19-أغسطس-2021

(تصوير: رياض كرامدي/أ.ف.ب)

يجمع مختصون في علم الاجتماع على تصاعد ظاهرة العنف في المجتمع الجزائري في السنوات الأخيرة، حيث بات الأمر أكثر وضوحًا مع انتشار وسائط التواصل الاجتماعي واهتمامها بنقل كلّ تفاصيل  الحوادث التي تقع في البلاد وتداولها على نطاق واسع، وأصبح الجزائريون يستيقظون بين فترة وأخرى على أخبار مفزعة تتعلق باختطاف أطفال والاغتصاب وجرائم القتل وغيرها من حوادث العنف، آخرها حادثة قتل الشاب جمال بن  سماعين والتنكيل بجثته.

صالح شوشاني: خطاب العنف والتمييز والكراهية الذي يتعرض له الفرد الجزائري منذ سنوات ساهم في ارتفاع الجرائم

ورغم تشريع السلطات قوانين عدة تتعلق بالحد من ظواهر العنف بتسليط أقصى العقوبات على مرتكبي هذه الأفعال، مثل القوانين الخاصّة بتجريم خطف الأطفال وتعنيف النساء وعصابات الأحياء، والتمييز والكراهية، إلا أن درجة الإقبال على ارتكاب أفعال عنيفة تتصاعد -حسب مختصين- من عام لآخر.

اقرأ/ي أيضًا: كأنها جهنّم.. قصص يوم أسود في قرى منطقة القبائل

تراكمات 

يعتقد المعالج النفساني الدكتور صالح شوشاني أن "بروز الجريمة في المجتمعات ومنها المجتمع الجزائر ليست نتاج اللحظة الحالية، إنما هي نتاج تراكمات"، مضيفًا في حديث لـ"الترا جزائر" أن "خطاب العنف والتمييز والكراهية الذي يتعرض له الفرد الجزائري منذ سنوات ساهم بشكل كبير في ذلك، كجيل الثمانينات والتسعينات، وحتى جيل مواليد الألفين الذين تربوا على ذكر العشرية السوداء حتى ولم يعيشوا التجربة، لذلك لم تعد تلك العشرية فزاعة لهم ولا رادع".

وبيّن دكتور علوم التربية، أن هذه العوامل جعلت الجزائري "يعيش حالة إحباط عام  وقنوط، نتيجة السياسات المتعاقبة وتدني مستوى المعيشة والشعور باللا جدوى. نلاحظ هذا من خلال التعبير بالعنف حتى في خطاب التواصلي اليومي، هذا الضغط المعاش أحدث الاستعداد للعنف وأورث القابلية لممارسة الجريمة".

وبالنظر إلى التقارير الأمنية وغيرها من التحليلات الصادرة عن منظمات مدنية وحكومية، فالجزائر سجلت في 2019 -حسب تنظيمات مدنية مهتمة بالأطفال- 9 آلاف اعتداء جنسي على الأطفال، وأحصت الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان 20 ألف اعتداء على الأطفال والنساء في 2018، وهي أرقام لم تكن تسجلها الجزائر في القرن الماضي، وتزداد سنويًا في الألفية الجديدة.

وحسب تقارير حقوقية وصحفية، فإن الجزائر شهدت في السنة الأخيرة خاصة في فترات الحجر الصحي بسبب جائحة كورونا ارتفاعًا في حوادث العنف الأسري، والتي كان ضحيتها الأولى الأطفال والنساء.

خلل في التنشئة

يربط المنسق الوطني للمنتدى المدني للتغيير عبد الرحمان عرعار، الذي يرأس الشبكة الجزائرية للدفاع عن حقوق الطفل "ندى"، تضاعف ظاهرة العنف بالمجتمع الجزائري إلى الخلل الذي مس منظومة التنشئة في الجزائر.

وقال عرعار لـ "الترا جزائر"، إن "الانحراف نحو العنف يلاحظ اليوم داخل الأسرة والمدارس وبمختلف الفضاءات العمومية حتى بالمؤسسات الثقافية والترفيهية، والذي يصاحبه ضعف منظومة التنشئة، وكذا عدم الاستثمار في الموارد البشرية والبرامج المرتبطة بالتنمية المستدامة".

 وحسب عرعار، فإن الاعتماد على الحلول الأمنية والقضائية في معالجة الأزمات والمشاكل التي يعرفها المجتمع الجزائري أدى إلى "استفحال العنف والجريمة التي أصبحت وسيلة الشباب في فرض نفسه اجتماعيًا واقتصاديًا وحتى سياسيًا".

وبالنسبة لعرعار فهذا الوضع يعود بالأساس إلى عدم وجود رؤية مشتركة حقيقية لحل المشاكل تسهر الدولة على تنفيذها، وذلك لغياب الحوار والتنسيق الميداني وعدم إشراك جمعيات المجتمع المدني والإعلام وقطاع الاقتصاد والجامعة والكفاءات في معالجة مشاكل المجتمع، إضافة إلى التضييق على الحريات.

دون حماية

لكل مجتمع طرقه وأساليبه في التصدي للظواهر والسلوكات الدخيلة عليه، خاصة إن كانت عنيفة وتتعلق بمهاجمة قيمه، وظلت الجزائر لسنوات عصية على بعض الهجمات الخارجية بفضل طبيعة مجتمعها المحافظ وارتباطه بقيه ودينه الذي يرفض هذه الأشكال من السلوكيات.

غير أن هذا الوضع تغير في السنوات الأخيرة، ويقول عبد الرحمان عرعار لـ "الترا جزائر"، إن المجتمع الجزائري صار غير محمي تجاه السلوكيات الغريبة عنه، كونه صار غير منظم وغير مهيكل ولا يلعب أي دور مبني على تصور إستراتيجي، بما فيها استعمال التكنولوجيا والبحث العلمي، وهو ما يزيد من صعوبة الوضع، لأنه مجتمع يعتمد في هذه المعركة على الأساليب والطرق التقليدية التي تعتبر مهمة، لكنها غير كافية للتصدي لظواهر العنف والإجرام في العصر الحالي.

وبالرغم من أن المجتمع الجزائري يعتبر من المجتمعات المحافظة، ويعتنق أكثر من 99 بالمائة من الجزائريين الديانة الإسلامية، إلا أن أفعال الجريمة صارت تتصدر يوميات المحاكم في البلاد، وهو ما يرجعه الدكتور صالح شوشان إلى عدم مواكبة "الخطاب الديني في الجزائر والحركات الدعوية لمتطلبات وتغيرات الشباب، بالإضافة إلى أن انتشار الألعاب الالكترونية المعززة للعنف والجريمة ساهم في ذلك، لأن البناء النفسي والقيمي للشاب الجزائري أصبح هشا، وصار بإمكانه التخلي عنه في لحظة الإحباط".

عبد الرحمان عرعار: المجتمع الجزائري صار غير محمي تجاه السلوكيات الغريبة عنه

الأكيد أن حادثة اغتيال جمال بن سماعيل حتى وإن ارتبطت بتنفيذ مخطط منظمة إرهابية، مثلما كشفت تحقيقات الشرطة، كشفت عن التشوّهات التي يعاني منها بعض أفراد المجتمع الجزائري، حيث أصبح اليوم بحاجة إلى مزيد من العمل المشترك والتوحد ضد الظواهر الدخيلة غير السوية التي تستهدفهم وفي مقدمتها العنف والجريمة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

قضية جمال.. القبض على 36 مشتبهًا فيه واعترافات بارتكاب الجريمة

مثقفون يرفضون استعمال جريمة قتل جمال لنشر الكراهية