عاد تنظيم القاعدة في بلاد المغرب، للظهور مجددًا عبر تسجيل صوتي منسوب لأميره عبد المالك درودكال، المكنّى بأبي مصعب عبد الودود، والذي نعى فيه مقتل عدد من عناصره، أبرزهم الجزائري يحيى أبو الهمام، والتونسي أبو عياض في غارة للجيش الفرنسي شمال مالي.
خيّب السفير المالي ديالو آمال البرلمانيين الفرنسيين، وتحدّث عن تجاوزات تُرتكب في حقّ شعبه بحجّة المبرّرات الأمنية
غير أن تزامن هذا النعي مع الخلاف الذي جرى بين فرنسا ومالي، طرح عدّة تساؤلات، إن كانت تقاطع هذه الأحداث مجرّد صدفة، أم عمل مخابراتي فرنسي لشرعنة بقائها في البلد المحاذي للجزائر، دون تحقيق ما وعدت به؟
اقرأ/ي أيضًا: الجزائر تفعّل أعلى هيئة أمنية للعب دورٍ أكبر في ليبيا ومالي
احتجاج مالي
يوم الأربعاء 26 شبّاط/فيفري الماضي، نزل السفير المالي في باريس توماني دجيمه ديالو، للحديث أمام لجنة الدفاع في مجلس الشيوخ الفرنسي، عن العلاقات الثنائية ودور القوّات الفرنسية في بلاده.
وبينما كان الجميع ينتظر كلامًا ورديًا من السفير المالي عن تصرّفات الجيش الفرنسي في "مستعمرته السابقة"، التي عاد إليها مرّة جديدة تحت غطاء حماية البلاد من خطر الإرهابيين، خيّب ديالو آمال البرلمانيين الفرنسيين، وتحدّث عن تجاوزات تُرتكب في حقّ شعبه بحجّة هذا المبرّر الأمني.
وكانت فرنسا قد تدخّلت عسكريًا في مالي، في كانون الثاني/جانفي 2013، بقرار من الرئيس السابق الاشتراكي فرانسوا هولاند، الذي سارع للتدخّل عسكريًا عقب عجز السلطات في بماكو، على مواجهة تمرّد الحركات الأزوادية والجماعات المسلّحة.
وبعد سبع سنوات من هذا التدخّل الفرنسي، يقول السفير المالي: "حقيقة، لا توجد مشاعر ودّ بين الماليين والجيش الفرنسي، بل هناك استياءٌ شعبي من الوجود العسكري الأجنبي، خاصّة الفرنسي في مالي لعدّة أسباب".
وأضاف "في بعض الأحيان، في شوارع باماكو.. ستجدون عناصر الجيش الفرنسي، أجسادهم مغطاة بالوشوم، ويقدّمون صورة لا نعرفها عن الجيش الفرنسي. إنّه أمرٌ مثير ويثير الحيرة".
وتابع قائلًا " القوات الأجنبية تقود المعركة بنتائج واضحة، لكن اليوم في مالي ينادون برحيل الجيوش الأجنبية خاصّة الفرنسية، إنهم يعتبرونهم أعداءً ومتواطئين مع الإرهابيين، وهذه النداءات يتمّ ترديدها كل الوقت".
وبعد يوم من هذا التصريح غير المتوقّع، تحركت باريس عبر مكتب وزيرة الجيوش الفرنسية فلورانس بارلي، الذي اعتبر أن "هذا التشكيك ليس مغلوطًا فحسب، وإنّما غير مقبول".
وأعلنت بعدها وزارة الخارجية الفرنسية، أنها استدعت السفير المالى لديها للتعبير عن "سخط" باريس إزاء تصريحاته.
وقال مصدر فى الخارجية، "أعربنا له عن سخطنا إزاء تصريحاته التي لا أساس لها من الصحة، والصادمة، لصدورها عن دولة حليفة في مكافحة الإرهاب".
وأضاف "الرسائل التي نتلقاها من السلطات المالية، تتواءم وفداحة التصريحات".
وبعد هذه الأزمة الدبلوماسية، قرّرت مالي استدعاء سفيرها في باريس للتشاور، وإرسال وزير الخارجية لبحث الملفّ مع الطرف الفرنسي.
هنا، يوضّح العقيد المتقاعد محمد العربي شريف لـ "الترا جزائر"، أن المتابع للأحداث الأخيرة التي تعيشها مالي، يشاهد الاحتجاجات المتواصلة ضد الجيش الفرنسي، مبينًا أن باريس قد فشلت في تحقيق الأمن الذي وعدت به لما دخلت مالي، بالنظر إلى أن الخطر الإرهابي لم يصبح اليوم مقتصرًا على بماكو فقط، وإنما امتد إلى النيجر وبوركينافاسو وغيرهما من دول الساحل.
إعلان دعم؟
بعد يوم من الانزعاج المالي من تصرّفات الجيش المالي، أطلّ تنظيم القاعدة في بلاد المغرب، عبر تسجيل صوتي يصبّ في مصلحة نجاعة التدخّل العسكري الفرنسي في مالي ومنطقة الساحل.
وأعلن التنظيم الإرهابي، في تسجيل منسوب إلى قائده الجزائري عبد المالك دوردكال المكنّى "أبو مصعب عبد الودود"، عن مقتل عددٍ من عناصره، في غارة للقوات الفرنسية شمالي غرب مدينة تمبكتو، في مالي القريبة من حدود موريتانيا.
من جهته، وصف الصحافي المختص في الشأن الأمني أكرم خريف في حديثه مع "الترا جزائر"، هذا الإعلان من قبل القاعدة "اعترافًا" بمقتل عناصره، بالنظر إلى أنهم كانوا قد قضي عليهم منذ أشهر، وليس مجرّد نعي فقط.
ومن أبرز الإرهابيين القتلى، التونسي سيف الله بن حسين الملقب بـ "أبو عياض" والجزائري جمال عكاشة الملقّب بـ "يحيى أبو الهمام"، زعيم "إمارة الصحاري" في تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، والمسؤول الثاني في التنظيم الذي يتزعمه "إياد أغ غالي"، أمير ما يسمّى "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين"، وهو من طوارق أزواد بمالي.
وما يثير الريبة، هو أن أغلب التقارير تحدّثت عن مقتل أبو عياض ومن معه، ممن نعاهم التنظيم الإرهابي قبل عام من الآن، كما أن القاعدة في بلاد المغرب غير معتادة على الاعتراف بمقتل عناصرها، ما يفتح المجال لتصديق الاتهامات الموجّهة للمخابرات الفرنسية في صناعة الإرهاب بالساحل.
وبالنسبة للعقيد محمد العربي شريف، فإن هذا الرأي ليس مجرّد اتهامات فقط، إنما أمرٌ معلوم لدى الجميع بتورّط المخابرات الفرنسية والأميركية في نشاط الجماعات الإرهابية بالساحل، وفق ما أوضحه لـ "الترا جزائر".
وأشار العربي شريف أن المخابرات الفرنسية هي من جعلت الإرهابي مختار بلمختار المكنّى بـ"الأعور"، من مجرّد إرهابي يقود مسلّحين يعدّون على الأصابع، إلى أمير يقود العشرات من المسلّحين في الساحل، وذلك بفضل الفدية التي كانت تُدفع له تحت غطاء تحرير الرهائن، وهي العملية التي تجرّمها الأمم المتّحدة.
وجاء في تقرير لمنتدى الاقتصاد العالمي صادر في الـ 10 كانون الأوّل/ديسمبر 2014، أن فرنسا دفعت لمختار بلمختار، أمير كتيبة الملثمين في تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، ما قيمته 58 مليون دولار لتحرير رهائن لها اعتقلوا لديه، ولدى عدّة تنظيمات مرتبطة به منذ عام 2008 وحتى عام 2013".
ليست منطقة الساحل فقط من توجّه هذه الاتهامات لفرنسا، بل إن تركيا اتهمت في عدة مرّات باريس بدعم جماعات إرهابية في سوريا وكوردستان.
من جهته، الصحافي أكرم خريف لا يوافق الطرح الذي يقول إنّ فرنسا من تقف وراء الجماعات المسلحة في الساحل، ويعتقد أنّه رأي "غير معقول، لأنّ باريس دولة ديمقراطية، ووزارة الدفاع تخضع لرقابة البرلمان المنتخبين، ومن ثم لا تستطيع الحكومة افتعال حربٍ ضد ّجماعات وهمية تؤدّي إلى وفاة جنودها".
الأكيد أن الجزم بشكل قاطع في تورّط المخابرات الفرنسية في صناعة الجماعات الإرهابية بالساحل، يحتاج إلى مزيد من الدلائل الملموسة التي تثبت ذلك، غير أن تقاطع الأحداث في المنطقة وسيرها في الغالب لمصلحة بقاء الجيش الفرنسي هناك، ورفع أعداده يبقي الباب مفتوحًا لكلّ احتمال، لأنّ السياسة والعلاقات الدولية لا تعترف اليوم بالمبادئ والأخلاق، وإنما بالمصالح والغنائم حتى ولو كان ذلك التحالف مع تنظيمات متطرّفة ومتشدّدة.
تظلّ الجزائر مطالبة بمزيد من التحرك للعمل على وقف إطلاق الرصاص بجارتها الجنوبية
ووسط هذه الفوضى التي تعيشها مالي، التي تمثّل عمق أمن الدول المجاورة لها، تظلّ الجزائر مطالبة بمزيد من التحرّك للعمل على وقف إطلاق الرصاص بجارتها الجنوبية، وتفعيل اتفاقات المصالحة بين الأطراف المالية المنبثقة عن مسار الجزائر، للتقليل من التكلفة التي تدفعها جراء هذه الفوضى، وأبرزها التدفق المتواصل للاجئين على أراضيها والخطر الإرهابي القادم من الساحل.
اقرأ/ي أيضًا:
الجزائر خارج حسابات الأزمة الليبية
هل طلب السراج من الجزائر مساعدات عسكرية حقًا؟