداء القطاعات الصناعية.
وأشار سعودي إلى أن الإغلاق الذي عرفته الجزائر خلال أزمة كورونا، ساهم في دخول مؤسسات جزائرية حيز المنافسة وتلبية السوق المحلية، جراء ندرة بعض السلع محليًا وصعوبة تأمينها خارجيًا، وهو ما جعل تلك الفترة فرصة للمستهلك الجزائري لأن يضع ثقته في هذا المنتجات.
وأضاف أستاذ الاقتصاد أن بعض القطاعات استطاعت أن تحقق الاكتفاء الذاتي والتصدير إلى الخارج مثل قطاع البناء من سيراميك وإسمنت وحديد.
أداء ضعيف
غير أن الأداء الباعث على التفاؤل المسجل في مجالات معينة، لا ينفي حقيقة متواصلة منذ سنوات تتمثل في أن الاقتصاد الجزائري يبقى مرهونًا بتحولات سوق النفط، بالنظر إلى ضعف القطاعات غير الريعية.
ويشير الأستاذ عبد الصمد سعودي إلى أن أكبر نقطة سوداء تسجل في الإنتاج الوطني هو نقص المنتج الصناعي، والذي يظلّ أساس تطور الاقتصاديات في مختلف دول العالم، كونه قادرا على إحداث الفارق عن المنافسين.
ويبقى أداء القطاع الصناعي رغم تحسنه دون المستوى المنشود، إذ لم تتعد مساهمته في الناتج المحلي نسبة 5.8 بالمئة سنة 2022، رغم تسجيله نموًا بنسبة 3.5 بالمئة.
تفاؤل محدود
لكن رغم هذا، تبني الحكومة آمالًا كبيرة على تطوير القطاع الصناعي بالجزائر، من خلال بعث المشاريع الاستثمارية العالقة، وإطلاق استثمارات إستراتيجية في قطاعات التعدين والمناجم والسيارات والصناعة الصيدلانية.
في هذا السياق، قال وزير الصناعة والإنتاج الصيدلاني علي عون خلال جلسة استماع عقدتها لجنة الشؤون الاقتصادية والتنمية والصناعة والتجارة والتخطيط للمجلس الشعبي الوطني، إنه بعد المشاكل والتأخيرات التي تراكمت على قطاع المؤسسات الاقتصادية العمومية منذ سنوات، فإن"2024 ستكون سنة نهضة الصناعة من خلال برنامج طموح يعتمد استراتيجية جديدة مبنية على تحسين المردودية، وحوكمة تسيير المؤسسات الاقتصادية العمومية ورفع العراقيل عنها".
وأوضح عون أنه بخصوص المؤشرات الاقتصادية لقطاع الصناعة إلى غاية آب،أوت 2023، فهي تشير إلى "مواصلة تعافي الشركات القابضة والمجمعات الصناعية, وبالمقابل هشاشة بعض المجمعات والشركات وضعفا في الاستجابة لمتطلبات السوق ومواكبة المنافسة".
وأعلن المدير العام للوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار عمر ركاش هذا الأسبوع بلوغ عدد المشاريع المسجلة على مستوى الوكالة من تشرين الثاني/نوفمبر 2022 إلى التاريخ ذاته من 2023 حاجز 4651 مشروع استثمار، مشيرًا إلى أن هذا العدد يشمل "90 مشروعًا يضم أجانب ما بين مشاريع استثمار أجنبي مباشر ومشاريع استثمار في إطار الشراكة".
التسويق في الجزائر
وربط الدكتور عبد الصمد سعودي في حديثه مع "الترا جزائر" تحسين أداء المنتج الجزائري على المنافسة الخارجية باتخاذ جملة من التدابير، منها طرح سلع وخدمات ذات تنافسية من حيث الجودة والسعر، حيث يمكن الانطلاقة في هذا الشأن بالمواد البيتروكيماوية، ومختلف المنتجات التي تعتمد على قطاع النفط، بالنظر إلى أن الأسعار المطبقة في الجزائر تسمح بإنتاج أقل تكلفة وبأرباح أكبر في الأسواق العالمية.
وركز المتحدث أيضًا على الجانب التسويقي الذي يظل هزيلًا في الجزائر، ويتطلب المشاركة المستمرة في المعارض الدولية للتعريف بالإنتاج الوطني، إضافة إلى الاعتماد في هذا الإطار على الدبلوماسية الاقتصادية، حيث يجب على السفراء أن يكونوا مجندين على طول العام للتعريف بالإنتاج الجزائري، والمساهمة في جلب الاستثمار المربح للبلاد.
لا يرتبط الاقتبال على المنتج المحلي غالبًا بالجودة والأسعار ولكن إلى غياب المنافسة وتوقيف الاستيراد واحتكار مجالات معينة من طرف عدد محدود من الخواص
كما يشدد سعودي على أهمية حصول المنتوج الجزائري على مؤشرات ومقاييس الجودة المعترف بها دوليًا، والتي تكون شرطًا للنشاط في بعض الأسواق، مثل شهادات "إيزو" بتصنيفاتها المختلفة، مشيرًا في السياق ذاته إلى ضرورة تحسين خدمات الموانئ الجزائرية التي تبدو بعضها كأنها مهيأة للاستيراد فقط، ولا تضع التصدير ضمن مهامها الرئيسية.