27-أبريل-2022
احتجاجات

(الصورة: نون بوست)

قدّم الرئيس الجزائري عبد المجيد تبّون إشارة سياسية لاحتواء الوضع الاجتماعي في البلاد ومواجهة الغليان النّقابي منذ أيام، باختياره التّهدئة الاجتماعية، في خطابه عبر حوار تلفزيوني دوري لوسائل الاعلام المحلية، شدّد فيه على ضرورة توجيه الدعم للفئات الهشة كمبدأ من مبادئ الدولة الاجتماعية.

29 نقابة تابعة لقطاعات متعدّدة في الجزائر قررت الدّخول في إضراب وطني شامل ما بين يومي 26 و27 نيسان/أفريل الجاري

أعلن الرئيس تبون في ردّه على أسئلة الصحافيين في لقاء بثه التلفزيون الجزائري الليلة الماضية عن زيادات جديدة في أجور العمال، قائلا "هناك زيادة في الأجور، وفي علاوة البطالة، بعد تقييم مجموع مداخيل السنوية للبلاد من عائدات النقط، على أن يبدأ تطبيق هذه الزيادات في شهر كانون الثاني/ يناير المقبل"، إضافة إلى رفع علاوة أخرى في منحة البطالة التي بدأ العمل بها منذ بداية الشهر الحالي والمقدرة بـ13 ألف دينار جزائري أي ما يعادل 60 يورو، يحصل عليها مليون بطال.

وتستهدف هذه الزيادات حسب الرئيس رفع القدرة الشرائية في الجزائر، خصوصًا أمام التهاب الأسعار بالنسبة لعديد المواد الغذائية، في مقابل الرفض الكبير الذي أعلنته النقابات تجاه الزيادات في الأجوار المعلن عنها مؤخرًا.

غليان عمالي

من جانبها، قررت 29 نقابة تابعة لقطاعات متعدّدة في الجزائر، الدّخول في إضراب وطني شامل ما بين يومي 26 و27 نيسان/أفريل الحالي، رافضة القرارات الأخيرة المتعلقة بالزيادات الطفيفة في الشبكة الاستدلالية لمرتبات الموظفين، واعتبرتها تعديل بسيط مخيّب لتوقعات العمال، حيث لم تكن لها أي أثر على القدرة الشرائية للموظفين.

ونددت النقابات في بيان لها بـ" الوضعية الاجتماعية المتدهورة للعمال، والتي تنذر بانفجار الوضع وتهدد السلم الاجتماعي"، متهمة الحكومة بأنها " غير القادرة على تسيير وضعية السوق خصوصًا ما تعلق بضبط الارتفاع لجنوني لأشعار المواد الواسعة الاستهلاك، في مقابل انخفاض صارخ للخدمات العمومية على مستوى عديد القطاعات، إضافة إلى التضييق على الحماية الاجتماعية الناتج عن انخفاض قيمة العملة الوطنية وارتفاع نسبة التضخم".

وعليه، دعت النقابات إلى رفع قيمة النّقطة الاستدلالية في الأجور إلى 100 دينار جزائري، التي تعادل نصف يورو، علاوة على فتح ملف الأنظمة التعويضية لمراجعة المنح والعلاوات، وتحيين منح المناطق على الأجر الرئيسي الجديد بدل الأجر .

إعلان سياسي استباقي

بذلك يعتبر توقيت هذا "الإعلان السياسي" من طرف الرئيس عن زيادات منتظرة يبدأ تطبيقها شهر كانون الثاني/ يناير من السنة المقبلة، مهمّ جدًا، حسب المتابعين للشأن النقابي في الجزائر، إذ يكون تبون قد خطا خطوة استباقية قبل يومين من بدء أكبر حركة إضراب عمالي دعا إليه تكتّل يضمّ 20 نقابة عمالية في قطاعات حساسة وهي الصحة والتعليم والضرائب والعدل والبلديات وغيرها من النقابات، على خلفية الوضع الاجتماعي وانهيار القدرة الشرائية.

وتشكّل تصريحات الرئيس تبون "هدنة اجتماعية"، حسب قراءة أستاذ علم الاجتماع السياسي عبد الكريم رزاوي إذ تعطي التصريحات الانطباع بأنها موجّهة إلى الطبقة العمالية والجبهة النقابية بهدف إقرار تهدئة أو الذهاب نحو تسوية المطالب العمالية في شتى المجالات.

كما أضاف في تصريح لـ"الترا جزائر" أن هذه الخطوة من شأنها أن تمنح الحكومة بقيادة الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمان هدوء في اتخاذ إجراءات مقبلة لإقرار زيادات مُجزية في الأجور.

وفي نفس السياق، أوضح الأستاذ رزاوي أن قرار الرئيس يؤشّر على تفهم سياسي لموقف النقابات وقلق العمال من الزيادات الأخيرة للنقطة الاستدلالية والتي لم ترض العمال الموظفين بسبب ضعفها قدرت من 8 إلى 12 يويو شهريًا فقط، وهي زيادة غير مقنعة أمام ارتفاع الأسعار. 

نقابيا، تتجه النقابات إلى عقد اجتماعات متواصلة في قادم الأيام خصوصا وأنها قررت إضرابًا وطنيًا شاملًا يمس قطاعات خدمية حساسة، ما ينذر بشلل تام في المنظومة الاجتماعية على الصعيد الوطني، خاصّة في قطاعات التربية والصحة والتضامن.

وأكد الأستاذ عبد الله منحور العضو في نقابة الاتحادية الوطنية لعمال التربية أن النقابات العمالية لن تتوقف عن التصعيد فيما تعلق بالوضعية الاجتماعية، لافتا إلى أن الزيادات الأخيرة لم تكن متوقعة خصوصًا وأن المواطن البسيط يعاني من ضعف القدرة الشرائية.

وتساءل النّقابي منحور عن جدوى تقديم وعود دون الاتفاق مع مختلف ممثلي العمال حول مطالب العمال في شتى القطاعات، خصوصًا وأن النقابات التي أعلنت الإضراب المتوقّع هذا الشهر هدّدت بالتصعيد في خطوات ينتظر أنها ستكون حاسمة في تأجيج الشارع.

وزراء في عين الإعصار

إضراب النقابات هو الأكبر من نوعه من حيث التفاف عديد الكيانات التي تدافع عن حقوق الطبقة الشغيلة، غير أن الحكومة الحالية مهددة بغليان شعبي بسبب صراعها الخفي بين المواطن – الموظف والطبقة الهشة من جهة وضعف القدرة الشرائية والأسعار التي لم تتوقف عن الارتفاع في عزّ شهر رمضان.

ورغم سعي الدولة على الحفاظ على مبدأ " الدعم للطبقة الفقيرة أو المعوزة"، إلا أن الرئيس تبون أقرّ "إنشاء لجنة وطنية في شهر أيار/ المقبل بالتّنسيق مع النقابات والبرلمان والأحزاب السياسية، لمعرفة وجهة نظرها في مراجعة آلية الدعم الموجه للفئات الاجتماعية المعوزة"، موضحا أنه وجب توجيه الدعم للفئات المعوزة، موضحًا بالقول "مبدأ الدولة الاجتماعية بالنسبة للجزائر أمر ثابت منذ البيان التاريخي لثورة التحرير، لكن الجزائر تطورت وهناك فئات أصبح لديها مداخيل كبيرة ولا تحتاج إلى دعم الأسعار، لذلك نحن نعمل على إعادة ضبط الى لتوجيه الدعم الى مستحقيه".

أعلن الرئيس الجزائري عن تعديل وزاري مرتقب بعد إجراء تقييم لعمل الوزراء كل حسب قطاعه

ووفق تداعيات الشأن العام وتأثيرات الأسعار على جيوب المواطنين، أعلن الرئيس الجزائري عن تعديل وزاري مرتقب بعد إجراء تقييم لعمل الوزراء كل حسب قطاعه، بعد عام من تعيين حكومة أيمن بن عبد الرحمن في أعقاب الانتخابات النيابية الماضية التي جرت في حزيران/جوان من العام الماضي.

يبدو أن زيادات الأجور أتت بنتيجة عكسية على الحكومة، فبعد أن كان متوقعًا أن تسهم هذه الزيادات في امتصاص غضب الشارع، فجّرت الزيادات التي أقرتها الحكومة في أجور موظفي القطاع العام، غضب النقابات الوطنية التي عبّرت عن صدمتها من ضآلة هذه الزيادات وعدم تناسبها مع تدهور القدرة الشرائية.