14-يوليو-2019

المقاومة على الجدار العازل/ مدينة بيت لحم بالضفة الغربية (توماس كويكس/ أ.ب.ف)

بعد فوز المنتخب الفرنسي بكأس العالم سنة 1998، تقرّر خوض مباراة ودّية تجمع منتخب الديكة بالمنتخب الجزائري، على أن يكون السجال ذهابًا وإيابًا. التقى المنتخبان يوم 6 أكتوبر/تشرين الأوّل عام 2001 بحضور النجم الفرنسي ذو الأصول الجزائرية زين الدين زيدان على ملعب سان دونيه بباريس، كانت كل المعطيات توحي بمقابلة تاريخية، نظرًا للعمق التاريخي الموجود بين الجزائر وفرنسا، وما رافقه من علاقات اجتماعية واقتصادية وسياسية.

الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك أغضبته تصفيرات الجزائريين في مدرجات الملعب حين كان يُعزف نشيد "لا مارسياز"

كان ملعب سان دونيه مكتظًا بآلاف المناصرين الفرنسيين، خاصّة المنحدرين من أصول جزائرية، حيث كان لوقع تلك المباراة أهميّة كبيرة، دخل المنتخبان، وبدأ عزف النشيدين الرسميين، ولكن عند عزف نشيد "لا مارسياز" ارتفعت صافرات الاستهجان من الجمهور الجزائري، لتتّجه الأنظار نحو المقصورة الشرفية للملعب، أين ظهر جليًا غضب الرئيس الفرنسي آنذاك جاك شيراك، وهمَّ يقول "إنهم يصفّرون، عليّ أن أغادر"، لقد كانت تلك الصافرات تعبيرًا سياسيًا مباشرًا من الجزائريين  القاطنين في فرنسا، إنهم يوجّهون رسالة طالما انتظروا فرصة لذلك، مستغلين المستطيل الأخضر.

اقرأ/ي أيضًا: انفراج محتمل بين المغرب والجزائر.. هل تصلح كرة القدم ما أفسدته السياسة؟

شغف الساحرة

يستضيف معهد العالم العربي في باريس، إلى غاية 21 يوليو/تموز، معرضًا خاصًا حول كرة القدم وانعكاساتها اليومية على المجتمعات العربية، يحمل المعرض عنوان "كرة القدم في الوطن العربي، ثورة الساحرة المستديرة".

يزخر المعرض المفتوح للزوّار بصور فوتوغرافية متنوّعة عن أهمّ المحطات المؤثّرة  في تاريخ كرة القدم في المنطقة العربية، كما تروي مختلف الصور المعروضة  سحر الكرة المستديرة وانعكاساتها الاجتماعية والسياسية على المجتمعات العربية، وكيف استطاعت الشعوب العربية أن تصنع لنفسها مجدًا قاريًّا وعالميًا بواسطة الرياضة وكرة القدم خاصّة.

يكتشف الزائر أيضًا، من خلال صور وأشرطة فيديو بعض إنجازات المنتخبات العربية في المنافسات القارية والعالمية عبر صور كان صانعوها نجوم عرب، وصور أخرى تحمل ملامح مشجّعين تعلّقوا بالرياضة الأكثر شهرة في العالم، وجعلوا منها شغفًا وأسلوب حياة معًا.

رصاصة من نوع خاص

خصّص القائمون على المعرض 11 محطّة تاريخية، لسرد قصّة كرة القدم في الوطن العربي، وتأثيراتها الاجتماعية والسياسية، ومن بين أبرز المحطات، نجد محطّة فريق جبهة التحرير الوطني، الذي سيتمّ تكريمه على هامش المعرض، كأيقونة لدور كرة القدم في نضالات الشعوب المقهورة، والنجاح في جعلها وسيلة فريدة للمساهمة في مسار التحرّر بالتوازي مع الكفاح المسلّح، لقد تزيّنت أروقة المعرض بصور الفريق الذي تم تأسيسه في أفريل/ نيسان عام 1958، حين اختار رشيد مخلوفي ورفاقه التعريف بالقضية الجزائرية العادلة عن طريق لعب كرة القدم.

لقد كان هؤلاء شبابًا ولاعبين محترفين في أندية فرنسية مرموقة، لكنهم اختاروا أن يكونوا مجاهدين رياضيين وأن يطوفوا العالم لخوض مباريات باسم الجزائر وبحضور العلم الوطني، لقد ساهمت الثمانون مباراة التي لعبوها في أن تصل القضية الجزائرية للعالم، إنه التأثير السياسي المباشر لكرة القدم في صنع التاريخ.

سيتمّ خلال التظاهرة، عرض مقتطفات من الفيلم الوثائقي "ثوار كرة القدم" للمخرج جيل بيريز  والذي يخصّص فيه مشاهد لجبهة التحرير، وحوارات مع رشيد مخلوفي أحد نجوم الفريق التاريخي.

أم درمان..مباراة المشاريع السياسية

تاريخيًا، لم تكن كرة القدم مجرّد رياضة. على العكس من ذلك، فقد كان في مرّات كثيرة المحرّك الرئيسي للعديد من الثورات الثقافية والسياسية، وخاصّة في العالم العربي. إذ يردّد الشارع الجزائري اليوم، أهازيج الملاعب وأغاني مناصري أندية الكرة في المسيرات والمظاهرات، بل وجعلوا منها أناشيد رسمية للحراك الشعبي، فقبل هذه الثورة السلمية، كانت ملاعب الكرة هي الفضاء الوحيد الذي تمّ تحريره من رقابة السلطة.

 

تأهّلت الجزائر وأقصيت مصر، فاز بوتفليقة وانهزم مبارك، سقط مشروع توريث الحكم، وصعدت أسهم العهدة الثالثة

لطالما حاول النظام الجزائري أن يجعل من انتصارات المنتخب الوطني فرصة لإرضاء الشعب مع علمهم المسبق بالعشق الكبير الذي يكنّه الجزائريون لكرة القدم عامة، وللمنتخب الوطني خاصة، حيث تعود إلى الأذهان مباراة أم درمان التي وفّر فيها النظام الجزائري كل المجهودات لنقل آلاف المناصرين في جسر جوي نحو الخرطوم، حيث كان هؤلاء سندًا حقيقيًا لرفقاء عنتر يحيى الذين حقّقوا انتصارا باهرًا، بعد تلك المباراة، علّق أحدهم "تأهلت الجزائر وأقصيت مصر، فاز بوتفليقة وانهزم مبارك، سقط مشروع توريث الحكم، وصعدت أسهم العهدة الثالثة".

 

اقرأ/ي أيضًا:

الثلوج أذابت شحنة كرة القدم بين الجزائر وتونس

بسبب "صدام حسين".. انسحاب فريق عراقي من البطولة العربية لكرة القدم