24-مايو-2024
(الصورة: فيسبوك)

(الصورة: فيسبوك)

يعيش أستاذ الرياضيات (كريم سوامي) البالغ من العمر 31 سنة، حالة من القلق، فهو يحمل هموم تأسيس بيتٍ جديدٍ والإقبال على الزواج، ودفع أقساط شراء مسكن من سكنات وكالة البيع بالإيجار "عدل"، والبقاء في وظيفة تستهلك من يومه أكثر من عشر ساعات، علاوة على أجندة مختلفة لمصاريف الأكل والنقل.

أستاذ الاجتماع كريم منداس لـ "الترا جزائر": يمكن أن نتحدث عن ضعف الطبقة الوسطى دون إعلان نهايتها مادامت هناك سياسات دعم اجتماعية

يقول الأستاذ سوامي إن مختلف وسائل الإعلام تُخبرنا بأن الأمر سينفرج قريبًا، يما تعلق بوضع الموظفين عمومًا، وذلك عبر تسويات وضعيتهم، فضلًا عن رفع الأجور بهدف تحسين القُدرة الشرائية ولكن كل شيء في الواقع يزداد "غموضًا وقتامة".

هذا النمط من المعيشة، يعكِس وضعًا في الجزائر، لا يمكن تجاهله، فمن زاوية محدّث "الترا جزائر" صورة الآلاف من الموظفين ممن تم تصنيفهم في خانة" الوسط"، فمن خلال الواقع اليومي للجزائريين واختلالات القُدرة الشرائية التي تأثرت بدورها بمختلف الظروف الاقتصادية التي تمرّ بها البلاد، مقابل ارتفاع الأسعار، وصعوبة المعيشة، كلها عوامل تطرح هذا السؤال: هل مازالت الطبقة الوسطى موجودة في الجزائر؟.

 

إصلاح تركة السنوات

إلى هنا، يقول عدد من المهتمين بالشأن الاقتصادي والاجتماعي في الجزائر بأنه "لا وجود لهذه الطبقة"، ردًا على سؤال سابق،ومنهم من يجزم أنها ستختفي قريبًا،  أو ربما " تتراجع إلى الاندماج مع الطبقة الفقيرة أحيانًا، "بفعل تحوّلات سياسية واقتصادية على مرمى ما يقرب من أربعة عقود من الزمن"، ومن الإصلاحات ومن السياسات الاجتماعية المنتهجة من الحكومات المتعاقبة.

قبل أربعة عقود، فرضت بعض النخب السياسية توجهات اقتصادية جديدة، وذلك في منتصف سنوات الثمانينيات، يفسّر اليوم ما تعرفه الطبقة الوسطى من التراجع شيئًا فشيئًا رغم السياسة الاجتماعية للحكومة المستمرة.

يشير مختص في الشأن الاقتصادي، عبد الله سماش بأن الأوضاع السياسية التي عاشتها الجزائر خلال سنوات التسعينيات أفرزت عدة طبقات، وأُرت على الطبقة المتوسطة التي تضم وقتها أصحاب الشهادات العليا والتجار الصغار وأصحاب الشركات المتوسطة.

وأكد في تصريح لـ" الترا جزائر" على أن السياسة الجزائرية توجهت نحو "الإنعاش الاقتصادي" الذي يعني في شقه اللغوي إحياء ما هو يعاني من هشاشة في البنية الاقتصادية، وذلك تزامن في فترة حكم الراحل عبد العزيز بوتفليقة بمخططات ورامج أسهمت وقتها في إعطاء جرعة جديدة لمؤسّسات اقتصادية وفتح المجال أمام الخواص في شتى المجالات.

لكن في هذا السياق، تأثر الطبقة الوسطى بتداعيات انخفاض أسعار البترول وغلاء المعيشة في الجزائر، ما انجر عنه " طبقة وسطى تتزحزح نحو الفقر "، أو بمعنى آخر أن هذه الطبقة باتت خلال العشرية الأخيرة "رهينة الاحتياجات الضرورية اليومية، وتلهث وراء تلبية حاجاتها للعيش".

وينبه خبراء إلى السياسة الاجتماعية التي تنتهجها الحكومة الجزائرية، ما يعرف بـ" سياسة الدعم الاجتماعي"، إذ تدعم الحكومة مجموعة السلع الأساسية ذات الاستهلاك الواسع بطرق مباشرة وغير مباشرة، ويتم تكييفها حسب موازنة الدولة، كالخبز والحليب والسكر والزيت وذلك من خلال دعم المنتجين في مقابل تسقيف الأسعار، فضلًا عن دعم أسعار المحروقات والكهرباء، بالإضافة إد دعم السكن لفئات محددة في المجتمع.

توفير الحاجيات اليومية

لكن بالرغم من هذه السياسة، إلا أن الآلاف من الأسر لم تتمكّن من "تسيير ميزانيتها" بحسب المداخيل – الأجرة- يقول العضو في نقابة اتحاد أساتذة التعليم الثانوي، فريد بن مولى لـ"الترا جزائر" معتبرًا أن المشكلة هي توافق الأجور مع أسعار السلع الأساسية، وهذا ما يجعل الموظف- العامل – الأجير في صراع يومي بين توفير الحاجيات الأساسية دون توفير دينار في آخر الشهر.

وبسبب تداعيات الأزمة الأمنية وما تلاها من أحداث وتدابير أقرتها الدولة خلال العشريتين الأخيرتين، تعيش الطبقة الوسطى منذ 2001 في محاولة "تعايش" مع الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، في المقابل تناقص "خلق الثروة" و"إنتاج الخدمات" والاعتماد بنسبة عالية على الاستيراد والاستهلاك.

من خلال ما تقدّم، تقوم السياسة الاجتماعية في الجزائر، أو ما يطلق عليها إعلاميًا بـ"سياسة الدعم الاجتماعي" حسب خبراء على نظام التحويلات الاجتماعية، نحو دعم الدولة المباشر وغير المباشر لجملة من السلع الأساسية والخدمات، ودعم قطاعات مثل التعليم والصحة، فضلًا عن دعم السكن الموجه لفئات معينة.

لكنها من خلال إطلالة المواطنين والمختصين، فهي اليوم تطرح سؤالين متلازمين؛ أولهما: هل يتعارض الفعل السياسي -الاجتماعي مع الواقع؟ أو بطرح آخر: لماذا تظلّ هذه السياسة الخاصة بالدعم الاجتماعي قائمة على نحو علني في مضمون الخطاب السياسي، في مقابل جملة من التغيرات التي لامست جيوب المواطنين وأثرت على نمط المعيشة وتأثيرها اقتصاديا على البلاد عمومًا؟

الدّعم منقذ

يتحدّث الباحث في علم الاجتماع السياسي كريم منداس من جامعة الجزائر على توسع  في عدد الموظفين في قطاعات معينة، منها في قطاع التربية والتعليم والصحة والوظيفة العمومية، وهي قطاعات "غير منتجة للثروات" ولكنها في المقابل مستهلِكة للدعم في آن واحد.

وبالرغم من أن " الطبقة الوسطى هي أحد أعمدة التوازن الاجتماعي، لأنها تأتي بين طبقتين: الغنية والفقيرة، لكن نشاهد اليوم عدة طبقات أخرى في تركيبة المجتمع الجزائري، وأصيبت الطبقة الوسطى بـ" الترهل" وانحدارها نحو الطبقة الفقيرة، لكنها " غير فقيرة" رغم أنها تجد صعوبة في تلبية حاجياتها.

يقول الأستاذ منداس لـ" الترا جزائر" إننا يمكن أن نتحدث عن " ضعف الطبقة الوسطى دون إعلان نهايتها مادامت هناك سياسات دعم اجتماعية".

في المقابل، يضيف بأنه من الجدير الإشارة إلى ارتفاع مستوى التضخم وتزايد حجم الإنفاق لدى الأسر الجزائرية رغم استقرار كمي في الأجور، والرفع منها خلال الأشهر الأخيرة، وهو ما يطرح تساؤلات حول مدى استمرارية الطبقة الوسطى في مواجهة تقلبات السوق والاقتصاد، وما مدى قدرة الحكومة على مجابهة هذه التحولات الاجتماعية والاقتصادية؟

الثروة والانتاج

سياسة الدعم الجزائرية بنيت في أغلبها على أساس مداخيل صادرات البترول، وبذلك فإن اعتماد الطبقة الوسطى على ما يسميه الباحث الجزائري في علم الاجتماع ناصر جابي بـ"أفراد يعيشون من الريع" أي "ريع الثروات الطبيعية" أو رصيد المداخيل من خلال الثروات التي تمتلكها الجزائر وخاصة منها البترول والغاز والكهرباء، وهي ما تتأسّس على قاعدة الاستهلاك دون الإنتاج".

وفي هذا الإطار، فإن عدم خلق الثروة هو محور أساسي لبقاء الطبقة الوسطى حسب باحثين في الاقتصاد، بل يرون في وجودها أمر "هُلامي" أو " زئبقي" يمكن الإفلات، كما لا يمكن الاعتماد عليه في تركيبة مجتمعية تحافظ على توازنات المجتمع.

وتتهدّد هذه الطبقة عدة الإشكالات المرتبطة أساسًا بالحديث المتداول حول "ما بعد الثروة الطبيعية، محافظة الحكومة على طابعها الاجتماعي في إقرار سياساتها، في علاقة بمدى قدرة فئات من المجتمع الجزائري على تحمّل صدمات اقتصادية مرتبطة بظروف المعيشة، واهتمامها اليومي بالبحث عن لقمة العيش فقط.

تقوم السياسة الاجتماعية في الجزائر، أو ما يطلق عليها إعلاميًا بـ"سياسة الدعم الاجتماعي" حسب خبراء على نظام التحويلات الاجتماعية

في المقابل من ذلك، برزت  طبقة الأثرياء في الجزائر، التي بدورها تلفت الانتباه في ظلّ تقهقر طبقة الموظفين، التي تعيش بين مطرقة تفرض عليهم الإذعان لشروط القدرة الشرائية وسياسة الأمر الواقع وسندان انتظار رفع الأجور بما يتناسب مع الأسعار.