13-يناير-2020

الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون (تصوير: رياض كرامدي/أ.ف.ب)

استقبل رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، خلال الفترة الأخيرة كلًا من رئيس الحكومة الأسبق أحمد بن بيتور، والوزير السابق والناشط السياسي عبد العزيز رحابي، وبدت مبادرة الرئيس التشاورية غير واضحة المعالم؛ حيث لم تُصدر رئاسة الجمهورية بيانًا يكشف عن رزنامة لقاءات سياسية أخرى، ولا محادثات موسّعة في الأفق، ونظرًا لنوعية الشخصيات التي استقبلها الرئيس، تساءل بعض المراقبين عن أهداف هذه الاجتماعات، وإذا ما كانت ترمي إلى طمأنة الرأي العام الوطني؟ أو إلى وضع خارطة طريق للخروج من أزمة النظام أو من أزمة الدولة؟ 

هناك تحضيرات أخرى مع شخصيات وطنية، يعتبرها الحراك الشعبي تمثيلية وذات مصداقية

كسر العزلة

يبدو عبد المجيد تبون، مراهنًا على إحداث إصلاحات عميقة داخل منظومة الحكم، حيث ذكر في مداخلته خلال اجتماع مجلس الوزراء، أنّه: "يستلزم بناء الجزائر التي يطمح إليها المواطنون، وإعادة النظر في منظومة الحكم"، وقد كسب نقاطًا لصالحه.

اقرأ/ي أيضًا: تبون يؤدّي اليمين الدستورية ويطلق المزيد من الوعود

حاول الرئيس عبد المجيد تبون، فكّ الحصار والعزلة التي وُضعت فيها رئاسة الجمهورية سياسيًا، عبر استقباله لشخصيتين سياسيتين تحظيان باحترام الرأي العام، والطبقة السياسية عمومًا، اكتسبتا شرعيتهما من معارضة نظام عبد العزيز بوتفليقة.

أخذت الرئاسة زمام المبادرة، بإرسال رسائل سياسية مباشرة بعد استقبال أحمد بن بيتور، تمثّلت في إجراءات إطلاق سراح بعض معتقلي الرأي، وعلى رأسهم المجاهد لخضر بورقعة.

 وذكرت تسريبات، أنّ هناك تحضيرات أخرى مع شخصيات وطنية، يعتبرها الحراك الشعبي تمثيلية وذات مصداقية. ويرى مراقبون، أنّ الرئاسة لا ترغب في التسرّع في فتح مشاورات عريضة قصد تفادي أخطاء الماضي، وتبحث عن خطوات فعالة، تُراعي فيها جملة من التوازنات داخل منظومة الحكم.

يأتي عدم الإفراج عن بعض الشخصيات الفاعلة في الحراك الشعبي، من أمثال فضيل بومالة، كريم طابو، وسمير بلعربي، واستمرار التضييق على المظاهرات، والعمل الصحافي، ليكشف عن عدم انسجام للرؤى داخل النظام، حسب كيفية التعامل مع الحركات الاحتجاجية.  

شخصيات من النظام

في هذا السياق، لا يُبدي المحلّل السياسي لحسن خلاص، كثيرًا من التفاؤل حول مخارج الحوار الذي تقوده السلطة، حيث ذكر أنّ الرئيس تبّون فضّل تجاوز الأحزاب السياسية في ترشّحه للانتخابات الرئاسية، واتخذ ما يُسمّيه المجتمع المدني سندًا له.  

وأشار المتحدّث، أن تبّون فضّل البدء باستشارة الشخصيّات غير المتحزّبة، بدل الأحزاب السياسية. مضيفًا أنّ الشخصيات التي استقبلها عبد المجيد تبون، وإن كانت على تماس مع الحراك، إلا أنّ حضنها الطبيعي هو النظام، وفي تقدير المحلّل السياسي، فإن النظام قد اضطر لمحاورة نفسه، من خلال بن بيتور ورحابي وغيرهما، على حدّ قوله.

 المُلفت للانتباه هو أن أغلب الشخصيات التي استدعتها الرئاسة، كان لها توجّهٌ مغايرٌ لتوجّه قيادة الجيش، فقد طالبت بمرحلة انتقالية توافقية قبل الدخول في المسار الانتخابي، إلا أنّها نأت بنفسها عن الانخراط في المسار التأسيسي، الذي تدافع عنه أحزاب البديل الديمقراطي، يضيف المتحدّث.

 ويخلُص المحلّل إلى أنّ الرئيس الجديد، لا يُؤمن بالخارطة الحزبية الحالية، بل ينزع إلى تعزيز المُجتمع المدني وترقية كفاءات مستقلّة، لذا فالحوار الذي دعا إليه تبون، يدور في ضواحي النظام ولا يُريد التفتّح نحو المجتمع العميق، على حدّ قوله.

رحابي عقل الحراك الهادئ

 في مقابل ذلك، اعتبر أستاذ العلوم السياسية توفيق بوڨاعة، أن استقبال تبون لـ بن بيتور ورحابي خطوة في الاتجاه الصحيح، وأفاد في حديث إلى "الترا جزائر"، أن الاستماع للطرف الآخر، الذي يمثّل عقل الحراك الهادئ، ومناقشة مختلف الآليات، تسمح بتحقيق مطالب الحراك والتأسيس للجمهورية الجديدة.

في سياق آخر، أعرب المتحدّث عن مخاوفه من أن تغرّد السلطة، على نحو مختلف تمامًا عمّا عبرت عنه أصوات الحراك، بعد الاستماع إلى بعض أصواته، مستندًا إلى فكرة أنّ السلطة ما زالت تسير عكس المنطق والسيرورة التاريخية، ومؤشّر ذلك، بحسب محدّثنا، هي اللجنة التي أنشأتها لتعديل الدستور.

هنا يعلّق توفيق بوڨاعة أن الدستور "عقدٌ اجتماعيٌّ بين الشعب والسلطة، يجب أن تفتح محاوره للنقاش العام والسياسي، قبل أن تُترجم هذه النقاشات في نصوص ومواد".

وأوضح بوڨاعة، أن السلطة ما تزال تخشى أن تتجاوزها الأحداث في سياق ثوري، فتعمل على كبح إرادة الشعب مسبقًا، قبل الدخول في أي نقاش سياسي حول الدستور، على حدّ تعبيره.

الإصلاحات السياسية 

 يرى كثيرٌ من المتتبّعين، أنّ السّلطة لا تملك لحدّ الآن، رؤيةً واضحةً لكيفية إدارة المشهد السياسي لمرحلة ما بعد الانتخابات، ما عدا المعالجة التقنية لأبعاد الأزمة، أو المراهنة على السلم الاجتماعي في إطفاء الغليان السياسي.

 تجدر الإشارة، إلى أنّ الشخصيات التي تمّ استقبالها حتى الآن من طرف الرئاسة، هي شخصيات من داخل عقل النظام السياسي. عبّرت في السابق عن رؤيتها النقدية لسيرورة العمل المؤسّساتي للدولة الوطنية، دون راديكالية في المواقف، كما أنها ليست عناصر خريجة من المدرسة النضالية المعارضة للنظام تقليديًا.

هل يُصبح عبد المجيد تبون ثاني عرّاب للتيار الإصلاحي داخل النظام مولود حمروش

في ظلّ هذه المعطيات، تطرح على الساحة أسئلة كثيرة، عن إمكانية تحوّل عبد المجيد تبون، إلى ثاني عرابٍ للتيّار الإصلاحي داخل النظام بعد مولود حمروش. وهل يستطيع حاكم قصر المرادية المنتخب حديثًا، أن يقود عملية إصلاح سياسيٍّ عبر الاستعانة بالكفاءات الوطنية غير المستقطبة أيديولوجيًا وحزبيًا، وتحمل رؤية إصلاحية متدرّجة وهادئة، أم أننا سنشهد جرعة أكسجين تزيد من استمرار النظام بواجهة جديدة/قديمة؟    

 

اقرأ/ي أيضًا:

هل يُكمل تبون عهدته الرئاسية أم ينسحب في منتصف الطريق؟

تبون يفعّل لقاءات مع شخصيات نادى بها الحراك الشعبي