05-ديسمبر-2022
صورة تقريبية للداي حسين (فيسبوك/الترا جزائر)

صورة تقريبية للداي حسين (فيسبوك/الترا جزائر)

في صبيحة 15 تموز/جويلية سنة 1830، وقف الداي حسين كئيبًا وهو على متن سفينة جان دارك، ملقيًا آخر نظرة على إيالة الجزائر مودعًا خليج البلاد إلى مصير مجهول، بعدما غابت السفينة في عرض البحر واختفت صورة مدينة القصبة من مرمى رؤية الداي حسين، تاركًا وراءه الجزائر بين أيدي مستعمر أعلن نهاية عهد الحكم العثماني في البلاد.

ما تزال شخصية الداي حسين آخر سلاطين إيالة الجزائر تثير النقاش وتفتح السجالات

في سياق الموضوع، ما تزال شخصية الداي حسين آخر سلاطين إيالة الجزائر، تثير النقاش وتفتح السجالات بين فئة ترى أن الداي فعلًا استسلم وقدم مفاتيح بوابات الجزائر إلى المستعمر الفرنسي دون مقاومة تذكر، بينما يستند الموقف الثاني بالسياقات التاريخية والظروف المحيطة بإدارة الحكم حينها، إضافة إلى الصراعات الداخلية وأوضاع الخلافة العثمانية آنذاك، ما يستوجب فهمًا عميقًا للمجريات التاريخية وإدراك أسباب سقوط إيالة الجزائر بين يدي المستعمر الفرنسي.

فمن هو الداي حسين؟ وكيف تمكن من الوصول إلى إدارة الإيالة؟ وما هي أسباب تآكل القوة العسكرية العثمانية بالجزائر وكيف أدت إلى سقوط الايالة؟  

ابن ازمير

في شهر شباط/فيفري سنة 1768 وُلد حسين ابن الحسن، خلال فترة حكم مصطفى الثالث بمدينة صندوقلي التركية، حيث تزامن تاريخ ميلاده مع نشوب الحرب العثمانية-الروسية، وكان والده (من أصول تركية)ضابطًا في سلاح المدفعية.

نشأ حسين ابن الحسن وتلقى تعلميه الديني في مدينته الأصلية، وعندما بلغ 24 سنة انتقل إلى القسطنطينية (إسطنبول)، وأنظم إلى السلاح المدفعي، وهي القوات التي أعاد السلطان سليم الثالث هيكلتها وتنظيمها، وأشرف على عصرنة السلاح المدفعية.

بعد تخرجه من المدرسة الحربية التحق مباشرة بإيالة الجزائر، وخلال السفرية تعرّضت السفينة التي كانت تحمل حسين ابن الحسن إلى القرصنة من طرف قراصنة نابليون، وتم دفع الفدية من طرف مصطفى باشا لتحرير بعض السجناء، حيث كان حسين واحدًا من بينهم.

مباشرة بعد الإفراج عنه والتحاقه بالجزائر، انظم إلى وحدات الجيش الإنكشاري بالثكنة المتمركزة في شارع باب عزون، وتمكن من ارتقاء جميع الرتب العسكرية في الجيش الإنكشاري، حيث عٌرف عنه انضباطه الأخلاقي والعسكري، وأبرز مهارته في سلاح المدفعية، كما نال حظًا من تقدير سكان الجزائر.

كلفه الداي عمر بإدارة الممتلكات الدولة، وتعينه "خوجة الخيل" أي وزير الحرب والمكلف على أملاك الدولة، بعدها نُصّب عضوًا بمجلس الديوان، وبعد تولي علي خوجة الحكم حافظ حسين على منصب "خوجة الخيل"، وكان من مقربي علي خوجة ويحظى بثقته، كما تمكن حسين ابن الحسن من ربط علاقات صداقة واحترام متبادل مع قبائل وعشائر السكان المحليين، إثرها تزوج من امرأة جزائرية من أصول متواضعة، وهو ما ميّز حسين ابن الحسن مقارنة بباقي الرياس البايات أنه كان مسلم النشأة، ومن أصول تركية وعثمانية خالصة، وهو العامل الذي رشّحه لتولي منصب الداي بعد رحيل علي خوجة.

تعين الحسين في منصب الداي

تم تنصيب حسين ابن الحسن في منصب الداي في  الـ23 الربيع الثاني من سنة 1818، مباشرة بعد وفاة علي الخوجة بسبب إصابته بوباء الطاعون.

ومما جاء في كتب التاريخ: "كان الداي حسين قصير القامة، قوية البنية، شديد البأس وصاحب بياض لحية كثة، النظر إليه كان يُسر الناظرين ويبهج الجالسين، عرُف عنه الذكاء، ورُزق الحلم والحكمة، ويشهد له الغير على خصال التسامح والتجاوز والعفو".

بفضل فطنته في إدارة الحكم انتقل من قصر الجنينة إلى أعالي مدينة القصبة، واستقر هنالك بعيدًا عن السجالات السياسية والعسكرية، وعمل على توطيد وربط علاقات مع العشائر والقبائل على غرار بن زموم وكتيبة الزواوة.

التوافق

تم تنصيب الداي حسين بناءً على وصية علي خوجة، وإجماع أعضاء مجلس الديوان، تفاديًا للصراع على الحكم، فغداة الإعلان عن الداي الجديد تمت البيعة والترحيب والقبول بين كافة معمورة القصبة، ويُعد تنصيب الداي حسين دون إراقة الدماء وضعًا استثنائيًا في التاريخ العثماني بالجزائر والصراع على الحكم، فمنذ فترة الداي محمد بن عثمان الذي حكم 25 سنة والتي عُرفت بالاستقرار السياسي،  شهدت باقي الفترات نزاعات وخصومات، فقد بلغ عدد اغتيالات البايات في الشرق الجزائري أكثر من 18 بايًا وأسقط أربع بايات القوة، وتمت تصفية خمسة دايات في يوم واحد .

حالة الاستقرار والإجماع على تنصيب الداي حسين يعود الفضل فيها إلى علي خوجة، الذي تمكن من تفكيك وحل وحدات الجيش الإنكشاري، خصوصًا بعد إقدامهم على اغتيال عمر آغا في سنة 1817، حيث أعلن وشن حربًا على الإنكشاريين وكسر شوكتهم وسطوتهم.

ترتيب بيت إيالة الجزائر

بناء على تكوينه السياسي والعسكري والديني، عمل الداي حسين على إعادة ترتيب البيت الداخلي للإيالة، فعمد على تطهير جهاز الديوان والدولة، واجتهد على تطوير سلاح البحرية، وتم توسيع الأبراج البحرية ووضع نظام دفاعي لحماية الإيالة ما بين 1823-1824-1826-1827.

وعلاوة على إرساء الصناعة البحرية والسفن الحربية والعتاد العسكري، عمل على تنشيط الحياة الاقتصادية والاجتماعية، وعلى الصعيد الحياة الدينية أصدر قرارًا يتضمن إطلاق سراح جميع السجينات من معتنقي الديانة المسيحية واليهودية ووضع حد للفوضى.

أما على الصعيد العسكري، ففي سنة 1823 تمكن الداي حسين من تدمير أرتال من السفن الحربية الإسبانية، وفي سنة 1824 أرسل الداي حسين ثمانية سفن حربية مجهزة بالعتاد والعدة للجهاد إلى جانب الأتراك في حروبها مع الأعداء، وعلى إثر مشاركتها تَحطم الأسطول البحري الجزائري بشكلٍ كامل.

وخلال معركة نافارين سنة 1827 تعرض الأسطول الجزائري إلى تخريب من طرف القراصنة اليونانيين بمساعدة الفرنسيين والإنجليز، وترتب عنه خسارة المعركة وخسر الأسطول الجزائري كل قطعه الحربية.

وبناءً على ذلك، كان وضع العتاد العسكري والحربي في سنة 1830 هشًا بالجزائر، لا أسطول قوي يحمي السواحل ولا عتاد ولا عدة تقف أمام العدوان، ولم يكن هناك ما ينبئ بهزيمة الجنرال دي بورمون، فقد كانت القوات البحرية للدي حسين إبان الغزو الفرنسي تتشكل من 13 سفينة حربية ومبنى مسلحًا، وسفينة طرادة موضوعة تحت تصرف محمد علي في الإسكندرية منذ سنوات.

الوضع الداخلي

 في السياق ذاته، لم يكن الوضع الداخلي يسمح للداي حسين بإرساء الاستقرار السياسي والمجتمعي وإعادة تجهيز الجيش والقوات العسكرية، فقد واجهت الداي متاعب ومصاعب مع بايات الشرق والغرب.

كما ظهرت بوادر العصيان والتمرد في زمن الداي حسين قادتها بعض الطرق الصوفية، على غرار الطريقة الدرقاوية والطريقة التيجانية، وعمل سلطان المغرب آنذاك على دعم تمرد الطريقة الدرقاوية من أجل التوسع نحو تلمسان ووهران، وما زاد الوضع تعفنًا هو إقدام القوات العثمانية على إعدام كل الشيخ الدرقاوي بلڨندوز والشيخ محمد تيجاني.

سقطت الجزائر بعد 20 يومًا من إنزال القوات الفرنسية، لكن احتلال الجزائر لم يتحقّق إلا بعد 50 سنة من الحرب غير المتوازية، شَهدت مقاومات شرسة وعنيدة، ففي مدينة قسنطينة فقط سقط أكثر من 40 ألف قتيل من السكان المحليين، وساكنة مدينة وهران أضحى عدد السكان 1806 فردًا فقط، إنها بداية الاستعمار.

يحكي الكاتب فوزي سعد الله، إنه حين كان الداي يغادر الجزائر على متن سفية جان دارك، قال، حسب ما نُقِل عن التّرجمان، إن "طيلة وقوع الحرب، لم تتم أبدًا إحاطتي عِلمًا بما كان يجري خارج قصري. خُدِعتُ. كان الديوان (أيْ مجلس الحكومة) يتصرف دون الرجوع إليّ ويُخفِي عني قراراتِه..".

سقطت الجزائر بعد 20 يومًا من إنزال القوات الفرنسية، لكن احتلال الجزائر لم يتحقّق إلا بعد 50 سنة من الحرب

ويستطرد قائلًا، "وإذا لم يتم الدفاع عن ساحل سيدي فرج ضد الفرنسيين فلأن الذي كَلَّفْتُهُ بقيادة هذه القطعة من البلاد والجيش كان جبانًا، ومع الأسف، هذا الجبان كان صهري..".