لم تكن الطقوس الدينية المظهر الوحيد لعيد الأضحى في الجزائر خلال فترة العهد التركي، وتسلط الأبحاث التاريخية ومذكرات وروايات قناصلة ورحالة غربيين الضوء على تلك الفترة وأجواء الاحتفالات والتقاليد التي لازالت سارية لغاية يومنا الحاضر مثل تزيين الكباش قبل نحرها.
من المعتقدات التي كانت سائدة في ذلك الوقت في الجزائر، أن أذنا كبش الأضحية ينبغي أن تكون طويلتان حتى تغطيان عينيه وإلا بطل النحر
ويذكر المؤرخ الاسباني دييغو دي هايدو الذي عاش بمدينة الجزائر بين 1578 و1581 أن "الاحتفال بعيد الأضحى لا يختلف عن طريقة الاحتفال بعيد الفطر، إلا فيما يتعلق بذبح الأضحية، و يوضح أن كل رب بيت ملزم بذبح خروف إن كان ذلك باستطاعته، أما الأغنياء فكانوا يضحّون بقدر عدد أفراد العائلة؛ أي يضحون على أنفسهم وزوجاتهم وأولادهم المتوفين منهم، وكانوا حريصين على ذبح خروف سمين، وكانت الناس صبيحة يوم العيد يتزينون باللباس الجديد ثم يذهبون للصلاة جميعًا من الصغير إلى الكبير في جوّ يسود فيه التهليل والتكبير والفرحة وتبادل التهاني ويقع التغافر والتآزر بين الأحبة".
ويخضع ذبح الاضحية على لطقوس خاصة فـ "عندما تكون الشمس في الأفق منذ ساعتين، تقام الصلاة في ساحة مغلقة خارج المدينة، حيث الجميع يجتمع الاعيان ومع الداي (الوالي العثماني)، ويكون قد تم تحضير الخراف في المنزل فيغسل أولًا وجه وكمامة الخروف بالماء والعطر مع البخور".
وذكر الرحالة الألماني وليام سبنسر، مؤلف كتاب"الجزائر في عهد رياس البحر" أن الاحتفال بـ "قربان بيرامي"، أي "عید المسلم الكبيـر للتضحية"، يتم بدءًا من إطلاق نيران البنادق بكثرة، عند بزوغ الفجر، ولما تقام صلاة العيد تفتح أبواب قصر الداي على مصراعيها للعامة ويقدم الكسكس المطبوخ لكل الحاضرين، ثم يستعد الداي لاستقبال تهاني وهدايا أعضاء حكومته وممثلي الحكومات الأجنبية المقيمين في مدينة الجزائر ثم يسير وجهاء المدينة وأجواقها وسكانها إلى جامع الحواتين، حيث يتم ذبح الأضحية تحت وقع طلقات البنادق وموسيقى الفرقة العسكرية".
وكان من عاداتهم أيضًا، حسب الرحالة الألماني، أنه لا يذبح الناس إلا بعد أن يفرغ الداي من ذبح أضحيته، وفي ذلك اتباع للسنة النبوية بعدم الذبح قبل أن يذبح الأمام وأنه "بعد أداء الحاكم للصلاة تذبح الأضحية ثم يرفع العلم على سطح القصر وعندها تطلق المدافع عدّة طلقات إعلانًا للسكان بأنه أصبح بإمكانهم ذبح أضحيتاهم".
معتقدات قديمة
ومن المعتقدات التي كانت سائدة في تلك المرحلة، الإيمان بأن أذن كبش الأضحية ينبغي أن تكون طويلة حتى تغطي عينيه وإلا بطل نحره، ثم إنه بعد نحره يدهنون جزرته (الذبيحة) بالزعفران ويتركونه لمدة ثلاثة أيام ثم يتصدقون بجزء منه على الفقراء والمساكين ويأكلون الباقي، كما يتركون جزءًا منه يستعملونه قديدًا بعد تجفيفه في الشمس ويعتبرون هذا شيئًا مقدسًا.
ومن التقاليد أيضًا أنه بعد ذبح الأضحية في وسط فناء البيت يقطع جزءًا منها للشواء مع العائلة ويوزع الباقي على الفقراء.
كما تضم الطقوس التئام كل المدرّسين مع شيوخهم وعلمائهم في المدينة بالجامع الكبير، ومنه يتشكّل موكب يجوب الشوارع يحمل كل منهم مشعلًا بيده مرددين مديحًا دينيًا، ويحمل اثنان منهم هرمًا على أكتافهم محلى بالأكاليل من الورد متبوعًا بزنار صوتي وموسيقى آلية تبعًا للنمط التركي، كما تُزيّن جميع البيوت الواقعة في زوايا الشوارع بقماش النجود وتشعل المصابيح، كما تشترك في هذا الاستعراض العديد من الفرق الخاصة بالإدارة الحاكمة، ويبدأ ذلك مع الساعة السابعة صباحًا حتى الحادية عشر نهارًا، وينتهي الاستعراض بمدح الرسول صلى الله عليه وسلم أمام أبواب الكبار من الحكومة وتبقى الأنوار مشتعلة حتى منتصف الليل في كل دار.
ومن العادات التي اشتهرت بها المدينة أن النساء يحتفظن بشيء من دم الأضحية ظنًا منهن أنه مقدس، وبعض المسلمين "من شدة إيمانهم" يطلون جباههم بدم الأضحية وإذا قيل لهم كيف وفي أي وقت قدس الله هذه الكباش، يجيبون أن الله أرسل لكل كبش ملكًا يقدسه أثناء نحره.
ألعاب بهلوانية
وكتب وليام شالر قنصل الولايات المتحدة الأميركية بالجزائر بين 1818- 1824 أن "عيد الفطر مثل عيد الأضحى مناسبة جليلة تعلنها طلقات المدافع المدوية، ويطلق المسلمون فيها العنان للفرح والسرور وفي هذه المناسبة تجري ألعاب شعبية وتصفف موائد الطعام في القصر وفي كل مكان".
وفي هذا السياق أورد المؤرخ الجزائري أبو القاسم سعد الله في الجزء الأول من كتاب تاريخ الجزائر الثقافي، أنه بعد الانتهاء من نحر العيد وطقوسه يتوجه الحاكم التركي وحاشيته والأعيان (الإقطاعيين) إلى ساحة الألعاب في باب الواد، لممارسة المصارعة اللعبة المفضلة عندهم.
وتقوم اللعبة أن يتقدم أشهر اللاعبين زوجين - زوجين في حوالي عشرة أزواج ويصعدون على الحلبة (المنصة) المعدة لذلك. ويجلس الباشا وأعوانه على زرابي حول الحلبة، ثم يشرع اللاعبون في مصارعتهم القائمة على خفة الحركة والمهارة في الغلبة وإظهار القوة، كل اثنين يأخذان فترة من الوقت وهكذا إلى أن ينتهي مجموع اللاعبين وبعد ذلك يمنح الباشا بعض النقود لكل واحد منهم .
وتمارس لعبة أخرى حسب سعد الله، وتسمى لعبة العصى ويشترك فيها الباشا (من ألقاب الولاة العثمانيين) أيضًا. فقد كان الفرسان (الصبايحية) يسيرون الواحد تلو الآخر ويرمون عصيهم التي تشبه الرماح على بعضهم البعض، والفائز هو الذي يصيب صاحبه، وفي نهايتها يركب الباشا أيضًا فرسه ويسير خلف أحد الفرسان ويحاول إصابته بعصاه، والفارس المحظوظ هو الذي يصيبه الباشا بعصاه، لأنه عندئذ ينزل عن فرسه ويتقدم من الباشا الذي يعطيه الدراهم، وهكذا.
وقد كانت هذه مناسبة رسمية وشعبية؛ فالعامة كانوا يكتفون بالتفرّج، أما الخاصة فقد كانوا يتراجعون إلى حيث نُصبت خيمة الباشا ويقضون بعد ظهر ذلك اليوم في الأكل والشراب واحتساء القهوة وهذا هو ما يشبه اليوم حفلة الاستقبال الرسمية .
أورد المؤرخ الجزائري أبو القاسم سعد الله في كتابه تاريخ الجزائر الثقافي، أنه بعد الانتهاء من نحر أضحية العيد يتوجه الحاكم التركي وحاشيته إلى ساحة الألعاب في باب الواد، للممارسة لعبة المصارعة.
ولم تكن الألعاب البهلوانية أو لعبة المصارعة خاصّة فقط بيوم عيد الأضحى؛ بل كانت تجري كل يوم جمعة -حسب سعد الله- غير أن الباشا لا يحضرها إلا في المناسبة الأولى. وكانت تجري يوم الجمعة بنفس الطريقة وفي نفس المكان أيضًا غير أن أشهر اللاعبين لا يلعبون إلا في عيد الأضحى.