يُجمع خبراء في مجال الطاقة، على وجود عدّة مشاكل تقف عائقًا أمام توجّه الجزائر نحو الاستثمار في مجال الطاقة المتجدّدة، أهمّها العقود المبرمة مع الشركات الأجنبية، والإجراءات البيروقراطية التي تفرضها الإدارة الجزائرية على المستثمرين الجزائريين، وغياب إرادة سياسية مشجّعة على تصدير المنتجات المحليّة.
زوبير بولقرون: إن تطوير مشاريع الطاقات المتجدّدة في الجزائر، يبقى مرهونًا بإيجاد أغلفة مالية، والبحث عن تمويلات بنكية
في هذا السياق، قال المدير العام للطاقة بوزارة الطاقة والمناجم، زوبير بلقرون، إن تطوير مشاريع الطاقات المتجدّدة في الجزائر، يبقى مرهونًا بإيجاد أغلفة مالية، والبحث عن تمويلات بنكية دولية.
اقرأ/ي أيضًا: الطاقات المتجدّدة في الجزائر.. حربٌ مع لوبيات النفط والمشاريع الوهمية
وأفاد بلقرون في حديثه إلى "الترا جزائر" أنّ مشروع قانون المالية 2020، نصّ على اللجوء إلى الاستدانة الخارجية، والبنوك الدولية، قصد تمويل المشاريع الاستراتيجية.
وبخصوص غياب الموارد المالية في قانون المالية لسنة 2020، المخصّصة لتطوير الطاقة المتجدّدة، أوضح المتحدّث، أن الدولة الجزائرية لها أولويات في الوقت الحاضر، كتمويل التعليم، والسكن، والصحة، وتوفير الأمن، لكن بالنسبة إلى الطاقات المتجدّدة، هي استراتيجية تتطلّب الذهاب إلى المؤسّسات المالية والبنكية، نظرًا إلى التكلفة المالية الباهظة في المجال، واستدل بلقرون، بأن إنتاج 4000 ميغاوات تتطلّب حوالي 6 مليار دولار، مضيفاً أن تكلفة كيلوات واحد هي في حدود 1500 دولار، على حدّ قوله.
وأفاد ممثل وزارة الطاقة والمناجم، أنّ الإيطاليين يمتلكون الخبرة والتجربة في المجال، مستشهدًا "في سنة 1990 أنشأ الإيطاليون مع شراكة جزائرية، محطة تحلية مياه بولاية جيجل، بطاقة 500 متر مكعب يوميًا، وتمّ تركيب أربع محطات بإيطاليا، ومحطة واحدة بالجزائر"، وأضاف المتحدّث أن الجزائر، كانت قادرة على تطوير مجال التكنولوجيات في الطاقات المتجدّدة، لولا العشرية السوداء، التي فكّكت النسيج الصناعي والمؤسّساتي، على حدّ تعبيره.
شروط تعجيزية
وبخصوص إمكانيات الجزائر في مجال الطاقات المتجدّدة، أوضح كريم. س، وهو أحد المتعاملين في القطاع، أن إمكانيات الجزائر ضعيفة، موضحًا في حديثه إلى "الترا جزائر" أنّ الطاقة الإنتاجية في الجزائر، لا تتعدّى 180 ميغاوات، وهي نسبة ضئيلة، مقارنة بالبرنامج الوطني الرامي إلى بلوغ 6000 ميغاوات، آفاق 2027.
واستنكر المتحدّث، الشروط التعجيزية التي تفرضها سلطة ضبط الكهرباء والغاز، وهي الهيئة المكلّفة بإعداد الدفتر الشروط، ومتابعة المناقصات الوطنية، حيث تشترط السلطة، على المتعامل الوطني أو المستثمر، إنتاج نسبة معينة من المعدّات لتركيب المحطة، علمًا أنه في الجزائر، يوجد ثلاث متعاملين في مجال اللوائح الشمسية، وهي شركة كوندور حمادي، والشركة الوطنية ( ENIE)، ومتعامل آخر في ولاية باتنة ينشط باسم ( ORAS)، بينما أهمّ المعدات لا تُصنع في الجزائر كـ العاكسات الشمسية والضوئية (ONDULEURS).
وأوضح كريم، أن من بين الشروط، أن تكون مبدئيًا متعاملًا صناعيًا في مجال الطاقة المتجدّدة مقابل الحصول على مشروع، وهو ما جعل الكثير من المتعاملين لا يرغبون في الاستثمار، لأنه يفرض شرطًا تعجيزيًا هنا، على حدّ تعبيره.
من جهته، يؤكّد أحد ممثلي شركة (RED MED) الإيطالية، المتخصّصة في مجال المرافقة في مجال الاستثمار في الطاقة الشمسية، أن الجزائر تعترض على استيراد المحطات بشكلٍ كامل ونهائي، كون الجزائر ترغب في إيجاد نسيج صناعي للطاقات المتجدّدة على أراضيها، فواحد كيلوات يخلق 14 منصب عمل، بحسب مدير العام لوزارة الطاقة والمناجم.
يستطرد المتعامل الإيطالي في حديثه إلى "الترا جزائر"، أن مشكلة الجزائر، تكمن في غياب رؤية واضحة في برنامج تطوير الطاقة المتجدّدة، مضيفًا أنّ هناك تخبطًا بين الرغبة في توفير الأمن الطاقوي لأجيال القادمة، أو توفير مناصب عمل في الوقت الحاضر، علمًا أن الطاقات المتجددة هي استراتيجية بعيدة المدى، وتتطلّب استثمارات مُكلفة، ودخول مرحلة الإنتاج يحتاج إلى وقت من الزمن.
عقد "جنيرال إلكتريك"
في السياق نفسه، أوضح المدير العام لمكتب الاستشارات في الطاقة المتجدّدة، بوخالفة ياسين، في حديث إلى "الترا جزائر" أن المشكل المالي ما هو إلا "حصان طروادة"؛ فالمشكل الجوهري بحسب المتحدّث، يكمن في العقد الذي يربط بين سونلغاز والشركة الأميركية "جنيرال إلكتريك"، حيث ينصّ العقد على توفير "توروبينات" بطاقة 1500 إلى 2000 ميغاوات سنويًا، فإلى غاية اليوم، تبلغ الطاقة الإنتاجية 20000 ميغاوات فقط.
وفي ظلّ عجز سياسة تصدير المنتجات التي تُصنّع محليًا في ولاية باتنة، يستمرّ إنتاج معدّات توريد الغاز الطبيعي، على حساب الاستثمار في الطاقات المتجدّدة، وهي وضعية ستجعل من سونلغاز تلتزم بالعقد، حتى وإن لم يتم استغلال تلك "التوربينات"، وأوضح المتحدث أن على الدولة الجزائرية، إعادة النظر في العقد المُبرم بين الشريك الجزائري والمتعامل الأميركي، زيادة على ضرورة البحث عن أسواق خارجية بدل استهلاكها محليًا، على حدّ قوله.
وأضاف الخبير، أن معدلات الاستهلاك الغاز الطبيعي في ارتفاع هائل، وهذًا نظرًا إلى التكلفة المالية المتدنية، وبناء السكنات الاجتماعية، والنمو الديمغرافي المتزايد، وبالتالي "هي وضعية تجعل إنتاج الغاز الطبيعي يسير بوتيرة سريعة، ولا يترك المجال إلى وضع بديل طاقوي آخر، لتعويض استهلاك الغاز الطبيعي".
ياسين بوخالفة: المشكل الأساسي يكمن في العقد الذي يربط بين سونلغاز والشركة الأميركية "جنيرال إلكتريك"
ويخلص ياسين إلى ضرورة وضع استراتيجية متكاملة، تضمّ مختلف القطاعات، تضع سياسة موحدة، للذهاب إلى خيار الطاقة المتجدّدة، الذي أضحى اليوم التزامًا دوليًا، وأمنًا مستقبليًا للأجيال القادمة.
اقرأ/ي أيضًا: