29-سبتمبر-2022
سفن بربرية في مواجهة سفن إنجليزية (Getty)

سفن بربرية في مواجهة سفن إنجليزية (Getty)

بسطت البحرية الجزائرية في القرون الماضية سيطرتها على البحر الأبيض المتوسط وألحقت عدّة خسائر بالأساطيل المعادية ووقفت سدًا منيعًا في وجه الحملات الصليبية، بفضل أسطولها البحري الذي شكلّته سفن مختلفة أبرزها سفينة "الشباك".. أسطورة المتوسط التي أرعبت الأساطيل الأوروبية خلال العهد العثماني.

وُصفت سفية "الشباك" بالمرعبة وشكّلت قطعة أساسية في الأسطول البحري الجزائري الذي كان في أوجّ قوته آنذاك

سفينة "الشباك"وتسمى أيضًا "الشبك"، لكن الأولى مشتقة من كلمة "شبكة" المستعملة في الصيد.. فرغم اختلاف التسمية وأصلها إلاّ أنّها جاءت في تعريف المتحف الوطني البحري العمومي باسم "الشباك".

عادت سفينة "الشباك" إلى الواجهة، وعاد تاريخها وأسطورتها في تظاهرة علمية ثقافية نظمها المتحف العمومي الوطني البحري، بالتنسيق مع جمعية الهندسة البحرية "مارينا"، حول إعادة تركيب وتجسيد مجسم سفينة "الشباك"ّ وجعله يطفو في حوض أميرالية الجزائر بالعاصمة.

نموذج لسفينة الشباك

"الشباك".. فخر البحرية الجزائرية

وبحسب ما ورد في الصفحة الرسمية للمتحف البحري العمومي فإنّ "عملية الطفو الأولى كانت لنموذج مصغر لسفينة "الشباك" الجزائرية،وهي واحدة من أهمّ وأجمل السفن الموجهة للحروب والمعارك والتي خاضت عديد المعارك في قلب البحر الأبيض المتوسط إبّان الحقبة العثمانية في الجزائر (1518-1830).

ووفق ديباجة التظاهرة العلمية الثقافية "شهد المجال البحري ثورة وتحولًا منذ أواخر القرن الـ 15م، وذلك من خلال الاعتماد على سفن تجارية وحربية أكثر فعالية وتأثيرًا، فأصبحت المعارك محسومة لمن يملك قوة الصناعة البحرية التي نتج عنها سفن تميزت بالسرعة والمناورة ما صنع صورة عن صراع بحري وتسابق بين الأساطيل البحرية، فمنها من يملك التقنية والسلاح والمهارة.

ومن هذا المنطلق شهد أسطول إيالة الجزائر ثورة نوعية في هذا المجال، إذ احتوى على عدد هائل من السفن المختلفة من أهمها كما هو الشائع سفينة الشباك، فخر البحرية الجزائرية في الفترة العثمانية". بحسب الديباجة.

نموذج لسفينة الشباك

ما لا نعرفه عن "الشباك"

وبالتالي كانت سفينة "الشباك" قطعة أساسية وجزءًا لا يتجزأ من الأسطول البحري الجزائري الذي كان في أوجّ قوته، حيث وصفت بالسفينة المرعبة نظرًا لعديد الخصائص التي كانت تميزها من بينها أنّها تتسم بالازدواجية من حيث الطاقة البشرية وطاقة الإبحار، لاعتمادها على قوة وسرعة الرياح بفضل أشرعتها المثلثة الشكل، إلى جانب خاصية التجديف بوجود مجاديف على جانبيها، ما جعلها سفينة مناورة بامتياز أثناء المعارك، السبب الذي جعلها تصيب أهدافها بكل سهولة مع تميزها بالخفة والحركة السريعة والانسياب في عرض البحر  من أجل تجنب طلقات مدافع سفن العدو.

وبحسب مصادر تاريخية " وزن السفينة نحو 260 طنّا، وتصل حمولتها إلى 150 برميلًا، كما كانت مسلحة بنحو 28 مدفعًا، أمّا عن أصلها فقد كانت سفينة صيد، قبل أن يحوّلها البحارة الجزائريون إلى سفينة حربية باتت الأقوى والأشهر في تلك الحقبة الزمنية خاصة مع استفحال الحملات الصليبية على الجزائر وعلى البلدان العربية الواقعة في البحر المتوسط.

وشكلت سفينة "الشباك" إلى جانب قطع بحرية أخرى على غرار "القالير"، "الغليوطة"، "الطريدة"، "الفوستة".. قوّة البحرية الجزائرية خلال الحقبة العثمانية، كما دفعت بالمؤرخين والرسامين الأوروبيين إلى تخليدها في كتب ولوحات، بالنظر إلى تاريخها وبطولاتها في عرض البحر، فقد كانت رغم صغر حجمها مقارنة ببواخر أخرى، بعبعا يخشاه الأوروبيون خلال المواجهة مع البحرية الجزائرية التي لم تتخلف عن دعم وإنقاذ المسلمين في المشرق خاصة في فلسطين وسوريا ضد الحروب الصليبية.

متى ظهرت "الشباك".. ومتى اختفت؟

وخلال التظاهرة العلمية التي نظمها المتحف الوطني البحري، وكالة الأنباء الجزائرية على لسان عبد الهادي رجائي سالمي باحث بالمركز الوطني للدراسات والبحث في التاريخ العسكري الجزائري أنّ " سفينة "الشباك" كانت تتمتع بخصائص فنّية فريدة وكانت ركيزة الغزو البحري الجزائري في المتوسط بداية من منتصف القرن الـ17 وإلى غاية القرن الـ19.

 ووفق الباحث سالمي " تعتمد "الشباك" في تحركاتها السريعة على قوة الريح بفضل أشرعتها المثلثة الشكل والموزعة على ثلاث صواري مختلفة الطول وكذا القوة البدنية ممثلة في المجاديف التي كانت تسمح لها بالانسياب بسرعة وسلاسة بين سفن العدو، وبالرغم من أنّها صغيرة الحجم كانت تحمل أكثر من 30 مدفعا".

وأشار إلى أنّ "البحّارة الجزائريين وصلوا بها إلى سواحل شمال البرتغال وانجلترا بعدما أدخلوا تعديلات على أشرعتها لتقاوم طبيعة المحيط الأطلسي.

نموذج لسفينة الشباك

وحول تاريخ ظهورها أوضح أمين رحاتي الأكاديمي بقسم الهندسة البحرية بجامعة العلوم والتكنولوجيا بوهران، أنّ سفينة "الشباك" ظهرت "في الجزائر بعد معركة "ليبانت" في 1571 بين الجيوش المسيحية الأوروبية ضد العثمانيين والجزائريين. وفق وكالة الأنباء الجزائرية..

ومعركة "ليبانت" أو "ليبانتو" في سواحل اليونان وقعت بين المسلمين الذين تصدرّهم العثمانيون والتحالف المسيحي بقيادة تشكيلة البابوية في روما في الـ7 تشرين الأول/أكتوبر 1571، حيث كانت الدولة العثمانية تعتمد في حروبها المتوسطية ضد خصومها من الدول الأوروبية على الإيالات التابعة لها المطلة على البحر المتوسط، ابتداء من مصر إلى إيالة الجزائر. وفق ما أورده الكاتب والأكاديمي عبد القادر فكاير في مقال بعنوان "دور الأسطول الجزائري في معركة ليبانتو 1571" صدر سنة 2011 في مجلة "المواقف" (مجلة سنوية تصدر عن جامعة معسكر وأطلقت عام 2007).

مديرة المتحف البحري: الشباك" كانت سفينة صيد لكن طُورت أثناء الفترة العثمانية وأصبحت سفينة حربية

وبخصوص "الشباك" أشارت مديرة المتحف العمومي الوطني البحري، مقراني بوكاري آمال، إلى أنّ" الشباك" في بداية خدمتها كانت سفينة مخصصة للصيد، لكن تمّ تطويرها أثناء الفترة العثمانية وأصبحت سفينة حربية تشق البحر مهما كانت الظروف المناخية وتواجه العدو. ولفتت بوكاري إلى أنّ "الشباك" لم يعد لها أثر واختفت مع مجيء الاستعمار الفرنسي واحتلاله الجزائر عام 1830.