03-نوفمبر-2019

تعتمد الجزائر في أغلب صادراتها على النفط (الصورة: فيليار)

على مستوى الخطابات الرسمية، تسعى الحكومة الجزائرية إلى فكّ الارتباط مع قطاع الطاقات التقليدية، البترول والغاز؛ فما نسبته 95 في المائة من إنتاج الكهرباء حتى الآن، ما يزال يُستخرج من الغاز الطبيعي، وهو ما يخلّف آثارًا صحيّة وبيئية كارثية، نتيجة إفرازات أكسيد الكربون، وغازات ضارّة تعمل على زيادة الاحتباس الحراري.

رغم كلّ الإمكانيات والظروف المتوفّرة في البلاد، يعرف قطاع الطاقة المتجدّدة حركة بطيئة جدًا في مجال الاستثمار

 يُذكر أن الجزائر اليوم، ملتزمة بتطبيق توصيات اتفاق باريس للمناخ "كوب 21"، والتي صادقت عليها، وتهدف إلى احتواء الاحتباس الحراري العالمي إلى أقلّ من 1.5 درجة، وبحسب البنك العالمي، يقدر حجم ابتعاث غاز الكربون في الجزائر CO2 193 مليون طن.

اقرأ/ي أيضًا: تراجع احتياطي الصرف.. الجزائر على أبواب الاستدانة الخارجية؟

وبسبب دعم سعر الكهرباء، الأكثر تكلفة، تتحمّل الخزينة العمومية خسائر مالية هائلة سنويًا. ونتيجة لهذه الأسباب، تتّجه الحكومة إلى تشجيع الاستثمار في مجال الطاقات المتجدّدة، بديلًا عن الطاقة النافذة لصالح الطاقات المستديمة.

 ما هي إمكانيات الجزائر؟

تمتلك الجزائر إمكانيات هائلة في قطاع الطاقة المتجدّدة، إذ تبلغ مساحتها 2.3 مليون كلم مربع، وتحتل الصحراء 80 في المائة من المساحة الاجمالية، وتمتلك مخزونًا هائلًا من الطاقة الشمسية، يُعتبر من أعلى الاحتياطات في العالم.

هنا صرح وزير الطاقة، محمد عرقاب، في حديثه عن أهميّة التوجّه نحو استغلال الطاقة الشمسية، أنّ الجزائر تمتلك معدّل 3 آلاف ساعة سنويًا كطاقة بديلة. وتمتلك الجزائر أعلى معدل في الإشعاع الشمسي في منطقة الشرق الأوسط، وشمال أفريقيا بمعدل 2650 تيرا وات سنويًا. إضافة إلى الطاقة الجوفية، والطاقة الريحية، والحيوية.

أين الخلل؟

رغم كلّ الإمكانيات والظروف المتوفّرة في البلاد، يعرف قطاع الطاقة المتجدّدة حركة بطيئة جدًا في مجال الاستثمار، إذ راهنت الجزائر على إنجاز برنامج تطوير الطاقة المتجدّدة، ما بين سنتي 2015 و2030، لإنتاج ما معدّله 22000 ميغاوات، وهذا لتلبية احتياجات السوق الوطنية، ليتم التراجع عن هذا المعدّل في الخطابات الرسمية، إلى حدود 12000 ميغاوات، ثم إلى 6000 ميغاوات، في حدود آفاق 2027، بحسب آخر تصريحات لوزير الطاقة محمد عرقاب.

جدير بالذكر أيضًا، أن الجزائر تنتج حاليًا، حوالي 350-400 ميغاوات، وتمتلك 22 محطة شمسية، منها محطات هجينة تسير بالغاز والطاقة الشمسية معًا.

 أما بخصوص الاستثمارات الجديدة في مجال قطاع الطاقة المتجدّدة، فقد كشفت عملية فتح العروض المالية، لإنجاز سبع محطات للطاقة الشمسية بطاقة 150 ميغاوات على مستوى ولايات جنوبية وهي بسكرة، غرداية، الوادي، عن محدودية جلب الاستثمار في القطاع، حيث تمّ قبول عرض واحد، بطاقة إنتاج قدرها 50 ميغاوات فقط، أمّا باقي العروض فكانت غير مجدية.

إجراءات بيروقراطية

بحسب خبراء، ترفع هذه العملية الستار عن جملة من الاختلالات التي يعرفها القطاع، متعلقة بالإجراءات البيروقراطية، علمًا أن المناقصة أطلقت في 18 تشرين الثاني/نوفمبر سنة 2018، لتبقى معلقّة لسنة كاملة، وهي فترة طويلة مقارنة بالديناميكة التي يعرفها قطاع الطاقة المتجدّدة.

 إضافة إلى هذا، أبدى بعض المهتمين بالقطاع، تحفظًا في مسألة تسقيف السعر من طرف سلطة ضبط الكهرباء والغاز في حدود 11.16 دينار للميغاوات بالنسبة لولاية ورقلة، و10.8 دينار لولاية غرداية و1.24 دينار لمدينة بسكرة. ويشكّل تحديد السعر عقبة أمام المستثمرين في تقديم أحسن العروض التقنية، فتحديد السعر "الأقل تكلفة"، على حساب التقنية والمعايير الدولية لا يشجّع الاستثمار، لأن الزيادة في الإنتاج هي معيار تحديد السعر وليس العكس بحسب الخبراء، وبالتالي فإن سلطة الضبط تتعامل مع قطاع استراتيجي حساس، وفق أقلّ تكلفة على حساب الجودة والتكنولوجية.

تحتاج الجزائر إلى بلوغ هدف 6000 ميغاوات آفاق 2027، أي بمعدل بناء 60 محطّة بطاقة 50 ميغاوات للمحطة الواحدة، أي 8 محطات سنويًا، وهو معدّل لا يمكن بلوغه وفق الظروف الحالية، نظرا للإجراءات البيروقراطية، والعجز المالي الذي تعرفه مؤسّسة سونلغاز، وعدم وجود قطاع خاصّ قوي ومتخصّص، قادر على تقديم إضافة نوعية وكمية في القطاع.

هنا يتساءل بعض المهتمّين، لماذا لا يتمّ تشجيع الشركات الصينية الرائدة في المجال، والمتحكّمة تقنيًا وماليًا في مجال الطاقات المتجدّدة؟ بينما مشروع قانون المحروقات الأخير، يشجع الشركات الدولية الاستثمار في الطاقات التقليدية.

مشاريع وهمية

من جهته يقودنا الحديث عن الاختلالات الموجودة، في قطاع الطاقات المتجددة، إلى أن الجزائر لم تُحسن استغلال مشروع ديزرتيك، هذا المشروع الذي تشرف عليه المؤسسة الألمانية ديزرتيك، كان يهدف إلى إنشاء محطات استغلال الطاقة الشمسية، تُنتج ما يقارب 20 في المائة، من احتياجات الطاقة للسوق الأوروبية، لترتفع مع حلول 2025 إلى حوالي 50 في المائة لكل من المنطقة الأوربية والشرق الأوسط وشمال إفريقيا حسب تقديرات المركز الفضائي الألماني.

 وأثار فشل المشروع، الكثير من الجدل والتصريحات الإعلامية المتباينة، عن تورّط أطراف خارجية وراء فشل المشروع الألماني.

في مقابل ذلك، يُبدي بعض الخبراء في مجال الطاقات المتجدّدة، تحفظات تقنية حول حجم المشروع، وأهدافه المتوسطة وبعيدة المدى، ويُرجع الخبير والباحث في المجال الطاقوي، مهماه بوزيان، إلى  اعتبارات سياسية، وأخرى سيادية.

يوضّح الخبير، أن مشروع ديزرتيك هو مشروع وهمي، ليست الحكومة الألمانية من تقف وراءه كما هو متداول، بل هي شركات متعدّدة الجنسيات، وبنوك ألمانية، تهدف في الحقيقة إلى البحث عن تمويل مالي لمشروع، بدل الاستثمار المباشر، مضيفًا أن المشروع يمتد من الأراضي الصحراوية، إلى فلسطين. وصرح الخبير في حديثه إلى "التر جزائر"، أن تحفظات الجزائر كانت حول هذا التوسّع الجغرافي الذي يقتضي الاعتراف بالكيان الصهيوني، والتراجع عن بعض المواقف الإقليمية.

المشروع لا يهدف إلى نقل التكنولوجيا إلى الجزائر كما يؤكّد بوزيان، بل إلى إنشاء محطات طاقوية، تدفع المؤسّسات العالمية، الأتاوات والضرائب إلى الدولة الجزائرية فقط، لكن دون أيّ حق في ممارسة المراقبة، أو المتابعة أو ضبط الإنتاج وتسويقه.

لوبيات الطاقة التقليدية

من جانبه، يرجع البعض فشل برنامج تطوير الطاقة المتجدّدة، إلى وجود لوبيات داخلية، لها ارتباطات مع شركات بترولية عالمية، تفضّل النشاط في ميدان الطاقات التقليدية، وترفض الذهاب إلى الطاقات المتجدّدة.

بوخالفة ياسين: "الجزائر بهذه الوتيرة من العمل، تحتاج إلى قرنين من الزمن، لبلوغ هدف 22000 ميغاوات"

 في هذا السياق، يقول الخبير الطاقوي بوخالفة ياسين في تصريح إذاعي، إن فشل البرنامج الوطني لتطوير الطاقات المتجدّدة في الوصول إلى 22000 ميغاوات آفاق 2030، تقف وراءه أطراف داخل الإدارة، تعمل على عرقلة هذا الطموح، مستنكرًا، على سبيل الاستدلال، تعطيل مشروع "المعهد الوطني الطاقات المتجدّدة"، وخلص إلى أن الجزائر بهذه الوتيرة من العمل، تحتاج إلى قرنين من الزمن، لبلوغ هدف 22000 ميغاوات.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الأزمة الجزائرية وأولوية الحلّ الاقتصادي على السياسي!

الاقتصاد الجزائري .. تركة ثقيلة من زمن الفساد