03-فبراير-2020

طيب أردوغان، عبد المجيد تبون، إيمانويل ماكرون (تركيب: الترا جزائر)

لا يتوانى الرّئيس التّركيّ طيب رجب أردوغان، عن تذكير فرنسا بجرائمها في الجزائر (1830 ـ 1962)، في سياق الرّدّ على محاولاتها تجريم الأتراك في أرمينيا، في إطار ما تسمّيه "إنصاف الذّاكرة التّاريخيّة"، في الصّراع الذّي نشب بين جمهورية أرمينيا الأولى والقوميّين الأتراك في خريف عام 1920.

ظلّت التّصريحات والتّصريحات المضادّة تعود إلى الواجهة كلّما اختلفت توجّهات أنقرة وباريس في ملفّ من الملفّات

وظلّت التّصريحات والتّصريحات المضادّة بين الطّرفين، تعود إلى الواجهة كلّما اختلفت توجّهات أنقرة وباريس في ملفّ من الملفّات التّي يعرفها العالم، منها الملفّ اللّيبي، حيث رفضت فرنسا التّقارب الذّي حصل مؤخّرًا بين تركيا وحكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليًّا، وأفضى إلى إرسال قوّات تركيّة إلى ليبيا، في مسعًى رفضه محور أبو ظبي والقاهرة وباريس.

اقرأ/ي أيضًا: أردوغان يطلب من تبون وثائق بشأن مجازر الاحتلال الفرنسي

آخر التّصريحات التّركيّة، المذكّرة لفرنسا بتناقضها في مطالبة فرنسا لها بالاعتراف بماضيها في أرمينيا، كان ما أدلى به الرّئيس طيب رجب أردوغان، السّبت، في خطاب له قال فيه إنّ الرّئيس الجزائريّ عبد المجيد تبّون قال له، أثناء زيارة الدّولة التّي قام بها الأسبوع الماضي إلى الجزائر، إنّ فرنسا لم تقتل مليونًا ونصف مليون فقط من الجزائريّين، بل قتلت خمسة ملايين منهم.

سارعت وزارة الخارجيّة الجزائريّة في اليوم نفسه، إلى إصدار بيان قالت فيه إنّ "المسائل التّاريخيّة المعقّدة تشكّل حساسيّة بالنّسبة للشّعب الجزائري. وإنّ الرّئيس أردوغان أخرج ما سمعه من الرّئيس تبّون عن سياقه". وأضاف بيان الخارجيّة الجزائريّة التّي عادت إلى الواجهة الدّولية مؤخّرًا، بعد غياب رافق العهدتين الأخيرتين للرّئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة، إنّ تصريحات الرّئيس التّركيّ لا تخدم مسعى التّقارب الجزائري والفرنسي في ما يتعلّق بالذّاكرة التّاريخيّة.

في بيان الخارجيّة الجزائريّة، إشارة إلى ما تعتبره تشويشًا على الاستعداد الذّي أبداه الطّرفان حول ملف الذاكرة، منذ مجيء الرّئيس عبد المجيد تبّون إلى سدّة الحكم، في الـ 12 كانون الأوّل/ديسمبر الماضي، إثر انتخابات شهدت مقاطعة شعبيّة لافتة، في إطار رفض قوى الحراك الشّعبيّ والسّلميّ لسياقاتها التّي وصفتها بـ "الفاسدة"، حيث قال المؤرّخ الفرنسيّ المتخصّص في تاريخ الثّورة الجزائريّة بنجامين سطورا إنّه يعتقد أن الرّئيس إيمانويل ماكرون سينحاز قريبًا إلى الاعتراف بجرائم فرنسا في الجزائر.

ما أن بثّت المنابر الرّسميّة الجزائريّة بيان وزارة الخارجيّة، حتّى انخرط روّاد موقع التّواصل الاجتماعيّ فيسوك في تناول ما أسماه البيان "توضيحًا للمسائل"، من زاوية أنّ تصريح الرّئيس التّركيّ كان عاديًا "ولم يذكر إلا حقيقة تاريخيّة معروفة ذكرها بعض المنصفين من الفرنسيّين أنفسهم"، كما قال النّاشط ربيع قشّي لـ "الترا جزائر".

وأضاف ربيع قشّي أنّ الردّ كان سيكون منطقيًّا لو صدر عن الطّرف الفرنسيّ بحكم كونه المعنيّ المباشر بما قاله الرّئيس التّركيّ، "أمّا أن يصدر عن الطّرف الجزائريّ، فهذا يشبه أن يبادر شخص قيل إنّه ضُرب خمس مرّات، وهو ضرب فعلًا بذلك العدد، إلى القول إنّه ضرب أقلّ من ذلك". ويسأل قشّي: "لماذا لا نستغلّ الفرصة لإعادة إحياء ملفّ الذّاكرة المشتركة مع فرنسا؟ ألم تقم الحملة الانتخابيّة للرّئيس تبّون، على أساس أنه سيعمل على أن يقف لفرنسا ندًّا للنّدّ؟".

في السّياق نفسه ورد في تدوينة فيسبوكية للصّحافي حمزة دبّاح، أنّ بيان الخارجيّة الجزائريّة وضع السّلطة في مظهر طفل خائف. ويسأل: "أليس على أساس أنّ فرنسا ارتعشت يوم انتخاب عبد المجيد تبّون؟". وكتب الإعلاميّ والنّاشط السّعدي ناصر الدّين أنّ النّسخة الجزائريّة الجديدة "عندها أمور حسّاسة مع فرنسا"، أمّا النّسخة الأصليّة، فقد حاربت فرنسا وانتصرت عليها. في إشارة منه إلى أنّ الخطاب النّوفمبريّ والثوريّ الذّي يتبنّاه تبّون ليس إلّا محاولة لدغدغة الضّمير الوطنيّ للجزائريّين.

وبدل أن يلوم من يملك حساسيّة من الرّئيس طيّب رجب أردوغان، يقول الصّحافي حميد غمراسة في تدوينة فيسبوكيّة له، عليه أن يطلب من الرّئيس عبد المجيد تبّون أن يزن كلماته، حين يلتقي بذوي الأوزان الثقيلة من الرّؤساء.

وفي اتّجاه مناقض كتب الصّحافيّ عامر بوقطّاية، أنّ أردوغان كلّما كان لديه مشكل مع فرنسا يتحدّث عن تاريخها في الجزائر، "من باب المتاجرة به. لماذا لا يتحدّث عن جدّه الدّاي حسين الذّي سلّم الجزائر لفرنسا؟". في إشارة منه إلى آخر الدّايات العثمانيّين الذّي كان يحكم الجزائر، عند الغزو الفرنسيّ عام 1830.

يبدو أن الأحداث تتسارع بما لم يسمح للرّئاسة الجزائريّة الجديدة بأن تخفي التّناقض بين خطابها 

يبدو أن الأحداث تتسارع بما لم يسمح للرّئاسة الجزائريّة الجديدة أكثر من شهرين، بأن تخفي التّناقض بين خطابها القائم على روح الاستقلاليّة عن التّأثير الفرنسيّ، وسلوكها القائم على ألّا شيء تغيّر. وهو ما بدأ يزعج أنصارها الذّين ساندوا المسار الدّستوري، نكايةً منهم في فرنسا وأنصارها في الدّاخل الجزائري، ويصيبهم بالخيبة في خيارهم، بما يجعل عودة بعضهم إلى صفوف الحراك الشّعبيّ متوقّعًا.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الرئيس التركي أردوغان في الجزائر بداية من الأحد القادم

أردوغان من الجزائر: لا حلول عسكرية للأزمة الليبية