17-مارس-2022

(الصورة: تركيا الآن)

هل نذكر تفاعل الجزائريّين مع حضور رئيسة كرواتيا في مونديال روسيا عام 2014؟ وتفاعلهم مع جنازة الرّئيس التّونسيّ الباجي القايد السّبسي عام 2019؟ وتفاعلهم مع تحويل الرّئيس التّركي طيِّب رجب أردوغان كنيسة آيا صوفيا إلى جامع عام 2020، حيث تحوّل الفيسبوك الجزائري إلى منصّة للخلاف، بين موافق ومعارض ومتحفّظ، ، بما يستدعي المثلَ الشّعبيَّ القائلَ إنّ الدّجاجة تضع بيضتها بينما الدّيك يتألم؟ وها هو الرّئيس الرّوسي فلاديمير بوتين يستثيرهم، هذه الأيام، باكتساحه لأوكرانيا، فينقسمون بين مؤيِّد ومعارض كأنّهم ناخبون روس أو أوكرانيون.

لماذا لا يثير فينا الاهتمامَ نفسَه بتحويل كنيسةٍ إلى مسجد في تركيا، إقدام مسؤول على تهديم مبنًى تاريخيٍّ وتحويل أرضيته إلى مركز تجاريّ بلا تاريخ؟

قد يكون الأمر مقبولًا لو بقي النّقاش بين نخبة من المعنيّين بدراسة الحضارات والاستراتيجيّات ورصد الرّمزيات وقراءتها في سياقات الوعي بتحوّلاته المختلفة، أمّا أن يكون في متناول الطّبقات البسيطة من الشّعب، فإنّنا نجد أنفسنا أمام سؤال حان لنا أن نطرحه، بصفتنا مجموعةً وطنيّة، بالنّظر إلى تكرار الظّاهرة: هل نحن بصدد مواطنين جزائريّين أم رعايا لدول أجنبيّة في الجزائر؟ 

اقرأ/ي أيضًا: تعليمات جديدة للخارجية بشأن إجلاء الجزائريين النازحين من أوكرانيا

لماذا لا يثير فينا الاهتمامَ نفسَه بتحويل كنيسةٍ إلى مسجد في تركيا، إقدام مسؤول على تهديم مبنًى تاريخيٍّ وتحويل أرضيته إلى مركز تجاريّ بلا تاريخ؟ لماذا نتعامل مع انهيار قصباتِ أكثرَ من مدينةٍ وقصورِ أكثرَ من منطقةٍ، بصمت ولا مبالاة باردين؟ بينما نُستثار بتحويل مبنًى في تركيا من طبيعة إلى طبيعة، إلى درجة أنّنا نستعمل القاموس البذيئ في الرّد على بعضنا؟ ها هي قصبة الجزائر العاصمة تقول لنا في يومها الوطني؛ من غبر أن يستجيب لها أحد: "صرفوا على ترميمي والحفاظ عليّ 26 ألف مليار، فما زدتُ إلا انهيارًا".

ما الذّي حدث حتّى تحوّلنا من مقام كانت فيه شعوب كثيرة تتغزّل بزعماء جزائريّين كانوا يشكّلون نماذجَ حيةً للبطولة والتّحرر والوقوف في وجه قوى التّعسّف العالميّة، إلى مقام بات فيه قطاع واسع من شعبنا يتغزّل بزعماء دول أخرى؟

لماذا لم يتجسّد تفاعلنا مع أردوغان وبوتين، من زاوية مقارنتهما برئيسنا، سواءً ذاك السّابق أو هذا الحالي، في مجال التنمية والاقتصاد، فينشأ ضغط شعبيّ بما يكفي لفرض وضع سياسيٍّ صحيٍّ، عوض أن يتجسّد في شكل ولاء أيديولوجيّ لشخصيهما ولسياستيهما وكأنّنا ناخبون أتراك أو روس؟ 

لقد باتت الظّاهرة داخلةً في صميم تهديد الأمن القوميّ العامّ. إذ لا يكفي أن يكون لدينا جيش محترف ومقتدر ومتماسك وذو عقيدة وطنيّة، بينما نسيجنا الشّعبيّ مثقوب بالولاء لزعماء أجانب حتى ولو كانو ديكتاتوريين وطغاة، خارج الإعجاب العادي الذّي هو معطًى عادي. فها قد بات أردوغان على بعد خطوات من حدودنا الشّرقيّة، وكذلك مرتزقة بوتين، فهل سيتوقّف تفاعل الجزائريّين عند النّقاش في المواقع، أم هل سيتعدّى إلى الدّعم في الواقع، بعيدًا عن الموقف الرّسمي للدّولة الجزائريّة؛ في حالة انهيار العمليّة السّياسيّة في ليبيا من جديد، وذهابها إلى حرب حقيقيّة؟ 

هل سنشهد ظاهرة الجزائريّين الأتراك، إذا اندلعت هذه الحرب فعلًا، على غرار ظاهرة الجزائريّين الأفغان التّي دفعنا أثمانها من لحومنا ودمائنا؟ 

على صنّاع القرار في البلاد أن يدركوا أنّ هذا الواقع هو ثمرة طبيعيّة لتراكم تزوير الإرادة الشّعبيّة

على صنّاع القرار في البلاد، وفي مقدّمتهم صقور المؤسّسة العسكريّة، أن يدركوا أنّ هذا الواقع هو ثمرة طبيعيّة لتراكم تزوير الإرادة الشّعبيّة، بما منع من وصول رؤساء فاعلين وفعليّين إلى سدّة الحكم عندنا، فتمّ ترحيل مشاعر الإعجاب والولاء الشّعبيّين منهم في الدّاخل إلى غيرهم في الخارج. وهذا مظهر جديد وخطير من مظاهر الاحتلال النّفسيّ والفكريّ التّي لا تُعالج بالسّلاح كما حدث مع فرنسا، بل بالدّمقرطة الحقيقيّة للحياة السّياسيّة، مثلما طالب به مسعى الحراك الشّعبيّ والسّلميّ، في نسخته الأصليّة

لقد كثرت ديكتنا التّي تتوجّع لبيض دجاجات الخارج. فلا نحن سنستفيد من بيض الدّجاجة، ولا نحن سنحافظ على استقلاليّة وفحولة الدّيك.

 

اقرأ/ي أيضًا:

وزارة الخارجية تعلن وفاة أوّل جزائري بأوكرانيا

تشكيل خلية أزمة للتواصل مع الرعايا الجزائريين في أوكرانيا