16-أبريل-2020

إجراءات الحجر الصحي تزيد من فرص إعلان سنة دراسية بيضاء (تصوير: إيغور أليف/Getty)

يُحاول كثيرون في الجزائر استغلال فترة الحجر الصحي والإجراءات الوقائية المفروضة على ولايات الوطن، في إنجاز بعض المشاغل العالقة، أو أخذ حصص تدريبية في عدّة مجالات، تتناسب مع البقاء في المنزل لفترات طويلة، ونجد هنا، أن الطلبة الجامعيون وتلاميذ المادرس، من هؤلاء الذين حاولوا استغلال الفرصة وتدارك الدروس الضائعة قبل نهاية السنة، حيث قالت منظمة اليونسكو إن حوالي مائة بلد  أقرّ تعطيل الدراسة وغلق المدارس، ممّا أثر على دراسة نصف طلاب العالم.

أكّدت  منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو"،على عدم إغفال مخاطر التوقّف عن الدراسة لمدة طويلة

 ينتاب معظم الأولياءالآنالكثير من القلق، حيث لا يعرفون بالضبط ما عليهم فعله حيال هذا الوضع الطارئ، خاصّة أولئك الذين يجتاز أبناؤهم امتحانات مصيرية كشهادة  البكالوريا وشهادة التعليم الابتدائي والأساسي مخافة مواجهة شبح السنة البيضاء.

اقرأ/ي أيضًا: ابتكارات لمواجهة كورونا في الجزائر.. هل تراهن السلطة على الكفاءات؟

كان الرئيس عبد المجيد تبون، قد قرّر في وقت سابق إغلاق مدارس التعليم الابتدائي والمتوسّط والثانوي، إضافة إلى الجامعات، والمؤسّسات التكوينية، ومدارس التعليم القرآني، الزوايا، وأقسام محو الأميّة، ومختلف المؤسّسات التربوية الخاصّة، ورياض الأطفال، وذلك بداية من يوم الخميس 12 آذار/ مارس 2020، إلى غاية انتهاء العطلة الربيعية في الـ 5 نيسان/أفريل، ومن ثمّ تمديد هذا التعطيل إلى غاية الـ 19 من الشهر نفسه، منعًا لتفشي فيروس كورونا في الأوساط التعليمية.

تداعيات تعطيل الدراسة

في هذا السياق، أكدت دراسات كثيرة وتقارير قامت بها المنظمات المعنية، وأهمها  منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكوعلى عدم إغفال مخاطر التوقّف عن الدراسة لمدة طويلة، حيث يؤثر خفض الوقت التعليمي بشكل سلبي جدًا على التحصيل الدراسي، مما يؤدّي إلى تراجع المستوى الدراسي والذكاء لدى المتمدرس، إضافة إلى حدوث الكثير من الخسائر في الترابط الأسري، كتعقيد حياة العائلات المادية والمعنوية، وخفض الإنتاجية الاقتصادية، وهذا بسبب محاولة الأولياء، خلق جوٍّ يوازن بين العمل ورعاية أبنائهم، مما قد يسبّب الكثير من المشاكل لهم.

"خطة طوارئ" الوزارة

ومن أجل تدارك هذا الاختلال الذي حصل في برامج الدراسة خلال الحجر، طرحت وزارة التربية منذ أيّام ما أسمته  "خطة طوارئ" لمواجهة تداعيات تعطيل الدراسة التي ترهق الأولياء والمتمدرسين على حدٍّ سواء.

كان أهم ما جاء في هذه الخطة القابلة للتجديد حسب بيان الوزارة، وضع "برنامج تعليمي بالتنسيق مع وزارة الاتصال، تحت مسمى "مفاتيح النجاح"  والذي يبث دروسًا نموذجية للفصل الثالث من السنة الدراسية 2019 -2020، وذلك بداية من يوم الأحد 05 نيسان/أفريل 2020، حيث تبث عبر قنوات التلفزيون العمومي.

تخصّ هذه البرامج تلاميذ السنة الخامسة ابتدائي، الرابعة متوسط والسنة الثالثة ثانوي، وذلك باتباع برنامج زمني للبث التلفزيوني لم يحدّد بعد، إضافة إلى نية الوزارة حسب نفس البيان، لتوفير كل وسائل الدعم المدرسي عبر الإنترنت، من خلال قنوات خاصّة ستفتح عبر اليوتيوب وصفحات الويب، للتخفيف من تراكم الدروس جرّاء هذا التوقف.

التكنولوجيا لا تصل إلى الجميع

يبدو أن دروس التقوية متوفّرة على الإنترنت بشكل مكثف من خلال  قنوات اليوتيوب والبثالمباشر، ولاتخلو المواقع أيضًا من روابط وقنوات للتعليم عن بعد، خاّصة تلك التي تُعنى باللغات ودروس التقوية منذ سنوات، كما أن أغلبها يلتزم بالبرنامج الدراسي لكل سنة، أيّ أن خطوة الوزارة لم تكن بالإضافة الكبيرة المنتظرة، لهذا تبدو الأوضاع مبهمة وسط تخبط قطاع التربية، كما باقي القطاعات في إجراءات اعتباطية فرضتها الظروف الراهنة التي ما تزال قائمة، ما دام خطر فيروس كورونا منتشرًا عبر مختلف ولايات الوطن.

في الوقت ذاته، أغفلت وزارة التربية أيضًا وجود فئة كبيرة من التلاميذ الذين لا يمتلكون وسائل تربطهم بالتكنولوجيا والإنترنت، حيث يتخبّط أولياؤهم في دوامة توفير لقمة العيش وسدّ رمقهم، إذ لا يجدون سبيلًا لتوفير هذا النوع من وسائل التواصل، إضافة إلى غياب كلّي للتنسيق الإلكتروني والهاتفي بين الأولياء والأساتذة والمدراء، بغية توجيه الأولياء وإرشادهم إلى أفضل الطرق لجعل أبنائهم يلتزمون بالدروس بشكلٍ جدّي.

الأستاذ ونفسية المتمدرس

يقوم أستاذ اللغة الفرنسية حانطي نائل، بتقديم دروس عبر الإنترنت والمباشر على موقع فيسبوك، من خلال دروس للدعم والتقوية لتلاميذه، إضافة إلى تخصيص وقت للدعم النفسي لهم، حيث  قال في تصريح لـ "الترا جزائر"، إنّه أيقن منذ الإعلان عن خبر تقديم العطلة الربيعية أن الأمور ستتعقد وتطول، حيث لن يكون هناك رجوع للمدارس قبل الفاتح من شهر ماي على أقلّ تقدير.

أدرك نائل حجم الصعوبات التي ستواجه التلاميذ عامة وطلبة البكالوريا خاصّة، كما أضاف أن الانقطاع المفاجئ عن أجواء الدراسة قد يؤثّر على تحصيلهم الدراسي، وقد يفقدون حتى ما درسوه خلال الفصلين الأوّل والثاني.

من هنا، جاءت فكرة إعادة تفعيل مجموعة المراجعة الخاصّة بالثانوية "ثانوية ابن خلدون بالجلفة"، حيث تمت حسب المتحدّث، دعوة أقصى عدد ممكن من التلاميذ إليها قصد مواصلة تقديم الدروس سواءً كانت مكتوبة، أو عبر حصص شرح مباشرة.

أردف المتحدث أن نصف التلاميذ تعذّر عليهم الالتحاق بالمجموعة، لأسباب تعود بالأساس إلى عدم امتلاكهم لأجهزة إلكترونية تمكنهم من التصفّح، إضافة إلى عدم توفّر الإنترنت لديهم، في حين تم توفير ما تيسّر من الدروس والتمارين لبقية من التحقوا، خاصّة في المواد المطلوبة التي يصعب على التلميذ دراستها بمفرده كالرياضيات، يضيف المتحدث.

في السياق نفسه، أشار الأستاذ نائل حانطي، إلى ضرورة تسليط الضوء على ما يعانيه التلاميذ من نقص وصعوبة التفاعل، وهو ما يجعل العملية حسبه، منقوصةً من العامل الأساسي للعملية التربوية، وهو العامل الإنساني المبني على التواصل خاصّة.

يستطرد أستاذ اللغة الفرنسية، أن تمديد الحجر وظهور عدّة إشاعات على مواقع التواصل، زيادة على إمكانية فرض السنة البيضاء، وفرضية إلغاء شهادة البكالوريا، جعل أغلب التلاميذ يفقدون التركيز ويفشلون في التغلّب على مخاوفهم، مما جعل التواصل معهم بحسب تجربة الأستاذ نائل الشخصية، في أغلبه تربويًا نفسيًا وتحفيزيا أكثر منه تعليمي، لأنّ المحتوى التعليمي في حد ذاته، يعد منتشرًا عبر اليوتيوب وغيره من المواقع والمنصّات.

يختم المتحدث، أنّه على أن التلاميذ يمرون بفترة يحتاجون فيها إلى خلايا إصغاء تجيب على أسئلتهم واستفهاماتهم، وتبثّ فيهم الأمل والاطمئنان.

مخاوف الطلاب وهاجس السنة البيضاء

من جهتها، تخوّفت الطالبة رانيا، التي تجتاز هذا العام شهادة البكالوريا من برمجة هذا الامتحان المصيري في شهر حزيران/جوان المقبل، إذا اعتبر الفصل الثالث مُلقنًا بالفعل من خلال الإجراءات التي اتخذت مؤخّرًا، وقالت الطالبة في تصريح لـ "لترا جزائر"، إنه من الواضح أن الطرق التي تم اللجوء إليها للتعويض ليست مجدية بتاتا.

أضافت رانيا أنه بصفتها طالبة بكالوريا، كانت تتلقى برنامج الفصل الأوّل في الثانوية وفي البيت وفي المدارس الخاصّة، رفقة زملائها، لكنهم يواجهون الآن حسبها صعوبات ونقائص في بعض المواد، وتساءلت عن جدوى الاعتماد على حصّة من نصف ساعة على التلفاز.

أما بالنسبة للمراجعة، فقد قالت الطالبة إنها لا تعتقد حقًا بوجود تلاميذ يدرسون بشكلٍّ جدّي ويُحَضّرون للامتحان في هذه الظروف، مع أنها فرصة ذهبية بالنسبة إليهم لفعل ذلك، ويعود ذلك حسب رانيا إلى جهل التلاميذ بمصير الامتحان وموعده، ومحتواه من المواد المقررة، إذ كثرت الاقتراحات والحلول على مواقع التواصل الاجتماعي دون وجود أي إصدار لأي قرار رسمي من طرف الوزارة.

في سياق متصل، تقول رانيا إن الطلبة لطالما تلقوا التحفيز والالتزام من طرف الثانوية والأساتذة ومن بعضهم البعض أيضًا، لكن مع هذا العزل لم يعد معظم الطلبة والتلاميذ يفكرّون بجدية في الدراسة والامتحانات المصيرية، كما أنهم لا يقلقون أصلًا بشأنها، خاصّة بعد أن ألغت معظم الدول الامتحانات، وأعلنت عن سنة بيضاء.

أغفلت وزارة التربية وجود فئة كبيرة من التلاميذ ممن لا يمتلكون وسائل تربطهم بالإنترنت

في الأخير، أكّدت الطالبة على أن الدروس لم تكن يومٌا هي المشكلة لأنّها متوفّرة بكثرة، لكن نفسية المتمدرسين حسبها متعبة، خاصّة مع أخبار انتشار المرض والخوف من الموت التي سيطرت على الجميع، جراء تضارب الأخبار وسطوة العواجل المفجعة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

بن بوزيد: الأرقام المسجلة في العاصمة لا تستدعي الحجر الكلي

الجمهور الجزائري يقاوم "عزلة الكورونا" بـ "السفر في الزمن"