13-أغسطس-2023
(الصورة: الجزيرة)

(الصورة: الجزيرة)

تحوّلت شرفة البيت إلى مكان نظيف ومزيّن بأحلى النّباتات مع وجود كرسيٍّ كبيرٍ يؤثّثها، يلجأ إليه أفراد العائلة كل مساء، هكذا قالت سمية فردي في حديث إلى "الترا جزائر" بعد مواجهة طويلة بينها وبين والديها.

بسبب مساحة لا تتجاوز ثلاثة أمتار لشرفة بيتهم التي تطلّ على الشارع، وجدت سمية نفسها تخوض مفاوضات استمرت لأشهر عديدة، قبل أن تتمكن من تحويلها إلى فضاء يوفر الراحة للجميع.

تراكم الذكريات

توجد في منازل كثيرة أدوات وأثاث قديم وأجهزة معطلة لا جدوى من الاحتفاظ بها، وقد تحجز مساحة هامة من فضاء المعيشة، غير أن كثيرين لا يتمكنون من إقناع والديهم برمي تلك الأدوات المكسرة والأثاث القديم المتهرئ أو ما يسمى بالكراكيب.

في النهاية، قد تكون شرفة المنزل، خاصّة في شقق العمارات، هي الملاذ الآمن والوحيد الذي يُحتفظ فيه بهذه الأشياء في العائلات الجزائرية، وتسمى في عدد من المناطق بـ "الديبارة" وتعني المكان الذي يُخصّص لتخزين الأشياء الإضافية أو التي لا تحتاج لها الأسرة، غير أن بعض الشرفات أصبحت اليوم مكانًا يعج بالفوضى، وغالبًا ما يحتوي على أشياء لا يمكن استعمالها، أو أثاث قديم لا يمكن إصلاحه، أو جهاز تعطل أو كرسي مكسر وغيرها من الأشياء التي تعتبر تارة "غالية الثمن على الأم" خاصة، أو أنها تحمل تاريخ وذاكرة الأسرة عمومًا.

في هذا السياق، تقول شهرزاد حني في حديث إلى "الترا جزائر"، إن أمي تحتفظ بماكنة الخياطة التي ورثتها عن جدتها، هي اليوم لا تشتغل عليها بحكم تقدمها في السنّ وأصبحت لا تقوى على الجلوس عليها، غير أنها لا تستطيع التخلي عنها لأنها تشكّل ذكرى عزيزة عليها.

تعلق بالأشياء

"الديبارة" أصبحت ظاهرة كبيرة في البيوت، فاكتناز الأشياء القديمة والمستهلكة والإفراط في تخزينها، يتحوّل إلى حالة غير طبيعية، لأنها مع مرور الوقت تصبح عبئًا ثقيلًا على البيت في حدّ ذاته، خاصّة وأن الفوضى التي تعم البيوت التي لا تتجاوز عدد غرفها الأربعة في العمارات بوجه واضح، فالشرفات هي الملجأ الوحيد للتخلص ظرفيًا من الأثاث القديم، بينما يلجأ أصحاب البيوت والمسكان الفردية إلى تخصيص مساحة من البيت لتكون محطة نهائية لذلك الأثاث، إن لم يكن موزعًا على عدة أماكن.

تحت عدة ذرائع وأسباب كثيرة، تحتفظ الأسر بأغراضها القديمة، فهناك من يحتفظ بأفرشة قديمة، رغم أن أغلب العائلات تهوى أو ترغب في اتباع الموضة واقتناء الجديد، غير أن السيدة نعيمة زيتوني (59سنة) تقول على سبيل المثل الشعبي "الجديد حبُّو والقديم لا تفرّط فيه" أي أنها تشتري الجديد لكنها القديم غالبًا ما لا تتخلص منه، حفاظًا على "هويتها وأصالتها"، خاصة الأفرشة التي جلبتها وهي عروس في ريعان شبابها إلى بيت زوجها.

من هذا المنطلق، تعتبر الكثير من الأسر الجزائرية أن الأشياء القديمة ما هي إلا جزء من هويّتها الإنسانية، وحياتها السابقة وذكرى من الذكريات التي وجب الحفاظ عليها وعدم التفريط فيها، وقد تلجأ إلى إحداث "ثورة" إن لمسها أحد.

مؤقت تحول إلى دائم

أحيانًا تخصّص بعض العائلات أماكن في البيت لفترة مؤقّتًة، فتتراكم الأشياء القديمة مع الجديدة، وتخلق فضاءات صغيرة يتراكم عليها الغبار وتسكنها العناكب والحشرات، ويتحوّل المؤقت إلى دائم في ظل اعتراف مختصين في فنون الفضاء المنزلي بأن "كل راكد يتسخ ويتعفّن ويحتاج لتنظيف مستمر أو إلى التخلص النهائي منه".

هذه النتيجة، أي التخلص نهائيًا من الأشياء القديمة، ليست سهلة على كثيرين، إذ ترى أستاذة علم النفس الاجتماعي بجامعة الشلف، غرب الجزائر ، حليمة عرايبي بأن "الاكتناز هو حالة نفسية لارتباطها بجزء من حياة الفرد وربما مرحلة من مراحلها، لكنه في المقابل قد يتحول مع مرور الزمن إلى "حالة مرضية" يصعب معها إقناع الطرف المعني بفرضية الاستغناء عن تلك الأشياء، وهو ما يجعل من الصعب بمكان تخليه عن الأغراض حتى وإن استمتع بأغراض جديدة وربما قد تشبها أو تكون مثيلتها.

استمرار حالة التكديس عند بعض الأشخاص تصبح شغلهم الشاغل، بل يصبح مكانهم موزع بين عدة فضاءات في المنزل الواحد، وربما في جميع الغرف وأركان البيت، وفي المطبخ والشرفات.

إلى هنا، تقول الأستاذة عرايبي لـ" الترا جزائر"، وذلك لأنهم يعتقدون بلاوعي منهم، بأنهم سيحتاجون تلك الأغراض يومًا ما فلا يجب التخلص منها، وأكثر من ذلك فقد يصابون بـ "عدم القدرة على التفريط فيها".

وأضافت في هذا السياق، أن التكديس أصبح ظاهرة ليست جديدة وهي مستشرية في الكثير من البيوت الجزائرية، غير أنها "مرهقة جدًا وتؤثر في سلوك الإنسان وأفكاره" في مقابل، بسبب التكديس، يصبح من الصعب على الفرد البدء في عملية التنظيف دوريًا أو أسبوعيًا، كالاحتفاظ بالجرائد والمجلات في المنازل الضيقة تعتبر خطر على أصحابها.

هذا الواقع خلق ما وصفه الباحث في علم الاجتماع بجامعة باتنة سمير ذويبي، بـ"صراع بين أفراد الأسرة الواحدة" بات يعلنه الأبناء مع الآباء، مشيرًا إلى أنه يمكن أن الآباء يحملون ذكريات وحياة مليئة بالضغوط، ولم يتمكن أحد الطرفين من تجاوزها أو التعايش والتكيف مع بعض الظروف المستجدة.

ويستطرد ذويبي في حديث إلى  "الترا جزائر" أن الأم التي فقدت زوجها وترك لها أولادًا تجدها تتعلق بالأغراض التي تذكرها دوما بحياتها السابقة مع الزوج، وربما ذكرياتها لفترة طويلة معه، في مقابل ذلك كثيرًا ما يتوق الشخص الذي يقوم بالتكديس إلى درجة الكمال كما يعكس أيضا حالة القلق التي يعيشها، كما تجده " يتأرجح بين الترك والاحتفاظ " عندما يضيف شيئًا جديدًا في بيته.

الأشياء المكدسة كثيرًا ما تزعج الأسرة، خاصة وأنها صعبة الفرز، لكنها في الوقت نفسه تعكس إشارة عاطفية تمدّ الفرد بالأمان والشعور بالراحة

الأشياء المكدسة كثيرًا ما تزعج الأسرة، خاصة وأنها صعبة الفرز، لكنها في الوقت نفسه تعكس إشارة عاطفية تمدّ الفرد بالأمان والشعور بالراحة، رغم أن كثيرين ينصحون بضرورة التخلص من الأشياء التالفة وغير المستعملة لأن تأثيرها سلبي على الصحة النفسية.

 

 

دلالات: