في الطريق نحو بلدية الرّويبة شرق العاصمة الجزائرية، تتحدث السيدة سليمة مع رفيقتها في مقعد بالترامواي، عن قفة المواد الغذائية لشهر رمضان، المقدمة من قبل الحكومة الجزائرية للعائلات المعوزة، معبرة عن غضبها من تحويلها لمنحة مالية تقدر بستة آلاف دينار جزائري.
هذا العام، استبدلت الحكومة الجزائرية قفة رمضان التي تقدم للمحتاجين، بمنحة مالية تقدر بستة آلاف دينار
وعلى ما يبدو فلدى الحكومة الجزائرية مبرراتها للاستعاضة عن قفة رمضان بالمنحة المالية، لكن أيضًا للمستحقين أسبابهم للغضب من تحويل القفة إلى منحة مالية!
اقرأ/ي أيضًا: أول رمضان في زمن التقشف الجزائري
ملف ثقيل للحصول على الاستفادة
على غير العادة، تمنح الحكومة الجزائرية هذه السنة منحة محددة بمبلغ مالي لتعويض قفة رمضان، مبررة ذلك بمحاولة تفادي التلاعب بالمواد الغذائية، وفقًا لمسؤولة النشاط الاجتماعي ببلدية الرويبة، سمية ناصري.
وقالت ناصري لـ"الترا جزائر" إن المنحة المالية ستسلم للمستفيدين عبر الحوالات البريدية "حفاظًا على كرامة العائلات، وتعويضهم عن الانتظار في طوابير أمام مديريات النشاط الاجتماعي".
غير أن هذه المرة، اشترطت البلديات لصرف المنح، أن يقدم المستفيد 10 وثائق، وذلك كإجراء تصنيفي جديد للعائلات المستحقة. وتقول سمية ناصري إن هذا الإجراء الغرض منه "محاربة التلاعب بالمواد الغذائية، بعد فضائح كبرى عرفتها عدة بلديات العام الماضي، بتحويل المواد الغذائية لعوائل أخرى غير المستحقة".
وبحسب ما أعلنته وزارة التضامن الوطني والأسرة وقضايا المرأة، فقد رصدت السلطات الجزائرية هذا العام، 900 مليون دينار، معونات للأسر المعوزة، يفترض أن تصل للمستحقين عبر حوالات مالية.
لكن في المقابل، يرى مواطنون أن الوثائق المطلوبة لإثبات الاستحقاق، أزيد من الحاجة، وكما قال جمال، وهو رب أسرة، فإن "الوثائق المطلوب أكثر مما يطلب للحصول على سكن!".
وأضاف جمال لـ"الترا جزائر" أن استخراج الوثائق المطلوبة يستغرق وقتًا طويلًا ومبالغ مالية كبيرة، معددًا إياها: شهادة عائلية، وشهادة إقامة، ووثيقة عدم الانتساب للضمان الاجتماعي، ووثيقة عدم الانتساب للصندوق الجزائري لغير الأجراء، وشهادة عدم الخضوع للضريبة، وكشف الراتب، وصك بريدي مشطوب، ونسخة من بطاقة التعريف الوطنية، وصورة شمسية، وطلب خطب للاستفادة بالمنحة.
من جانبها، وصفت نصيرة، المنحة المالية بهذه الطلبات، بـ"منحة الذل". ونصيرة أم عائلة لأربعة أبناء، توفي زوجها قبل ثلاث سنوات، وتعتمد على المنح ومعونات الغذاء التي تقدمها الدولة. وبملف الوثائق الثقيل الذي يشترط تقديمه للحصول على منحة رمضان، فقد يمر رمضان قبل استخراج الأوراق اللازمة، فضلًا عن تكلفتها الباهظة مجمّعة.
مفارقات في المناسبات
في الشارع، يعتبر كثيرون أن إعانة شهر رمضان ليست إلا من باب "ذرّ الرماد في العيون"، خاصةً أن الجزائر بلد غني بالثروات الطبيعية، ما يطرح تساؤلات حول مصير المعوزين في البلاد، ويلفت لمفارقة كبيرة، جانبها الأضعف هم الأكثر فقرًا.
ووفقًا للخبير الاقتصادي هشام شريد، يبلغ عدد الجزائريين الذين يعيشون تحت خط الفقر، 12 مليونًا، في بلد مصدر للنفط والغاز. وتعتمد السلطات الجزائرية بشكل أساسي في حل مشكلة الفقر على المعونات الغذائية والمالية!
ومع ذلك، ووفقًا لشريد، فإن عملية توزيع المعونات لم تتمكن من الوصول لكافة العائلات المحتاجة، فضلًا عن تلاعبات كثيرة تحدث في توزيع المنح والمعونات، بما يجعلها تصل لأيدي غير المستحقين لها على حساب المستحقين.
يمثل الوضع المعيشي في الجزائر، كما قال الخبير الاقتصادي لـ"الترا جزائر"، مفارقة كبرى، بالاستناد إلى نسبة الفقر مقارنة بموارد الدولة، ونسبة الفقراء مقارنة بمصروفات الدولة على المعونات والمنح، التي لا يمكن النظر إليها إلا كمسكن لمشكلة تحتاج حلًا جذريًا.
يتطلب إثبات الحاجة للمنحة، تقديم ملف يضم عشر وثائق تحتاج وقتًا طويلًا لاستخراجها ونفقات باهظة قد تفوق قيمة المنحة!
ومع اقتراب شهر رمضان، تَبرز ظاهرة الفقر في البلاد من جهة، باعتباره موسمًا يكشف حجم الفوارق الطبقية، ومن جهة أخرى ينشط "بيزنس" المعونات الإنسانية التي تراكم من خلالها الجمعيات الخيرية، ميزانيات ضخمة من المانحين والممولين، مع ضعف الرقابة من قبل الدولة.
اقرأ/ي أيضًا:
"سيدنا جاء سيدنا ذهب".. لمَ يتعامل الجزائريون مع رمضان وكأنه إنسان؟