18-أبريل-2020

السلطة اعتقلت عددا من المدونين بسبب منشوراتهم على فيسبوك حول الوباء ('تصوير: فاروق باتيش/Getty)

يصحو الجزائريون يوميًا منذ تسجيل البلاد أول الإصابات بفيروس كورونا، وإقرار الحكومة إجراءات الحجر الصحّي للوقاية من هذا الوباء، على تداول إشاعات متعلقة بـ "كوفيد- 19" انتشر بعضها كانتشار النار في الهشيم، وكان له أثر في حياة الناس وسلوكياتهم، ولعلّ أبرزها تلك المتعلّقة بغلق محطات الوقود بسبب انتشار الفيروس.

اضطرت وزارة التجارة ومؤسّسة نفطال بداية الشهر الجاري، إلى تكذيب إشاعة صدور قرار بغلق محطات الوقود

التعاطي مع الإشاعات اليومية على مواقع الإجتماعي، ليس بجديد على الجزائريين، إلا أن تأثيرها ازداد خلال فترة انتشار الوباء وإقرار إجراءات الوقاية، حيث يتزايد الطلب عل المعلومة والبحث عن المستجدّات من أيّ مصدر كانت، فكل واحد منّا ربما وقع مرّة على الأقل في فخ هذه الإشاعات مهما كان مستواه المعرفي وتحصيله العلمي، فما هي السبل لوقفها؟ وكيف يتعامل القانون في الجزائر معها؟.

اقرأ/ي أيضًاالأزمة الوبائية في الجزائر.. أين هي الحكومة الإلكترونية؟

إشاعات بالجملة

اضطرت وزارة التجارة ومؤسّسة نفطال بداية شهر نيسان/أفريل الجاري، إلى تكذيب إشاعة صدور قرار بغلق محطات الوقود بسبب الإجراءات المتّخذة للحدّ من انتشار فيروس كورونا.

بعد تداول هذه الإشاعة التي وردت في بيان مزوّر صادر باسم وزارة التجارة، يعلن عن غلق محطات الوقود، اصطف العديد من السائقين أمام محطات الوقود في طوابير طويلة لتعبئة خزانات سيارتهم، دون التأكّد من مصدر وصحّة هذا القرار الإشاعة، بل إن البعض بقي مصدقًا لهذا الخبر الذي لا أساس له من الصحة، حتى بعد نقل وسائل الإعلام  تفنيد الجهات المعنية لما جاء في البيان المغلوط.

لا تعدّ هذه الحادثة الوحيدة التي وقعت في الفترة الأخيرة، فقد تداول البعض أيضًا، بيانًا منسوبًا لوزارة التربية التونسية على تقديم العطلة الربيعية، على أنه صادر عن وزارة التربية الجزائرية، وهذا قبل أيام من إصدار الأخيرة لقرار تقديم العطلة الربيعية أيضًا بسبب جائحة كورونا.

وبسبب الغموض الذي مازال مستمرًا بشأن مستقبل التلاميذ، وتتمة دراسة الفصل الثالث من الموسم التربوي أو إلغائه، تم تداول إشاعات تتعلق بالامتحانات الرسمية والوطنية، وهو الوضع الذي جعل وزارة التربية تصدرُ بيانًا توضّح فيه أنها لم تتخذّ أي قرارٍ بشأن السنة الدراسية ككلّ، لأن الأمر يتعلق بتطورات الوباء.

وامتدت الإشاعة حتى إلى رئاسة الجمهورية، بتداول وثيقة على مواقع التواصل الاجتماعي يدعي أصحابها أنها مسودة الدستور، التي سُلّمت للرئيس عبد المجيد تبون، قصد طرحها للنقاش ثم للاستفتاء الشعبي، ورغم تضمّن المسودة بعض الجوانب الغريبة، إلا أنها لقيت التصديق من قبل بعض الأطراف، الأمر الذي دفع برئاسة الجمهورية إلى التأكيد أن ما تم تداوله مجرّد إشاعات ولا علاقة لها بالوثيقة الحقيقية للدستور المنتظر.

حبس وغرامات

على غير العادة، لا تتعامل السلطات هذه المرة بتساهلٍ مع مرّوجي الإشاعات، خاصّة في الظرف الحالي الذي تطبعه أزمة كورونا، فقد أعلنت وزارة التجارة الأسبوع الماضي إلقاء الشرطة القبض على مروّج إشاعة قرار غلق محطات الوقود، بعد تقديمها لشكوى لدى مصالح الأمن التي تمكنّت في وقت قياسي من إلقاء القبض على مسرّب هذه الإشاعة".

وأوضحت الوزارة، أنها رفعت أيضًا "شكوى رسمية ضدّ هذا الشخص لمتابعته قضائيًا، والذي تم الاستماع إليه لدى المصالح القضائية المختصّة لولاية البليدة، وتم إيداعه السجن المؤقّت إلى غاية محاكمته".

وأكّدت وزارة التجارة أنها "لن تتوانى في المتابعة القضائية، وعدم التسامح مع أيّ شخص أو هيئة كانت تستعمل اسم الوزارة في أيّ تصريح أو قرار مغلوط لمغالطة الرأي العام ونشر الأكاذيب وزرع البلبلة".

وأوقفت مصالح الدرك الوطني بالبليدة شخصين، أحدهما كان يصوّر فيديو لصديقه صاحب صفحة التواصل الاجتماعي، وهو يُروج لإشاعات واتهامات لعناصر الدرك الوطني ببني تامو بغرض التشهير، مُدّعيًا فيه أنهم سلبوه مبلغًا ماليًا يقدّر بـ 5000 دج، إضافة إلى ساعة يد وخاتم"، ليتبيّن أن المعنيين قاما بهذا الفعل انتقامًا من عناصر الدرك التي رفضت مخالفتهما لإجراءات الحجر الصحّي.

وبالبليدة أيضًا، التي تخضع لحجر كلي لأزيد من أسبوعين، تم إيداع شخص الحبس المؤقت  بتهمة نشر إشاعات كاذبة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مفادها قيام السلطات العليا للبلاد باتخاذ قرار الحجر الكلي بولاية الجزائر العاصمة، وإغلاق محطات البنزين بداية من الفاتح نيسان/أفريل الجاري.

ويولاية وهران غرب الجزائر، قامت وحدات الدرك الوطني بتوقيف فتاة ثلاثينية نشرت مقطع فيديو يروج لمعلومات "كاذبة"، تدّعي فيه فرار أشخاص من الحجر الصحي بمركب الأندلسيات بوهران غربي البلاد، من خلال استغلالهم للنفوذ.

وجاء في المادة 96 من قانون العقوبات الجزائري، أنه "يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وبغرامة من 3600 إلى 36000 دينالا جزائري، كل من يوزّع أو يضع للبيع، أو يعرض لأنظار الجمهور، أو يحوز بقصد التوزيع، أو البيع، أو العرض بغرض الدعاية منشورات أو نشرات أو أوراقًا من شأنها الإضرار بالمصلحة الوطنية".

وجاء في المادة ذاتها أنه "إذا كانت المنشورات أو النشرات أو الأوراق من مصدر أو وحي أجنبي، فإن عقوبة الحبس ترفع إلى خمس سنوات، ويجوز للمحكمة علاوة على ذلك أن تقضي في الحالتين السابقتين بعقوبة الحرمان من الحقوق المبينة في المادة 14 من هذا القانون و بالمنع من الإقامة".

حلول بيد السلطة

في هذا السياق، يذكّر أستاذ علم الاجتماع نور الدين بكيس في حديث إلى "الترا جزائر"، أن الإشاعة ليست ظاهرة جديدة على المجتمع الجزائري، بل إنها كانت ولازالت جزءًا من حياة المواطنين.

ويرجّع بكيس ازدهار الإشاعة في الظرف الحالي، كونها كثيرًا ما ترتبط بالسياقات المتأزمة كالوضع الحالي الذي تعيشه البلاد والمتعلق بانتشار فيروس كورونا، كونها تشكل جزءًا من الإشباع للأسئلة التي يطرحها الفرد، لأن السلطة لا تملك القدرة على الإجابة على الفراغات المعلوماتية الموجودة لدى المواطنين.

وحسب أستاذ علم الاجتماع، فإن تمكّن الإشاعة من الولوج إلى المجتمع الجزائري بسرعة فائقة، يرجع بالأساس إلى غياب ثقة المواطنين في السلطة التي تكوّنت خلال السنوات السابقة، وهو ما تأكد في هذه الأزمة، لأن السلطة التي وعدت بالقضاء على أزمة حليب الأكياس فشلت في ذلك، وجدت نفسها غير قادرة على إقناع المواطن بخطابها مع اندلاع أزمة أخرى تمثّلت في ندرة دقيق القمح الصلب.

ويرى بكيس أن الحلّ الوحيد للسلطة للقضاء على الإشاعة، هو العمل على كسب ثقة المواطن، لأنّ التركيز على إثبات العكس بالكشف عن مصدر الإشاعة والحجب على مواقع التواصل الاجتماعي قد يكون له رد فعل سلبيّ، يتمثل في تصنيف عملها في خانة محاولة التضييق على الآراء وإعطاء كل خطوة منها خلفية سياسية، لذلك وجب الحرص على مدّ المواطن بالمعلومة الصحيحة الكاملة.

تتحمّل السلطة جزءًا كبيرًا من المسؤولية، بسبب شحّ المعلومات وغياب آليات التواصل مع المواطنين

رغم المخاطر الناجمة عن انتشار الإشاعات في هذا الظرف، الذي يشهد انتشارًا واسعًا للوباء في البلاد، إلا أن تحرّك القضاء لتسليط عقوبات قاسية على مروّجي الإشاعات في هذا الظرف، يزيد من حالة الخوف والتوتّر بين المواطنين في ظل تطبيق إجراءات الحجر الصحّي، فضلًا على ذلك، فالسلطة تتحمّل جزءًا كبيرًا من المسؤولية، بسبب شحّ المعلومات وغياب آليات التواصل مع المواطنين الذين يلجأون للبحث عن المعلومة، حتى في المصادر غير الموثوقة.

 

اقرأ/ي أيضًا

دروس افتراضية في الجزائر.. هل تفك العزلة عن المتمدرسين في عزّ الوباء؟

كورونا.. لا وفاة في الـ 24 ساعة الأخيرة و27 ولاية لم تسجل أيّة إصابة