16-أغسطس-2020

ليونيل ميسي (تصوير: جان مانويل سيرانو)

كان الفسابكة الجزائريّون غارقين في التّعليق على قبلة لاعب الفريق الوطنيّ رياض محرز لصديقته عارضة الأزياء البريطانية على مرأى العالم، وعلى خطاب الرّئيس عبد المجيد تبّون في اجتماع الحكومة بالولّاة، وعلى ما اعتبروه صدمة العام بالتّطبيع الإماراتيّ الإسرائيليّ؛ ثمّ فجأةً تركوا ذلك جانبًا وغرقوا في التّفاعل مع المقابلة التّي جمعت بين فريقي برشلونة وبايرن ميونيخ، في إطار دوري أبطال أوروبا.

ليست المرّة الأولى التّي تثير فيها مقابلات الفريق البرشلونيّ اهتمام الجزائريّين وتفاعلاتهم 

ليست المرّة الأولى التّي تثير فيها مقابلات الفريق البرشلونيّ اهتمام الجزائريّين وتفاعلاتهم وتعليقاتهم؛ فهي واحدة من بؤر الشّغف لديهم، حتّى أنّ الشّوارع الجزائريّة تخلو أثناءها وأثناء مقابلات فريقي ريال مدريد وبرشلونة، لكنّ العدد الخرافيّ وغير المسبوق الذي تلقّته شباك البرشلونيّين جعل التّفاعل هذه المرّة استثنائيًّا. 

اقرأ/ي أيضًا: رسميا.. "الفاف" تختار منتخب "الماجيك" لخوض مونديال العرب بالدوحة

في العادة؛ كان معظم الجزائريّين يشاهدون مثل هذه المقابلات جماعيًّا في المقاهي وفي الساحات العامّة أو في أماكن يخصّصونها في تجمّعاتهم السّكنيّة؛ وهذا ما لوحظت ندرته هذه المرّة بسبب هاجس التّباعد الاجتماعيّ؛ فتمّ تعويضه بالتّعليق والتّعليق المضاد في موقع التّواصل الاجتماعيّ فيسبوك. 

لقد تحوّل الفضاء الافتراضيّ، قبل وأثناء وبعد المقابلة التّاريخيّة، إلى ساحة حرب باردة، بين أنصار برشلونة وأنصار ريال مدريد الذين شجّعوا فريق بايرن ميونيخ من باب "التّشفّي". ونتجت عن ذلك تعابير مثيرة لروح الطّرافة والفكاهة والمرح والضّحك.

في بلدة العناصر التّابعة لولاية برج بوعريريج؛ شرقيّ الجزائر العاصمة، سألنا مجموعة من مناصري ريال مدريد كانوا متجمّعين ويرسلون تعليقات طريفة عن خلفيّة ما أسميناه تحاملًا على مناصري الفريق البرشلونيّ؛ فنفوا أن تكون الرّوح المتحاملة هي التّي تقف وراء تعليقاتهم، "فنحن فقط نتسلّى ونغتنم فرصة منحت لنا بعد شهور من الحجر والتزام البيوت والغياب عن الملاعب للتّرويح عن النّفس. والدّليل أنّ أنصار الطّرف الآخر انخرطوا في اللّعبة بعيدًا عن التّشنّج والغضب".

وعاينّا أنّهم كانوا ينقلون تعليقات من حسابات أخرى؛ منها صورة لساعة وضعت فيها كلمة برشلونة بدلًا عن العدد 8، إشارةً إلى عدد الأهداف التّي تلقّاها رفقاء ميسي، فيما كان البعض يبتكر أفكارًا من عنده، منها قول أحدهم إنّه سيطلب من مديره أن يغيّر ساعة الدّخول للعمل إمّا إلى السّاعة التّاسعة وإمّا إلى السّاعة السّابعة عوضًا عن السّاعة الثّامنة صباحًا. وفي السّياق نفسه؛ كتب أحدهم: استيقظت على الثّامنة وثماني دقائق. أقسم بالله. يا لطيف".

وأورد الجامعيّ رائد باروتجي نكتةً تقول إنّ مناصرًا برشلونيًّا أيقظته أمّه قائلة: قم. إنها التّاسعة. فردّ الولد: أما زالوا يسجّلون؟

وباللّهجة الجزائريّة كتب آخر أنّه يترآى للواحد في ظلّ الحرّ والغضب أن يذهب إلى برشلونة؛ "فيسجّل هدفًا لعلّه يتنفّس". كنايةً عن سهولة التّسجيل في شباك فريقها. وأبدى النّاشط حمزة بلحاج تخوّه من أن يرسل الرّئيس تبّون أربع طائرات مساعدة لبرشلونة، في إشارة منه إلى عدد الطّائرات التّي أرسلها إلى لبنان، بعد تفجير مرفأ بيروت.

من جهته، قال الشّاعر علي مغازي إنّه لا يدري لماذا يعتقد أنّ الرّقم ثمانية يشبه المرأة الحامل. وكتب في تدوينة أخرى إنّه بمنطق أخلاق المنافسة والرّوح الرّياضيّة، فإنّه لا يليق أن تتعامل بأسلوب التّشفّي مع مشجّع تعرّض فريقه للخسارة. "إنّك ـ إن فعلت هذا ـ تكون قد جرحت مشاعره خاصّة إذا خسر بعدد هائل من الأهداف يصعب عدّه؛ يجب عليك أن تتصرّف معه بنوع من التّضامن والرّحمة والتّفهّم لوضعه الخاصّ، بحيث لا تنظر إليه ـ في كلّ مرّة ـ وأنت تحاول كتم ضحكة مدويّة، فإنّ ذلك يجعله يشعر بنوع من التّهميش". ويواصل بروح ساخرة تدعو إلى ترك السّخرية: "حاول أن تتحدّث إليه في أمور عديدة إلّا ما له علاقة بالحدث المؤلم، وخلال ذلك، اختر كلماتك بدقّة، فلا تذكر له ـ على سبيل المثال ـ رقم 8. إنّه ـ في كلّ الأحوال ـ أخوك".

نقلنا هذه التّدوينة نفسها للشّاب مروان (19 عامًا). وهو من أنصار الفريق الخاسر؛ فقال إنّه يفضّل متابعة البطولات الأوروبيّة؛ على حساب البطولة الوطنيّة بسبب الرّوح الرّياضيّة التّي يجدها هناك؛ "وإنّ هذه الرّوح الرّياضيّة هي ما يجعلني أتعامل مع التّعليقات التّي نتجت عن خسارة فريقي المفضّل بقلب كبير، فأستمتع بما تتوفّر عليه من طرائف وفكاهة وروح مرحة، عوضًا عن الغضب والانفعال السّلبيّ". ثمّ يتذكّر كونه برشلونيًّا فيتوعّد أنصار ريال مدريد: "لكم أن تتسلّوا أيامًا، ثمّ استعدّوا لتذوّق المرارة التّي ذقناها".

سيد عثمان ينسب روح الدّعابة لدى الطّرف الأوّل وروح التقبّل لدى الطّرف الثّاني إلى تواطؤ غير معلن بينهما

وينسب الصّحفي الرّياضي نجم الدّين سيد عثمان روح الدّعابة لدى الطّرف الأوّل وروح التقبّل لدى الطّرف الثّاني إلى تواطؤ غير معلن بينهما لأجل خلق مناخات من المتعة والتّنفيس؛ "في ظلّ افتقار الشّارع الجزائريّ إلى فضاءات تحقّق لهم ذلك". يسأل: "كم من قاعة سينما وقاعة مسرح وكم من حديقة عموميّة في البلاد، بالمقارنة مع عدد السّكّان؟". ويضيف محدّث "الترا جزائر" أنّها ظاهرة عالميّة؛ "لكنّها باتت في الجزائر بارزة كثيرًا. وهي مؤشّر على غياب البرامج المرافقة ليوميات المواطنين. وإنّها بهذا تدين الحكومة أكثر ما تدين المواطنين".

 

اقرأ/ي أيضًا:

كورونا تلم شمل العائلة الرياضية.. أندية تتبرّع ولاعبون يتنازلون عن رواتبهم

كورونا وكرة القدم.. خسائر مالية وعقود اللاعبين في المزاد؟