21-يوليو-2023
 (الصورة: Getty) مهاجرون سريون على السواحل الفرنسية

(الصورة: Getty) مهاجرون سريون على السواحل الفرنسية

أظهرت إحصاءات حديثة نشرت مؤخرًا بشأن تأشيرات شنغن الممنوحة للجزائريين ارتفاعًا في مستوى رفض الطلبات، وزيادة في تكلفة الرسوم المدفوعة التي وصلت إلى أكثر من 31 مليون أورو في 2022 فقط، فهل تشكل هذه الأرقام دليلًا واضحًا على سياسة انتقائية جديدة للهجرة تستعملها  دول الاتحاد الأوروبي  ضد الجزائريين؟.

الدكتور عمار سيغة لـ "الترا جزائر":  الاتحاد الأوروبي يريد التخلص من التوافد الكبير للمهاجرين واللاجئين بعد أحداث الربيع العربي

وتبين هذه الأرقام أن اتفاق الشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي الموقع في 2002 الذي دخل حيز التطبيق عام 2005 لم يفشل على المستوى الاقتصادي فقط، إنما أيضا على المستوى الإنساني بما أن تنقل الأشخاص والهجرة قاعدة أساسية في تطوير التعاملات الاقتصادية، الأمر الذي ساهم في تنامي ظاهرة الهجرة السرية بين الضفتين.

رفض مرتفع

قبل أيام، نشر موقع "شنغن فيزا أنفو" إحصاءات حول ما أنفقه الجزائريون للحصول على تأشيرة شنغن الأوروبية  العام الماضي، والتي تعدت 31 مليون أورو رسوما للدخول إلى دول الاتحاد الأوروبي.

وتشير الإحصاءات ذاتها أن أكثر من 392 ألف طلب تأشيرة "شنغن" قدمه الجزائريون خلال العام 2022، بتكلفة وصلت حتى 31.3 مليون أورو، أي ما قيمته 4.6 مليار دينار جزائري.

وكشف الموقع أن إسبانيا جاءت في صدارة البلدان التي قدم إليها الجزائريون طلبات تأشيرات خلال العام الماضي، موضحًا أن  26 بالمئة من إجمالي طلبات التأشيرات كانت من نصيب القنصليات الإسبانية، حيث جرى تقديم 102 ألف طلب في قنصليات إسبانيا في الجزائر العاصمة ووهران، بتكلفة تقدر بـ8.2 مليون أورو.

وأنفق الجزائريون على طلبات الحصول على تأشيرة لفرنسا وإيطاليا 3.2 و 1.4 مليون أورو على التوالي.

ورغم هذا الإنفاق الكبير للحصول على تأشيرة شنغن، إلا أن معدل رفض قبول ملفات الجزائريين مرتفعة بشكل غير مقبول، حيث وصلت العام الماضي إلى 45.8 بالمئة، مع العلم أنه في 2021 تم رفض 40 ألف طلب تأشيرة يخص الجزائريين، وصلت نسبته من قبل فرنسا إلى 80 بالمئة.

وإن كانت الأرقام الخاصة بـ2021 يمكن تفهمها حتى ولو كانت مرتفعة جراء الإغلاق الذي فرضته جائحة كورونا، إلا أن الرفض المتعلق بالعام الماضي يظل غير مبرر كونه يعتبر رفضًا سياسيًا وليس تقنيًا، حسب متتبعين لشؤون الهجرة.

سياسة متشددة

لا تعبر معدلات الرفض التي طالت الجزائريين، سوى عن سياسية أوروبية جديدة تعمل جاهدة على فرض قيود على تنقل الأشخاص، بالرغم من الاتفاقات الدولية والبينية التي تكفل هذا الحق.

وساهم وصول أحزاب يمينية إلى السلطة والبرلمان في أوروبا إلى فرض مزيد من القيود على هجرة الجزائريين وغيرهم، دون الحديث عن المضايقات التي يتعرضون لها بهذه الدول حتى ولو كانوا يقيمون بشكل قانوني وشرعي ويدفعون الضرائب لهذه الدول، ولعل ردة فعل اليمين المتطرف تجاه حادثة قتل الطفل نائل (17 سنة) الشهر الماضي على يد شرطي فرنسي بنانتير  تعطي مؤشرات كثيرة حول نظرتهم للمهاجرين ومزدوجي الجنسية، بالنظر إلى أن الطفل الضحية يحمل الجنسية الفرنسية وهو يمثل الجيل الرابع من المهاجرين الجزائريين بباريس.

إلى هنا، قال أستاذ العلوم السياسية و العلاقات الدولية الدكتور عمار سيغة لـ"الترا جزائر" إن هذا الرفض لقبول طلبات الجزائريين يظهر لمسة اليمين المتطرف الخاصة بالهجرة، والتي ساعدت في تصاعد الميز العنصري  ضد العرب والمسلمين،و بالخصوص القادمين من شمال أفريقيا، مشيرًا إلى أن هذه العنصرية الصادرة عن اليمين يمكن ملاحظتها جيدا في فرنسا التي يزداد بها  العداء ضد الأجانب والمهاجرين.

وبين الدكتور عمار سيغة أن الاتحاد الأوروبي يريد التخلص من التوافد الكبير للمهاجرين واللاجئين الذي عرفته دوله بعد أحداث الربيع العربي.

وشهر حزيران/جوان المنصرم، أعلنت دول الاتحاد الأوروبي توصلها لاتفاق حول تقاسم مسؤولية رعاية اللاجئين والمهاجرين،والذي ينص في أحد بنوده على وجوب التسريع بالبت بطلبات اللجوء، خاصة لمن هم غير مؤهلين للحصول على تلك الصفة، تمهيدًا لترحيلهم، ما يعني أن عمليات رفض طليات التأشيرة وترحيل المهاجرين ستزداد في السنة الجارية والسنوات القادمة.

هجرة انتقائية

رغم التضييق الذي تطبقه دول فضاء شنغن على الجزائريين وباقي المهاجرين، فإنها تعلن في الوقت ذاته عن حاجتها لآلاف المهاجرين لسد نقص اليد العاملة الذي تعانيه معظم دول الاتحاد الأوروبي، فعلى سبيل المثال تعمل ألمانيا على تحضير قانون هجرة العمال المهرة المعدّل، والذي يهدف خصوصًا إلى تسهيل هجرة المتخصصين المؤهلين من دول خارج الاتحاد الأوروبي، فأكبر اقتصاد في أوروبا لم تستطع آليات التوظيف به شَغل 632488 وظيفة شاغرة في ألمانيا عام 2022.

ويعتقد الدكتور عمار سيغة أن الاتحاد الأوروبي بسياسته المتشددة الموجهة ضد المهاجرين يريد التحول إلى تطبيق هجرة انتقائية شبيهة بالمطبقة في كندا، لمواجهة الركود الاقتصادي الذي تعانيه دوله بعد انسحاب بريطانيا منه وتبعات جائحة كورونا والحرب الأوكرانية، خاصة وأن النموذج الكندي أثبت فعاليته في تقييد الهجرة.

من المؤكد أن معدلات رفض طلبات الحصول على تأشيرات شنغن تنافي الحوار المتوسطي وحماية تنقل الأفراد في أوروربا 

من المؤكد أن معدلات رفض طلبات الحصول على تأشيرات شنغن تنافي الحوار المتوسطي وحماية تنقل الأفراد الذي تتحدث عنه أوروبا في الخطابات الرسمية، لكنها تكشف في الوقت ذاته بقاء رغبة كبيرة في البلاد  للبحث عن فرص عمل في الغربة بسبب عدم توفرها في أرض الوطن، وهو ما يحتم على الحكومة اليوم العمل على كل المستويات لتحسين ظروف العيش والعمل بالبلاد لكل المواطنين، وللشباب بالخصوص حتى لا تهدر هذه الثروة البشرية مرة أخرى من أجل خدمة الغير لا بناء الوطن.