21-أكتوبر-2019

الاعتداءات على الصحافيين الجزائريين تزايدت في الفترة الأخيرة (تصوير: رياض كرامدي/ أ.ف.ب)

منذ عدّة أسابيع، سحبت القنوات الخاصّة، كاميراتها المصوّبة نحو الحراك الشعبي، وانخرطت بعض الصحف اليومية أيضًا في سياسة التعتيم هذه، وأصبحت تتجاهل الحديث عن شعارات المسيرات الشعبية ومطالب الشارع، واتضح أنّ هامش الحرّية الذي اكتسبه الإعلام الجزائري في الأسابيع الأولى للحراك الشعبي تحت شعار "الحراك حرّر الجميع"، لم يكن سوى نزهة قصيرة، إذ سرعان ما عاد المشهد الإعلامي إلى سابق عهدة في فترة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، وربّما أسوأ ممّا كان عليه.

تنافست القنوات الخاصّة في بداية الحراك الشعبي، على النقل المباشر للأحداث

بين الشارع والشاشة

تنافست القنوات الخاصّة في بداية الحراك الشعبي، على النقل المباشر للأحداث، ورفعت المنابر الإعلامية صوتها عاليًا ضدّ رموز نظام الرئيس السابق، في بلاتوهات النقاشات السياسية، واحتلت عواجل توقيف رجال الأعمال والمخابرات ووزارء في الحكومة السابقة، مساحة كبيرة من شريط الأخبار، غير أنه فجأة انقطعت كلّ تلك التغطيات، وأصبحت هذه القنوات تتفادى حتى تخصيص تقارير يومية في نشرات الأخبار، عن يومي الحراك الثلاث والجمعة من كلّ أسبوع، خاصّة بعدما رفع الشارع شعارات تطالب المؤسّسة العسكرية بعدم التدخّل في القرارات السياسية، وأخرى رافضة لإجراء انتخابات رئاسية.

اقرأ/ي أيضًا: حرية الصحافة في الجزائر.. ضحك على الذقون

بفعل الرّقابة التي تفرضها السلطات الحالية اليوم، باتت قاعات التحرير تُمارس رقابة ذاتية في التعاطي مع الأخبار والأحداث، خاصّة تلك التي تصدر عن مجموعات سياسية معارضة، كما حدث الثلاثاء الماضي مع بيان الشخصيات الـ 19، الذي تجاهلته القنوات والصحف إلا عددًا قليلًا منها، بسبب ما تضمّنه من مواقف مناوئة للسلطة.

ما يحدث اليوم في الصحف والقنوات الخاصّة، لا يختلف عن توجّهات الإذاعة العمومية أيضًا، غير أن الصحافيين العاملين فيها، انتفضوا ضدّ الوضع ونشروا بيانا انتقدوا فيه ما وصفوه "باستمرار الرقابة على عملهم ومنعهم من تغطية الأحداث الوطنية، التي يتصدّرها الحراك الشعبي منذ 22 شبّاط/ فبراير الماضي".

طالب صحافيو الإذاعة في بيان لهم، باحترام حرّية الصحافة، والالتزام بتقديم خدمة عمومية للمواطن، وأضاف الموقّعون على البيان "من واجبنا مرافقة هذه الحركة في تطوّراتها؛ لأنّه من دون تقديم معلومة صحيحة ومحايدة، لا توجد خدمة عمومية".

يُضيف البيان، "إضافة إلى التضييق في هوامش معالجة الأخبار والأحداث والتدخّلات في الخط التحريري، ومنع تغطية الحراك الشعبي، فقد سُجّل تزايد حالات الاعتداء على الصحافيين، من قبل قوّات الأمن، حيث تعرّض محمد جرادة مراسل قناة الحرّة، للتعنيف من قبل الأمن برغم حيازته للاعتماد، بينما اعتدى متظاهرون على الصحافي ياسين ابن الربيع دون مبرّر".

من جهته، عبّر المجلس الوطني للصحافيين، عن قلقه من تصاعد الاعتداءات على الصحافيين في الجزائر، وذكر في بيان له أن المجلس"يُتابع ببالغ القلق، ظروف العمل الصعبة والخطيرة التي يمارس فيها الصحافيون مهنتهم في الجزائر، إضافة إلى هشاشة ظروف عملهم المهنية والاجتماعية، وحساسية الوضع العام في البلاد، وما تمرّ به الجزائر من مرحلة تحوّل فارقة".

واستنكر المجلس حديث النشأة، من تصاعد حالات تعنيف الصحافيين، سواءً من طرف مواطنين، أو من أعوان حفظ النظام العام، إضافة إلى توقيفهم وسجنهم في ظروف تثير جدلًا لا يخدم صورة البلد، وهو يعيش مخاض الانتقال إلى مرحلة جديدة، بحسب البيان.

ضبابية المشهد الإعلامي

رغم تواصل الحراك الشعبي، منذ ما يقارب تسعة أشهر، إلا أن تغطية الأحداث تراجعت بشكل كبير، وانسجمت النقاشات السياسية في بلاتوهات التلفزيون، مع خطاب السلطة الداعي إلى إجراء انتخابات رئاسية في أقرب الآجال. خطوة باتت تطرح تساؤلات عديدة، كما ذكر  رئيس جمعية المراسلين الصحافيين في ولاية البليدة، الصحافي نور الدين أعراب، واصفًا التغطيات الإعلامية بالباهتة، واعتبر  تناول الإعلام للحراك الشعبي في تصريح لـ"الترا جزائر" بأنّه "يعكِس سقف الحرّيات المتاحة في الفضاء الإعلامي الجزائري".

من جهتها، عزّزت الأستاذة في الإعلام وهيبة لعضايمية هذا الطرح، بقولها إنّ الإعلام في فترة الغضب الشعبي في الجزائر"ساير الحراك في البداية بحذر، قبل أن ينفتح على التغطية، وتتحوّل القنوات إلى الميدان، ونقل المستجدّات، ثمّ ما لبثت أن غادرته"، مشيرةً في حديث إلى "الترا جزائر"، أنّ هذه التغطية المتذبذبة للحراك الشعبي، تعيدنا إلى ما يُسمى إعلاميًا بـ"حارس البوابة"، الذي يفتح ويغلق ويحدّد ما يمرّ عبر البوابة من أخبار دون غيرها، موضّحة أن كلّ هذه الممارسات من شأنها أن "تؤثر سلبًا على قطاع الإعلام في الجزائر، في وقت كانت تطلّعات الصحافيين أكبر من ذلك، وهي "تحرير قطاع الإعلام، وأن يكون ناقلًا للواقع ولا يزيّفه، في ظلّ انتفاضة الشارع التي تُتابع باهتمام ما يحدث، دون أن يمسّ بثوابت المجتمع وسيادة البلد".

يتّفق ممارسو المهنة في الجزائر، على أنّ الصحافي ليس فوق القانون ويرفضون في المقابل تجريم العمل الصحافي، من هنا، تستنكر الصحافية نايلة برحّال، الضغوطات التي يتعرّض لها الصحافيون خلال تغطيتهم للحراك، لافتةً إلى أن كلّ الانتقادات الموجّهة للإعلام في الشارع غير عقلانية ومؤذية على حدّ تعبيرها، فالصحافي "لا يمكنه أن يكون مع طرف ضدّ طرف آخر".

وضعية اجتماعية مقلقة

ليس التضييق على هامش الحرّيات فقط، ما يدفع إلى القلق على وضع الصحافة في الجزائر، في عيدها الوطني الموافق لـ 22 تشرين الأوّل/ أكتوبر من كلّ سنة، فثمّة أيضا مشاكل أعمق مرتبطة بذلك، تخصّ الوضع الاجتماعي الهشّ لدى الإعلاميين في عدد من المؤسّسات، إذ يعاني جزءٌ كبير من الصحافيين من غياب التأمين والضمان الاجتماعي، بالرغم من عملهم في بعض الأحيان في مناخات متوتّرة ، وكمثال على ذلك، اكتشف الصحافي عبد الجبار بن يحيي، الذي كان يعمل في قناة خاصّة، حين تعرض لإصابة على مستوى الساق، خلال تغطيته لمسيرات الحراك الشعبي، أنّه لم يكن مؤمّنًا لدى الضمان الاجتماعي من طرف مؤسّسته في تلك الفترة، وهو ما لم يمكّنُه من الاستفادة من تعويضات العلاج، كما أن عددًا من الصحف والقنوات تعاني من ضائقة مالية، لم تتح لصحافييها الحصول علي مرتّباهم بشكلٍ منتظم، فمنذ أكثر من سبعة أشهر لم يتقاضى صحافيو جريدة "صوت الأحرار" التابعة لحزب جبهة التحرير الوطني أجورهم، ما اضطرهم في وقت سابق إلى الاحتجاج أمام مقرّ الحزب.

يبدو أن قطاع الإعلام في الجزائر اليوم يمرّ بأصعب فتراته منذ التعدّدية السياسية والإعلامية

يبدو أن قطاع الإعلام في الجزائر اليوم يمرّ بأصعب فتراته منذ التعدّدية السياسية والإعلامية، وما أعقبها من تحرير السمعي البصري بعد ذلك، غير أن العمل الصحافي اليوم، باتت تحكمه عدّة معايير مرتبطة أساسًا بفواعل سياسية واقتصادية، جعلته اليوم يخطو خطوة للأمام، ثم يتراجع خطوات أخرى للوراء، إذ يخضع قطاع الإعلام للتجاذبات السياسية، وتغييرات أنظمة الحكم المتعاقبة، وما حقّقه في فترة بوتفليقة من "مكاسب"، قد يتنازل عنها مستقبًلًا.

 

اقرأ/ي أيضًا:

قضية "الخبر".. الصحافة الجزائرية على مفترق طرق

جريدة "الشروق" الجزائرية.. من وراء إيقافها