قول

الجزائر.. في ذكرى أم الثورات

1 نوفمبر 2015
GettyImages-492761377.jpg
مقام الشهيد لتخليد ضحايا حرب استقلال الجزائر في العاصمة الجزائرية(Getty)
عبد العالي زواغي
عبد العالي زواغيصحفي من الجزائر

فجأة، دوّى صوت الرصاص في سماء الجزائر، مخترقًا سكون منتصف ليلة الفاتح من شهر نوفمبر/تشرين الثاني 1954، وسط صيحات "الله أكبر" و"تحيا الجزائر" المزلزلة، إيذانًا بفتح أبواب جهنّم على الاستعمار الفرنسي البغيض الذي عاث فسادًا وإفسادًا، وجثم على نفوس الجزائريين منذ سنة1830، تاريخ احتلال الجزائر.

في الذكرى الواحدة والستين لاندلاع الثورة الجزائرية، تعود الكثير من الأشجان والذكريات التي تعبر بصدق عن عظمة هذه الثورة المجيدة، والتي اعتبرت أكبر ثورة في القرن العشرين، ونموذجًا يحتذى به لكل الشعوب المستعمرة الطامحة للحرية والانعتاق من طوق الاستبداد والاستعمار. وهي الثورة التي حيّرت الصديق قبل العدو، حتى صارت تدرّس في المعاهد الحربية إلى اليوم، وتعرض الأفلام التي توثق لها على القادة والعسكريين الغربيين لاستخلاص الدروس والعبر منها، كما حدث قبل سنوات قليلة عندما عرض البنتاغون فيلم "معركة الجزائر" على كبار الضباط للتعرف على حرب الكرّ والفرّ التي خاضها المجاهدون الجزائريون لتمريغ أنف فرنسا في التراب ودحرها وإخراجها مذلولة مهزومة، وذلك بهدف إسقاطها على الحرب في العراق وفهم الاستراتيجية التي يطبقها المجاهدون في هذا النوع من الحروب.

فجّر الثورة الجزائرية شباب مؤمن بالحرية ومتشبع بالروح الإسلامية والتكوين السياسي، وكانت آخر حلقة في سلسلة الثورات الشعبية التي قاومت الفرنسيين منذ أول يوم وطأت فيه أقدامهم أرض الجزائر. كان هؤلاء الشباب وقود الثورة ويدها الضاربة، واستطاعوا منذ أول يوم وبوسائل بسيطة أن يذيقوا فرنسا مرارة الهزيمة والعذاب ويردّوا لها الصاع صاعين بأسلحة خفيفة لا تتعدى عدة بنادق وخراطيش، حتى أن القادة الفرنسيين في بداية الأمر، نعتوهم بالخارجين عن القانون والإرهابيين. وتوهّم الفرنسيون أن ما يجري من فرقعات هنا وهناك، مجرد أحداث معزولة ستخمد نارها بعد أيام معدودة، لكن بعد توالي الأيام خاب الظنّ، فمنذ تلك اللحظة التاريخية التي أطلقت فيها أول رصاصة، زادت رقعة المعارك واشتدّ لهيبها، والأيام صارت شهورًا ثم سنوات حافلة بالملاحم والمعارك الكبيرة التي صنعها أبطال الجزائر من الرجال والنساء.

دامت الثورة الجزائرية سبع سنوات ونصف ولم تنجح خلالها كل الخطط الفرنسية في وقف مدّها المتزايد

دامت الثورة الجزائرية سبع سنوات ونصف، وخلالها، لم تنجح كل الخطط الفرنسية في وقف مدّها المتزايد. استعملت فرنسا كل فنون القتل الهمجي والتعذيب الذي لا يمكن لعقل إنسان سويّ أن يتخيله وحاولت استمالة الشعب الجزائري والاستثمار في حاجته وعوزه وفقره، لكن كل ذلك لم يثنه ولم يغره بترك حلمه في العيش مستقلًا على أرضه بكرامة وعزة، حتى أن جنرالات فرنسا جنّ جنونهم لهذه العقيدة المستميتة في الدفاع عن الأرض والعرض والدين، فعلى مدى أكثر من قرن ونصف لم يتسن لهذه الدولة الاستعمارية البغيضة أن تمسخ عقيدة الجزائريين أو تسلخهم عن دينهم وثقافتهم ومحيطهم العربي الإسلامي.

عرفت ثورة الجزائريين تنظيمًا محكمًا وانخراطًا كثيفًا لجميع أفراد الشعب الجزائري لإذكائها وإنجاحها، برغم الفقر والتجويع والتجهيل والعذاب الذي لا يوصف، العذاب الذي عانوه على يد القوات الفرنسية المدعومة بالحلف الأطلسي واللفيف الأجنبي والترسانة الحربية التي لا تخطر على بال، رغم ذلك، ثبت الجزائريون بكل صمود وشموخ وأعينهم شاخصة نحو فجر الاستقلال، ولم يبخل الشعب بدمائه من أجل إنجاح ثورته، فقاوم وتحدّى كل الظروف ودفع ثمنًا لأجل حريته فاق المليون ونصف المليون شهيد، والملايين من المشردّين والأيتام والمعطوبين.

دفع الشعب الجزائري ثمنًا لحريته مليونا ونصف مليون شهيد والملايين من المشردّين والأيتام والمعطوبين

لقد نجحت الثورة الجزائرية لالتفاف الشعب حولها، وصبره على الهمجية والعذاب، وإيمانه العميق بنصر الله، وهي صفات جعلت الكثير من الشعوب الشقيقة تتعاطف معه وتدعمه، وكانت تضحيات هذا الشعب مضربًا للأمثال، برغم الجرائم والمآسي التي عاشها والقهر الذي سلّطه الجلادون عليه، ومع ذلك، فقد أرغم الجزائريون فرنسا تحت وقع الرصاص وقوة ضربات المجاهدين في المدن والقرى والجبال، على الجلوس إلى طاولة المفاوضات والاعتراف باستقلال الجزائر في الخامس من يوليو/ تموز 1962.

لقد ارتوت أرض الجزائر بدماء أبنائها الذين فجّروا الثورة المباركة، وحرّروها لينعم جيل الاستقلال اليوم بالحرية التي أهداها لهم أجدادهم، الجيل الذي ضحى بالغالي والنفيس من أجل مستقبل أفضل ومشرق، وهي تضحيات لا يمحوها تراكم السنين، ولا تكفي الآلاف المؤلفة من الكتب لتوفيها حقها أو تسرد تفاصيل ثورة نوفمبر الغنية بالأحداث والوقائع، هي باختصار أم الثورات.

اقرأ/ي أيضًا:

عن سنوات المصالحة العشر في الجزائر..

لماذا شجّع السودانيون الجزائر؟

الكلمات المفتاحية

ب

لماذا يَخشى الجزائريّون إعلانَ الحُبّ؟.. قراءةٌ في جُرحِ الوُجدان الجَمعيّ

حينما تجرّأ شابٌّ جزائريٌّ من ولاية  تيزي وزّو شرق عاصمة الجزائر، على طلب يد حبيبته خِلال مباراةٍ لكرة القدم في الدّوري المحلّي، وسط مُدرّجاتٍ ملعب الرّاحل حسين آيت أحمد، وأمام مئات المُناصرين المهلّلين له، انقسم المُتفاعلون مع مقطع الفيديو المُتداول لهما بين مصفّقٍ يرى في الفعل شجاعةً جميلةً وتعبيرًا صادقًا عن الحبّ، في حين قُوبِلَ أيضًا بتيّارٍ غاضبٍ اعتَبر ذلك المشهد الجميل تعدّيًا على الذّوق…


فيبدا 2025

جدلُ مهرجان الشريط المرسوم في الجزائر .. ثقافةٌ شابّة تقاوم شيطنةً عتيقة

يُعيد مهرجانُ الجزائر الدّولي للشّريط المرسومِ "فيبدا" - مثل كلّ عام - إحياءَ سلسلةٍ من ردود الأفعال والانتقادات الّتي تتجاوزُ بشكلٍ كبير إطار نقد هذا النّمط من مُلتقيات الثّقافة البصرية، ليتحوّل ما يُفترض أن يكون احتفالًا بالإبداع والتنوّع الفنّي وحرية التّعبير إلى ساحة للأحكام المُتسرّعة والسُّخرية العلنية، ومنبرًا للخطابات المَذعورة المُتسلّطة.


مهرجان عنابة

مهرجاناتٌ بلا سينما في الجزائر .. بين بهرجة الافتتاح والواقع المأزوم

مع حلول موسم المهرجانات السّينمائية الرّسمية في الجزائر، وعلى تغيّر مواعيدها وتأجيلاتها الكثيرة، تصدح القاعات المخصّصة لها بالاحتفالات والبهرجة، وتُفرش السّجادات الحمراء لاستقبال "نجومٍ" بمستويات فنية متفاوتة، إضافةً إلى استضافة صنّاع المحتوى بمختلف اختصاصاتهم، مع "قلّة" من صنّاع الأفلام، لتُغطّي وسائل الإعلام هذا المشهد وكأنّه احتفاء حقيقيّ بازدهار السّينما في الجزائر.


تصوير جثمان مريض

حين يصبح الموت محتوى… عن جريمة التفاعل الأعمى

لم تكن حادثة تصوير ممرضة لجثمان متوفى داخل مستشفى بالعاصمة سوى جرس إنذار جديد يفضح كيف غزت حمى المشاهدات أقدس الفضاءات وأشدها حساسية،فالمستشفى، الذي يُفترض أن يكون مكانًا للرحمة والستر، تحوّل في لحظة إلى خشبة عرض افتراضية، حيث يُبثّ الموت على المباشر وكأنه مادة للتسلية.

سفينة كورسيكا
أخبار

احتجاز سفينة فرنسية في ميناء الجزائر.. ما السبب؟

احتُجزت السفينة الفرنسية "جان نيكولي" التابعة لشركة "كورسيكا" في ميناء الجزائر منذ وصولها صباح 12 نوفمبر، وفق ما نقلته الصحيفة البحرية المتخصصة "لومارين" وتتولى مصالح الملاحة البحرية الجزائرية إجراءات الاحتفاظ بالسفينة، دون الكشف عن أسباب القرار حتى الآن.

حسين داي
أخبار

انهيار بناية في حسين داي.. السلطات توجّه أصابع الاتهام لصاحب ترقية عقارية

وجهت مصالح ولاية الجزائر أصابع الاتهام نحو صاحب ترقية عقارية خاصة ببلدية حسين داي، بعد انهيار نصف بناية مكونة من طابق أرضي وأربعة طوابق حيث انهارت أربعة طوابق من الجزء الأيمن للبناية بشكل كامل.


الكلاب الضالة
أخبار

وزارة الفلاحة توقف نهائيًا عمليات قتل الحيوانات الضالة في الجزائر

أعلنت وزارة الفلاحة والتنمية الريفية والصيد البحري، عن الوقف الفوري والنهائي لجميع حملات قتل الحيوانات الضالة عبر بلديات الوطن، مؤكدة أن هذا القرار يأتي في إطار صلاحياتها القانونية ومسؤوليتها المباشرة عن صحة الحيوانات ورفاهيتها، وفق التشريعات والتنظيمات المعمول بها.

يحيى مداح
أخبار

أدين في عدة قضايا.. ترحيل جزائري ملاحق منذ 15 سنة في كندا وأميركا

رحّلت السلطات الكندية، مساء الخميس، الجزائري يحيى مداح إلى الجزائر بعد أن خسر آخر محاولة قانونية لمنع ترحيله، في قضية تمتد جذورها لأكثر من 15 سنة وتخللتها ملاحقات قضائية واتهامات أمنية وسياسية معقدة.

الأكثر قراءة

1
أخبار

"لا نطلب فضلًا بل عدالة".. عائلة شريف ملال تطالب السلطات بالإفراج عنه


2
ثقافة وفنون

بقّار حدّة.. صوتُ الأوراس الرّيفيّ الّذي انطفأ وحيدًا


3
أخبار

الصين تشدد الرقابة على تصدير السيارات المستعملة والجديدة.. هل سترتفع الأسعار في الجزائر؟


4
أخبار

خبرة ثالثة تُقرر مصير الأطباء المتهمين في وفاة مريضة بالمسيلة


5
منوعات

مرفأ الغزوات غرب الجزائر.. معقل السردين ورصيف يربط بين الجزائر وإيطاليا