05-يونيو-2021

التيار الديمقراطي أعلن مقاطعته التشريعيات في الجزائر (صورة أرشيفية/رياض كرامدي/أ.ف.ب)

وَصفت بعض الأطراف السياسية من أحزاب الموالاة، قرار قطب التيّار الديمقراطي القاضي بمقاطعة الانتخابات البرلمانية على أنه موقف راديكالي، وموقف لا يخضع إلى المرونة والبرغماتية السياسية، تترتب عنه خسائر وأضرار سياسية، ومن شأن القرار إبعاد التيّار الديمقراطي عن صناعة القرار والمشاركة السياسية، والاخفاق بشكلٍ عام في تحصيل مكاسب سياسية، فهل يمكن اعتبار الخط السياسي المعارض لتوجهات السلطة متطرفا وراديكاليًا فعلًا؟

أكّدت الحركات الاحتجاجية منذ سنتين عدم قدرة التيّار الديمقراطي على التحول من حركة نضالية إلى حركة مواطناتية

في هذا السياق، لا يُمكن الحديث عن أخطاء تقديرية نتيجة راديكالية التيار الديمقراطي تجاه النظام وهذا لعدّة أسباب، منها أنّ العمل السياسي ليس معادلة رياضية ثابتة، بل إنّ النشاط السياسي يأتي نتيجة مقاربة تعتمد على جملة من التصوّرات والقراءات نسبية المقصد، كما أنه اجتهاد انساني وذهني يحتمل الصواب أو الخطأ بحسب المقدّمات ونتائجها، ويشكّل الإطار السياسي تعبيرًا عن توجّهات وقناعات ذات قاعدة نضالية.

اقرأ/ي أيضًا: قانون الانتخابات الجديد.. نحو حلّ مشكلة المال الفاسد والعزوف الانتخابي

إضافة على ذلك، يعد مصطلح الراديكالية مطاطيًا يحتمل أوجهًا متعدّدة، قد نختلف في توصيف موقف سياسي ما، على أنه راديكالي أم مرن، كما لا يُمكن نعت موقف سياسي بالراديكالي إذا كان تعبيرًا عن التزام بمبادئ وقيم الحزب أو التشكيلة السياسية، فالالتزام بالمبادئ الأيديولوجية للحزب من صميم العمل النضالي. 

من جهة أخرى، يُمكن القول إن القطيعة بين السلطة الحاكمة وطرف من التيّار الديمقراطي تكون نتيجة ردود فعل أملتها سلوكيات النظام السياسي الذي استخدم خلال فترة  قائد الجيش قايد صالح التيار الباديسي- النوفمبري، الذي صعد من حدّة الخطاب العنصري والجهوي وتعابير التخوين، إضافة إلى حملة الذباب إلكتروني التي استهدفت شخصيات سياسية وحقوقية، كما طالت الهجمات بعض المناطق الحضرية، ما أدّى إلى فقدان الثقة بشكل كامل بين السلطة والتيّار الديمقراطي، وقطع أي وسائط ممكن لها وضع تسويات وطريق للتفاوض.

 في المقابل، لا يُفسّر كل هذا لوحده تصلب موقف التيّار الديمقراطي من السلطة، فهو أيضًا ضحية هشاشة البنية الفكرية والسياسية والمجتمعية، وهي ظاهرة تشكّل ميّزة لدى كامل التشكيلات السياسية، التي تمسكت بالطابع الكلاسيكي في المواجهة السياسية، فهي لا تزال خاضعة إلى الفردانية والزعامة، مع غياب رؤية واستراتيجية في العمل السياسي، إضافة إلى عجز في استخدام منصّات المواقع التواصل الاجتماعي، ما قدّم التفتح على التيّارات المعاكسة نخبوية الإطار.

  كما أكّدت الحركات الاحتجاجية منذ سنتين عدم قدرة التيّار الديمقراطي على التحول من حركة نضالية إلى حركة مواطناتية، قادرة على بسط سيطرتها على الشارع تنظيمًا وتوجيهًا، وعدم استطاعتها  بلورة مشروع سياسي مرن تراعى فيها سياقات ميلاد الدولة الوطنية، وقد تجسّد هذا الإخفاق فعليًا عبر غياب خيارات سياسية لبعض قرارات السلطات السياسية من تعليق ومنع المسيرات وتظاهرات أيام الجمعة، القرار الذي أربك التيار الديمقراطي وكشف أنّ التظاهر يوم الجمعة هو المنصّة الوحيدة للظهور الإعلامي والتواجد السياسي.

أكدت مختلف التجارب العربية والمغاربية على قدرة الدولة العميقة في السيطرة والتحكم في آليات التوجّه والمحافظة على مصالحها وتواجدها   

إنّ الانتقال الديمقراطي يعتمد على خيارات متعدّدة وواقعية، وقد أكدت مختلف التجارب العربية والمغاربية على قدرة الدولة العميقة في السيطرة والتحكم في آليات التوجّه والمحافظة على مصالحها وتواجدها وبالتالي نحن بحاجة إلى إعادة صياغة الأفكار وطرحها حتّى لا نسقط في فخّ التفويض الشعبي.

 

اقرأ/ي أيضًا:

قانون الانتخابات الجديد.. هذه توجيهات رئيس الجمهورية

طلائع الحرّيات: لا توجد نية للتشاور حول قانون الانتخابات