أنهت السلطة الجزائرية، ترتيبات تنظيم أوّل انتخابات رئاسية بعد الحراك الشعبي، تقرّر إجراؤها في كانون الأوّل/ ديسمبر المقبل، وذك بعد تشكيل أول سلطة عليا للانتخابات منذ تسعينيات القرن الماضي، وسط مواقف متباينة من قِبل قوى المعارضة والحراك الشعبي.
تنتقد "حركة مجتمع السلم"، المحسوبة على التيّار الإسلامي، إنشاء "السلطة المستقلة لتنظيم الانتخابات"
يبدو أن ترتيب البيت السياسي في الجزائر، بات واضح المعالم من الناحية الشكلية، حيث تكلّل مسار الحوار والوساطة الذي أشرفت عليه هيئة كريم يونس خلال 52 يومًا، بتقديم وثيقة إنشاء "سلطة وطنية لتنظيم ومراقبة الانتخابات"، باعتبارها هيئة دائمة مستقلة، تمارس مهامها دون تحيّز وتخضع للدستور والقانون فقط، وتتمتّع بالشخصية المعنوية أي الاستقلال الإداري والمالي.
اقرأ/ي أيضًا: تعيين موعد الانتخابات الرئاسية في الجزائر.. تباين وقلق
ستعمل "السلطة المستقلة لتنظيم الانتخابات" من الناحية العملية، على استبعاد كاملٍ للحكومة والولاة ورؤساء الدوائر والبلديات ومختلف الهيئات والمؤسّسات الحكومية، من القيام بأيّ دور في الانتخابات، غير أن تزكية رئيسها باعتباره المترشّح الوحيد للمنصب، وهو زير العدل السابق محمد شرفي و50 عضوًا آخرين، لم تكن محلّ اتفاق لدى كثيرين.
المعارضة تتحفظ
بلغة التحفظ، دعا حزب طلائع الحرّيات الذي يرأسه رئيس الحكومة الأسبق علي بن فليس، إلى ضرورة "توفير الشروط السياسية الملائمة، وخلق المناخ الهادئ لإرجاء الانتخابات، مثلما جاء في بيان المكتب السياسي للحزب، معتبرًا أن "الشروط المؤسّساتية والقانونية لإجراء اقتراع رئاسي شفاف وصحيح وغير مطعون فيه، قد تحقّقت عمومًا" .
كما أكد الحزب أن "التحسينات التي طرأت على النظام الانتخابي بإبعاد التداخلات السياسية في المسار الانتخابي، وبتحييد الحكومة وعلى الخصوص وزارة الداخلية والجهاز الإداري، والولاة، من تسيير الانتخابات بأكملها، سيسمح بتجفيف النظام الانتخابي من كل منابع التزوير".
قرار الذهاب إلى الانتخابات الرئاسية، هو "خيار إيجابي" في نظر حزب طلائع الحريات، الذي سبق لرئيسه أن خاض انتخابات رئاسية في 2004، ضدّ غريمه الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، ومرّة أخرى سنة 2014، ويدعم الحزب هذا الخيار، مؤكّدًا على ضرورة رحيل الحكومة المرفوضة شعبيًا واستبدالها بحكومة كفاءات وطنية ذات مصداقية، وتفعيل مجمل إجراءات التهدئة.
من جهتها، تنتقد "حركة مجتمع السلم"، المحسوبة على التيّار الإسلامي، إنشاء "السلطة المستقلة لتنظيم الانتخابات"، وتعتبرها ""هبة فوقية من النظام الحاكم، لم تأت نتيجة الحوار الجاد بينها وبين أغلب مكوّنات المعارضة الفعلية كما هو الحال في تجارب الانتقال الديمقراطي الناجحة في العالم".
سؤالٌ جوهري طرحته الفعاليات السياسية في الجزائر، يتعلّق بالنصوص التي تمّ المصادقة عليها في الوثيقة الرسمية لتسيير السلطة، وهو ما تحفّظت عنه جبهة العدالة والتنمية التي يقودها الشيخ عبد الله جاب الله، لافتةً في بيان لها، نُشر عقب تنصيب أعضاء السلطة، إلى أن "العجلة في تنصيب السلطة المستقلّة للانتخابات دون التحقّق من توفّر الشروط المنصوص عليها في قانونها، يهدف إلى خندقة الناس في أحد الخيارين، وكأنه لا خيار آخر غيرهما، بينما تتبنّى الغالبية خيارا ثالثًا يتأسّس على الإيمان الصادق بعدالة وشرعية مطالب الشعب".
يبدو أنّ جبهة العدالة والتنمية، تطمح إلى خطوات أخرى، متعلّقة بتقديم ضمانات أبعد من تشكيل السلطة الانتخابية، رغم أن هذه الأخيرة كانت من المطالب الجوهرية للمعارضة منذ سنة 2014، هي ضمانات متعلّقة بالأحداث المتواترة في الساحة منذ بدء الحراك الشعبي، تتعلّق بالممارسات ضدّ شباب الحراك، إذ تعتبر جبهة العدالة أن "تزايد الاعتقالات في الجمعة الأخيرة، والتي طالت عشرات شباب الحراك رغم ما يعرف عنهم من تبنيهم للسلمية، وابتعادهم عن كل أساليب العنف، ومنها العنف اللفظي، ممارسات من شأنها أن تعمق القلق على مستقبل هذا الحراك، وتدعو للتحفظ على هذه الإجراءات والمطالبة بإطلاق سراحهم".
ورقة الحراك
لا يمكن أن تستقيم المعادلة السياسية في الجزائر، إلا بتحسّس الشارع وتقييم مواقف المواطن الجزائري، هذا الأخير ومنذ بدء الحراك الشعبي في الـ 22 شبّاط/ فيفري الماضي، كان أهمّ عوامل تغيير معادلة الانتخابات التي ألغيت في نيسان/ أفريل الماضي، وتمّ إرجاؤها مرّة ثانية بعدما كانت متوقّعة في الرابع جويلية/ يوليو الماضي، وهذا يعني أنّه لم يعد بالإمكان فرض سياسة الأمر الواقع كما في السابق.
هنا، يوضّح سعيد بن حمادة، الباحث في الحركات الاجتماعية في حديث إلى " الترا جزائر"، أن موقف الحراك الرافض لبقاء منظومة الحكم ( رئيس الدولة عبد القادر بن صالح وحكومة نور الدين بدوي التي تشكّلت في فترة حكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة)، فضلًا إلى تمسّكه بإطلاق سراح الموقوفين في الحراك الشعبي، كلّها مؤشرات توحي بأن"غليان الشارع كل يومي الثلاثاء وجمعة، لن يتوقّف بمجرّد إطلاق الوعود وإنشاء سلطة مستقلّة للانتخابات".
في هذا السياق، يتخوّف الباحث من حدوث" صدام" بين الأطراف الثلاثة المشكّلة للواجهة السياسية في الجزائر، إذ يعتبر الأستاذ بن حمادة، أن السلطة قدّمت خطوات ملموسة، ترى فيها حلًا للأزمة، موازاة مع محاربة الفساد وتطويق رموز العصابة، في مقابل ذلك، يضيف المتحدّث، أنّ "الأحزاب المعارضة غير قادرة على سحب البساط من الشارع وقيادة التغيير، وقبول الذهاب في إدارة الأزمة السياسية فعليًا، وإيجاد مخرج لها بالانتخابات الشرعية والشفافة وتقديم برامجها لتحقيق تلك الغاية".
ينتظر الشارع الجزائري أن تقدّم السلطة الحالية مزيدًا من التنازلات قبل الانتخابات الرئاسية
يتّفق متابعون للشأن السياسي في البلاد، على أن الرهان اليوم، يعتمد على تقديم ضمانات سياسية أكبر لتسيير العملية الانتخابية، من خلال الإفراج عن وثيقة عمل السلطة العليا للانتخابات للرأي العام، فضلًا عن تقديم أسماء توافقية للمنافسة الرئاسية، يُمكنها أن تعيد الثقة إلى الشارع الجزائري.
اقرأ/ي أيضًا: