01-فبراير-2023
الفريق أول السعيد شنقريحة (الصورة: أ.ف.ب)

الفريق أول السعيد شنقريحة (الصورة: أ.ف.ب)

ما هي أبعاد زيارة الفريق أوّل السعيد شنقريحة إلى فرنسا؟ وما هي أهم الملفات التي من شأنها أن تعزز التعاون العسكري والأمني بين الجزائر وباريس؟ وما هي الدلالات الرمزية لزيارة قائد أركان الجيش الجزائري الأولى منذ حوالي 17 سنة؟

أسقطت زيارة قائد الجيش الجزائري إلى باريس واحدة من الكليشيهات المعروفة باسم "روسيافيل - Russophile" الملتصقة بكل المؤيدين لروسيا

في هذا السياق، أفادت وزارة الجيوش الفرنسية، أن وزير القطاع سيباستيان لوكويه، استقبل السعيد شنقريحة في مقر الوزارة وتباحثا سبل تعزيز التعاون العسكري والأمني، وتكلل اللقاء بالتوقيع على ورقة طريق مشتركة، ولم تتضمن البيانات الرسمية للبلدين أيّ تفاصيل بشأن مضمون ورقة الطريق.

رهانات متعددة ومتقاربة

يرى متابعون للشأن السياسي الدولي والدبلوماسي، أن زيارة السعيد شنقريحة تحمل دلائل جيو-سياسية وجيو-إقليمية تهم البلدين، خصوصًا وسط التحديات التي تشهدها منطقة الساحل الأفريقي والممتدة إلى غرب وشرق أفريقيا واتساع بؤر العنف والجماعات المسلحة، بالإضافة إلى الرهانات المتوسطية وتصاعد المخاطر على مستوى الحوض المتوسطي.

وفي هذا الملف، يأتي اللقاء للتحادث حول التغييرات المحتملة على الصعيد الدولي ما بعد الحرب الروسية-الأوكرانية، وانعكاسات الأزمة في شرق أوروبا على سوق الطاقة وتهديد الأمن الغذائي والمعابر البحرية وتنقل السفن البحرية والبضائع والأشخاص.

إلى هنا، تلعب المساحة الجغرافية للبلاد، دروًا استراتيجيًا ومحوريًا في الميادين الأمنية والوقائية؛ فالجزائر وبحكم الانتماء الأفريقي والمتوسطي والمغاربي والعربي، يُساق لها دور هام في السلم والأمن في حوض المتوسط ومنطقة الساحل الأفريقي، حيث تمتلك الجزائر أوراقًا على مسرح الأزمة السياسية في مالي، وتحظى باحترام وتقدير المؤسّسات الشرعية في ليبيا، نظير عدم تدخلها المباشر في الساحة الليبية.

أما عسكريًا، تسعى الجزائر  أن تؤدي دورًا أساسيًا في حوض المتوسط، ليس كشرطي في المنطقة، ولكن في ملف الحد من الهجرة السرية وصدّ عصابات تهريب البضائع والاتجار بالبشر، بل وفق مقاربة أمنية وعسكرية مشتركة تعمل على تأمين الحوض المتوسطي من مخاطر التلوث والتغييرات المناخية والبيئة والتهريب والمتاجرة بالكوكيين والهجرة السرية.

البعد السياسي

في سياق متصل، تَعكس زيارة السعيد شنقريحة إلى فرنسا، التوافق السياسي والدبلوماسي القائم بين الجزائر وباريس، وتؤكّد الزيارة رغبة الطرفين في تجاوز الخلافات الدبلوماسية والحساسيات المتراكمة، والمُضي قدمًا في التعاون الثنائي، وفق مقاربة برغماتية، تخطو بها خطوة إلى الأمام في سبيلها، وتتعامل بحسب مصالحها الاستراتيجية والدفاعية والأمنية، بعيدًا عن السجالات التاريخية مثل قضية الذاكرة.

يُضاف إلى كل هذا، فإن القرب الجغرافي بين الجزائر وفرنسا، ووجود أكبر  الجاليات الجزائرية في الضفة الباريسية، والانسحاب العسكري الفرنسي من منطقة الساحل الأفريقي، يفرض على الطرف الجزائري التعامل بالندية وفتح قنوات الحوار على أصعدة متنوعة؛ سياسية ودبلوماسية وعسكرية، تجنبًا إلى تراكم الأزمات ومخلفات الانسحاب العسكري الفرنسي من الساحل.

في السياق ذاته، ما يُبرز الطابع السياسي لزيارة قائد الجيش الجزائري إلى فرنسا، هو استقباله من طرف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في قصر الإليزيه، وتسليمه رسالة من نظيره الجزائري عبد المجيد تبون.

كليشيهات

تُشكل زيارة قائد الجيش الجزائري إسقاط واحدة من الكليشيهات المعروفة باسم "روسيافيل - Russophile" وهي ملتصقة بكل المؤيدين لروسيا، سواءً ارتبط ذلك بالقيادة العسكرية أو بطبيعة الجيش الجزائري، وهذا لا يعني الاستغناء عن الحليف الروسي التقليدي الذي يشكّل العمود الفقري في العتاد واللوجستيك الحربي، لاعتبارات تاريخية واستراتيجية وأيديولوجية، ولكن الزيارة مؤشر فعلي في تفتح الجانب الجزائري على الأسواق العالمية في مجال التسليح وعصرنة العتاد العسكري والحربي والتعاون في مجال التكوين والاستعلامات والمساهمة في تعزيز أمن المنطقة بما يخدم المصلحة الوطنية.

تقليل الخسائر

بدروها، تُحاول فرنسا تقليل الخسائر الاستراتيجية بعد الانسحاب العسكري من مالي، وتمركز القوات الفرنسية في منطقة تشاد، ما يؤشّر على رغبة فرنسا في مراقبة الوضع السياسي والأمني والعسكري عن قرب، أما ثقل الإخفاق الفرنسي في إدارة مكافحة الإرهاب في الساحل فلا يمكن أن تتحمله الجزائر، بناءً على فشل المقاربة الفرنسية في استئصال الجماعات المسلحة دون تأهيل القوات المالية العسكرية أو تحقيق وتجسيد ميثاق المصالحة الوطنية في مالي، علاوة على غياب رؤية استشرافية حول التنمية الاقتصادية والاجتماعية في منطقة الساحل، وهي المقاربة التي ترفع الجزائر صوتها عاليًا، من أجل تحقيق السلم والأمن في المنطقة.

التجارب النووية

من جهة أخرى، يَظلّ ملف التفجيرات النووية من مطالب الجزائر الرسمية، للكشف عن أماكن المخلفات وتعويض الضحايا، حيث ترفع الجزائر مطالب من أجل تسليم خرائط لمواقع التجارب والتفجيرات النووية والعمل على تطهير المواقع النووية الفرنسي في الصحراء الجزائرية، واسترجاع الأرشيف المتعلق بتلك التجارب.

تجدر الإشارة، أنه خلال زيارة رئيس أركان الجيوش الفرنسية، الفريق أول فرنسوا لوكوانتر، في شهر نيسان/أفريل من السنة الماضية، طالب قائد الجيش الجزائري، الفريق أول السعيد شنقريحة نظيره الفرنسي بالإسراع في تسليم الجزائر خرائط التجارب النووية، ودعا شنقريحة إلى موافاة الجزائر بالخرائط الطبوغرافية بهدف التكفل النهائي بعملية إعادة تأهيل تلك المناطق الصحراوية. 

يأمل الطرفان الجزائري والفرنسي فتح صفحة جديدة ومواصلة العمل على ملف الذاكرة

وعلى العموم، تأتي زيارة السعيد شنقريحة إلى فرنسا قبل زيارة عبد المجيد تبون إلى باريس في أيار/ماي المقبل، ويأمل الطرفان الجزائري والفرنسي فتح صفحة جديدة ترسم الاحترام المتبادل، ومواصلة العمل على ملف الذاكرة التاريخية بعيدًا عن الحساسيات السياسية.