02-أكتوبر-2019

أغلب الأحزاب الإسلامية في الجزائر ترفض تقديم مرشّح للانتخابات (فاروق بتيش/ أ.ف.ب)

بعد أخذ وردّ، قرّرت أحزاب محسوبة على التيّار الإسلامي في الجزائر، عدم خوض منافسة الانتخابات الرئاسية المقرّر تنظيمها في الـ 12 من كانون الأول/ ديسمبر المقبل، بمرشّحين في العملية الانتخابية، غير أنّها تركت الباب مفتوحًا أمام دعم الذهاب نحو الانتخابات في موعدها المحدّد، بحجّة أن حلّ الأزمة يكمن في العودة إلى المؤسّسات الشرعية.

مجلس شورى حمس، كان شديدًا هذه المرّة أمام رغبة رئيس الحركة مقري، بأن يخوض المعركة الرئاسي

مسار بمواقف متعددة

سبق لأحزاب التيّارات الإسلامية، أن خاضت العمليات الانتخابية، التي عرفتها الجزائر منذ التعددية الحزبية في تسعينات القرن الماضي، غير أن الرئاسيات بالنسبة لحركة مجتمع السلم، التي يقودها عبد الرزاق مقري، تجربة لم تستطعِمها الحركة إلا مرّة واحدة؛ وذلك في عهد الشيخ محفوظ نحناح في عام 1995، إذ نافس الرّاحل نحناح وقتها رئيس الدولة اليامين زروال على كرسي الرئاسة، لتدخل الحركة بعدها إلى صفّ التحالف الرئاسي، ودعم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة في ثلاث عهدات رئاسية سابقة إلى غاية 2014، حيث أعلنت الحركة انسحابها من التحالف، ثم مقاطعة الانتخابات في الفترة نفسها.

بعد اجتماع مجلس الشورى لحركة مجتمع السلم السبت الماضي، وانتظار موقفها الأخير حيال المستجد السياسي الهام، أفضى الاجتماع إلى أغلبية تعارض فكرة تقديم مرشّح عن الحركة، ولأسباب تراها الحركة "منطقية في الظرف الراهن الذي تشهده البلاد"، كما يقول القيادي في الحركة ناصر الدين حمدادوش لـ"الترا جزائر"، موضّحًا أن "غياب ظروف سليمة لإجراء انتخابات نزيهة، لا يشجّع على تقديم الحركة فارسًا من فرسانها في العملية الانتخابية" على حدّ قوله.

مجلس شورى حمس، كان شديدًا هذه المرّة أمام رغبة رئيس الحركة مقري، بأن يخوض المعركة الرئاسية، لكن "شرعية المؤسّسات في الحركة هي من حسمت الموقف" بحسب قيادات الحركة، غير أن حمدادوش اعتبر أن موقف الحركة القاضي هو "عدم مقاطعة الانتخابات كعملية سياسية حاسمة لإخراج البلاد نحو تركيز مؤسسة شرعية هي رئاسة الجمهورية"، موضحًا أنه "من الضروري إجراء الانتخابات، والحركة معنية بسيرورة هذه العملية".

احتمالات وخيارات مفتوحة

إلى حدّ هذه التصريحات التي أعلنتها الحركة بتفاصيل أخرى في بيان لها، ثمّ خلال مؤتمر صحافي حول الموضوع، تعدّدت القراءات لقراراتها، ويُمكن أن يُفتح المجال لخيارات أخرى في يد الحركة بناء على ما ستفضي عنه الأحداث في قادم الأيام، إذ يمكن "تفسير الموقف السياسي لحركة مجتمع السلم بأنها تبقي الفضاء الانتخابي مفتوحًا أمام خيارات أخرى ممكنة"، بحسب عبد الله بخوش، أستاذ العلوم السياسية في تصريح لـ"الترا جزائر"، لافتًا إلى أنّ الحركة "لم تُغلق باب الرئاسيات نهائيًا، بل تتوقّع أن تدخل في تحالفات انتخابية مع قوى المعارضة لدعم مرشح ما، وذلك بحسب خطوطها السياسية في هذا السياق".

داخل حركة مجتمع السلم، هناك تقاطعات كثيرة في الأفكار والأطروحات، إذ واجهت الحركة واقعين لا مفر ّمنهما؛ أوّلهما موقف المؤسسة العسكرية التي أقرّت بإجراء الانتخابات ولا يمكن لـ"عاقل" أن يرفضه، يقول الأستاذ بخوش، وموقف ثانٍ وهو ضغط الشارع الذي يرفض إجراء الانتخابات في ظلّ بقاء الحكومة الحالية التي هي من نتاج نظام الرئيس بوتفليقة، لكن لم يُنكر حمدادوش أن هناك مُعطى مهمًّا داخل الحركة، وتمّت مناقشته خلال اجتماعات مجلس الشورى، يتمثّل في "عدم جاهزيتها لتقديم مرشح للانتخابات المقبلة".

التحالف الاستراتيجي للأحزاب في الجزائر

هذا المعطى، طرح مشكلات أخرى؛ إذ إن عدم جاهزية أيّ حزب لخوض غمار المنافسة الرئاسية، ستُلقي لا محالة بظلالها على عملية جمع التوقيعات، بالإضافة إلى الاستعداد لتنظيم الحملة الانتخابية، والتي يُجمع متابعون للشأن السياسي في الجزائر، أنها لن تكون سهلة في ظلّ المعطيات التي أفرزها الحراك الشعبي، وتداعيات مواقفه، والرفض الرّهيب من قِبَل المواطنين لأغلب العائلات السياسية من أحزاب وشخصيات محسوبة على نظام الرئيس السابق بوتفليقة.

كان موقف جبهة العدالة والتنمية التي يرأسها الشيخ عبد الله جاب الله، موقفًا واضحًا في عدم تقديم مرشّح للانتخابات، رغم ترشحه في انتخابات 1999، وكان من المنافسين للرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة في انتخابات قبل انسحابه رفقة خمسة مرشحين آنذاك، غير أنه قاطع كلّ الانتخابات التي نظمت خلال الـ20 سنة، معتبرًا في تصريحات نقلتها وسائل الإعلام أن "ظروف إجراء انتخابات 2019 غير متوفّرة، في المقابل اعتبار أن إجراءها أكثر من ضرورة للحفاظ على مؤسسّات الدولة، وأن يُمنح للشعب حق ممارسة سلطته.

مواقف الأحزاب المنتمية للتيار الإسلامي في الجزائر جاء تِباعًا، فعقب إعلان جاب الله عدم تقديم مرشح للاستحقاقات المرتقبة نهاية السنة، أعلنت حركة الإصلاح الوطني أنها تدعم الانتخابات وتحتكم لمجلس الشورى فيما يتعلّق بدراسة خيارات التحالف مع أحد المرشّحين، بينما حركة النهضة التي يقودها محمد ذويبي، تدعم إجراء الانتخابات في موعدها دون تقديم مرشّح عنها، كما هو الحال لجبهة الجزائر الجديدة التي لم تقدّم مرشّحها أيضًا.

العزف المنفرد

لقد شذت حركة البناء الوطني التي خرجت من رحم حركة مجتمع السلم عن القاعدة، إذ تعتبر الوحيدة التي أعلنت باكرًا ترشّح رئيسها عبد القادر بن قرينة، الذي شغل منصب وزير السياحة في فترة حكم بوتفليقة، وهو ما يفسّر عدم انتظاره لـ"معرفة تردّدات موجة التيّار الإسلامي في الجزائر خلال مرحلة تقديم مرشحيها"، كما قال الباحث في الحركات الإسلامية مصطفى بن هدنة في حديث إلى "الترا جزائر"، لافتًا إلى أن الأحزاب المنتمية للتيّار الإسلامي يمكنها أن تخطو خطوة نحو إجراء مشاورات مع العائلات السياسية الأخرى نحو تزكية مرشّح إجماع"، على حدّ قوله.  

مع اتضاح العملية السياسية في الجزائر، ورغبات الوجوه والشخصيات تحسبًا لانتخابات الرئاسة، هل ما تطرحه الأحزاب المنتمية للتيار الإسلامي هو ارتباك في الموقف أم هو موقف اللاموقف؟ سؤال مهم برأي المهتمين بالشأن السياسي العام في الجزائر، إذ لطالما مثّل هذا التيّار قِطعة مهمة في الفِعل الديمقراطي في الجزائر، يقول الأستاذ بن هدنة.

يوضّح المتحدّث أنّ "حجر الزّاوية في قراءة مواقف الأحزاب داخل التيّار الإسلامي في الجزائر، هي حالة الفتور السياسي في الساحة، بعد أن تجاوز الحراك كل الأحزاب بمختلف مشاربها وخلفياتها الفكرية"، مضيفًا أن الارتباك نلحظه من خلال "التضييق على حريّة التعبير بشكلٍ عام، ثم لا ننسى أن التيّار الإسلامي أصابته الشروخ والانقسامات التي أضعفت حضوره ميدانيًا، علاوة على مواقفها حيال القضايا الوطنية في زمن حكم الرئيس بوتفليقة وفترة ما بعد بدء الحراك الشعبي".

يبدو أن حركة مجتمع السلم لا تريد الدخول بمرشّح في الرئاسيات تفاديًا للدخول في مواجهات مع السلطة

لكن، هناك قراءات أخرى لمواقف التيّار الإسلامي بتعدد أطرافه، أهمّها "تتعلق بالإبقاء على مبدأ الذهاب نحو إجراء الانتخابات دونما الدخول في مواجهة مع موقف السلطة الفعلية في البلاد، رغم أنها أي هذه الأحزاب كانت صارمة في اصطفافها مع مطالب الحراك منذ بداياته، وقرار عدم خوض جولات الحوار مع هيئة الحوار التي قادها رئيس البرلمان الأسبق كريم يونس"، يقول الأستاذ بن هدنة، مشيرًا إلى أن هناك فواعل سياسية يمكنها أن تغيّر المشهد السياسي، إن تقدّمت شخصية تتوافق عليها هذه الأحزاب، ومختلف الفعاليات المحسوبة على المعارضة، على حدّ تعبيره.