01-مايو-2022

(الصورة: رويترز)

هددت الجزائر بشكلٍ صريح مدريد بفسخ العقد المبرم الذي يربط شركة سوناطراك بزبائنها الإسبان في مجال تمويل بالغاز، حيث أن ردة فعل السلطات الجزائرية جاء بعد القرار الإسباني القاضي بالترخيص بالتدفق العكسي للغاز الجزائري عبر أنبوب المغاربي الأوروبي، في إشارة إلى المغرب.

خطوة الجزائر جاءت في سياق التصعيد الدبلوماسي والحرب الكلامية مع إسبانيا في الفترة الأخيرة

وقالت وزارة الطاقة والمناجم الجزائرية في بيان لها إنّ "أيّة كمية من الغاز الجزائري المصدّرة إلى إسبانيا تكون وُجهتها غير تلك المنصوص عليها في العقود، ستُعتبر إخلالاً بالالتزامات التعاقدية وقد تفضي بالتالي إلى فسخ العقد الذي يربط سوناطراك بزبائنها الإسبان".

وتعد الجزائر في صدارة موردي الغاز الطبيعي نحو إسبانيا، حيث يقدر بتسعة مليارات متر مكعب سنويًا، أي أكثر من 40 بالمائة من واردتها الطبيعية، والقسم الأكبر من هذا الغاز استوردته إسبانيا من الجزائر عبر خط أنابيب "ميدغاز" الذي يمرّ تحت البحر وتبلغ قدرته 10 مليارات متر مكعب سنويًا.

أسباب التوتر الدبلوماسي

خطوة الجزائر جاءت في سياق التصعيد الدبلوماسي والحرب الكلامية مع إسبانيا في الفترة الأخيرة، بسبب القضية الصحراوية، إذ أعلنت الحكومة الإسبانية في 18 مارس/آذار الفارط، عن دعم المقترح المغربي وتأييد الحكم الذاتي الموسّع، فأعلنت الجزائر عن "استغرابها" من موقف الاسباني المفاجئ، واستدعت سفيرها في مدريد.

في مقابلة مع وسائل الإعلام الوطنية، قال عبد المجيد تبون إن التحول في موقف إسبانيا تجاه القضية الصحراء الغربية غير مقبول أخلاقيًا وتاريخيًا، مؤكّدًا أن الجزائر لن تتخلى عن التزاماتها بتزويد إسبانيا بالغاز مهما كانت الظروف.

وردّ خوسيه مانويل ألباريس، وزير الخارجية إسبانيا، بالقول "إنه لا يريد تأجيج خلافات عقيمة مع الجزائر".

من جانبه، قال عمار بلاني المبعوث الخاص حول الصحراء والمغرب العربي، الاثنين، إن التصريحات التي أدلى بها وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس، ردًا على تصريحات الرئيس عبد المجيد تبون “مؤسفة وغير مقبولة”.

وأوضح “مثل هذه التصريحات لن تساهم بالتأكيد في عودة سريعة للعلاقات الثنائية إلى طبيعتها وسيتعين على الوزير الإسبان تحمل العواقب".

في السياق، أشار عمار بلاني، المبعوث الخاص المكلف بقضية الصحراء بوزارة الخارجية إلى أن عودة السفير الجزائري إلى مدريد مرتبط بقرار سيادي من قبل الجزائر، ويتم في إطار إيضاحات مسبقة وصريحة لإعادة الثقة.

ما وراء الأسطر

ما هي أبعاد قرار الحكومة الإسبانية مساعدة المغرب على ضمان أمنه في مجال الطاقة، بعد قرار الجزائر القاضي بتوقيف إمداد الغاز إلى إسبانيا عبر خط الغاز المغاربي الأوروبي (جي إم أي) الذي يمر على المغرب، وفتح خط أنابيب ميد غاز الذي يمر عبر البحر من الجزائر إلى إسبانيا مباشرة.

 تبدو خطوة مدريد مرتبكة وارتجالية، فبعد قرار توقيف خط الغاز المغاربي الأوروبي، أظهر الطرف الإسباني مخاوف من عدم قدرة الجزائر على الالتزام بالعقود التمويلية التي تصل تسعة مليارات متر مكعب، وسعت عبر الوسيط الأميركي إلى دفع الجزائر التراجع عن القرار.

من جهته، فقد أثار التقارب بين الجزائر وإيطاليا مخاوف وتحفظًا لدى سلطات إسبانيا، حيث يَمكن التخوف الإسباني في أن اتفاق شركة المحروقات الجزائرية "سوناطراك" مع الشركة الإيطالية "إيني" قد يُجهد قدرة الجزائر على مواكبة الإمدادات الإسبانية، وتحويل الغاز المتوجه إلى إسبانيا إلى إيطاليا.

ووفق مصادر إعلامية إسبانية فإن الاتفاق الجزائري-الإيطالي من شأنه أن يعزز قدرة الجزائر على التفاوض بشأن مراجعة الأسعار.

تعد الجزائر في صدارة موردي الغاز الطبيعي نحو إسبانيا، حيث يقدر بتسعة مليارات متر مكعب سنويًا

جدير بالذكر، أن إسبانيا عززت ورادتها من الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة في إطار رفع الاحتياطات الطاقوية، فما هو تفسير خطوة مدريد لمساعدة المغرب؟  

إنقاذ عبد العزيز أخنوش؟

الإجابة على السؤال، تقتضي العودة  إلى الجدل الذي أثير على الساحة السياسية المغربية،  واتهامات عبد العزيز أخنوش، رئيس الحكومة المغربي التي وجهها إلى حزب العدالة والتنمية بإخفاء خبر إيقاف الجزائر العمل بأنبوب الغاز المغاربي الأوروبي يوم 31 تشرين الأوّل/أكتوبر 2021 كما ينص العقد.

وقد أثارت تصريحات عزيز أخنوش، ردة فعل عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، الذي قال إن خبرًا سياديًا ينبغي أن نخبر به أولا سيدنا الملك، وبأية صفة سنخبرك أنت، فهل بصفتك بائعًا للغاز لترتب أمورك".

 

وقالت مصادر إعلامية مغربية أن عدم تجديد الاتفاق بشأن خط أنبوب الغاز المغاربي-الأوروبي لن يكون له سوى تأثير ضئيل على أداء النظام الكهربائي المغربي.

في مقابل ذلك، كشفت تصريحات ليلى بن علي، وزيرة الانتقال الطاقوي، أن الوضع بات مقلقًا، في ظل تراجع الاحتياطات الطاقوية التي تغطي شهرًا واحدًا، ما استوجب دق نقوس الخطر وتنصيب مجلس الأمن الطاقوي.

الغاز الجزائري و الفوسفات المغربي

وعلى ضوء ما ذُكر، فإن مدريد تحاول إنقاذ ومد يد المساعدة لعبد غزيز أخنوش، رئيس الحكومة المغربي، ورئيس مجموعة "أكوا" الاقتصادية والتي تنشط في مجال المحروقات وتوزيع الوقود والغاز، إذ تسيطر شركة "أفريقيا الغاز" التي يترأسها أخنوش على 62 بالمئة من توزيع الغاز في المغرب.

وقف تدفق الغاز إلى المغرب من طرف الجزائر أحدث ارتباكًا في الحكومة المغربية  وأخلط حسابات عبد العزيز أخنوش، الذي سارع  تحميل المسؤولية لحكومة التيار الإخواني والإسلامي بقيادة العثماني،وحاولت الحكومة المغربية التي حاولت التخفيف من انعكاسات القرار الجزائري على المخزون الاستراتيجي وطمأنة الرأي العام، إذ تسعى اليوم للضغط على مدريد من أجل إمدادها بالغاز الجزائري عبر استخدام ملف الهجرة غير النظامية وملفات أخرى.

في ظل أزمة الغاز التي تدق أبواب أوروبا، والبحث عن البدائل للغاز الروسي وسعي الدول لرفع من المخزون الاستراتيجي للغاز، وسعي الطرف الإسباني إلى إيجاد وساطات لتخفيف من التوتر الدبلوماسي مع الجزائر والتدخلات الأميركية لتراجع عن قرار توقيف الغاز المغاربي الأوروبي، تقرر إسبانيا تزويد المغرب بالغاز الجزائري، وبالتالي لا يمكن قراءة خطوة إسبانيا إلا في ظل البحث التقارب الإسباني-المغربي المرتبط مباشرة بمشروع الفوسفات.

فالمغرب يمتلك الفوسفات وإسبانيا تدعمه بالمرافقة التقنية وتزويده بالغاز، فالفوسفات هو أولى أولويات مدريد في ظل أزمة ارتفاع المواد الاستهلاكية والغذائية، إذ أن السيطرة على الفوسفات يقتضي التحكم في سوق الأسمدة عالميًا وأوربيًا والتحكم في سوق الأطعمة الحيوانية والنباتية.

د تكون خطوة إسبانيا ارتجالية ومحاولة لجس نبض الموقف الجزائري

على العموم قد تكون خطوة إسبانيا ارتجالية، ومحاولة لجس نبض الموقف الجزائري، ليبقى السؤال في حال ما قرّرت الجزائر وقف مد الغاز الطبيعي إلى إسبانيا، والذي يقدر بـ10 مليار متر مكعب، ما هو موقف الرأي العام الإسباني تجاه حكومة  بيدرو سانشيز، والمؤكّد أن مدريد لم تستوعب بعد التحولات جيو الإقليمية التي باشرتها الجزائر وعودتها إلى الحضن العربي والأفريقي وتنويع الشركاء الاقتصاديين.