05-ديسمبر-2021

(الصورة: Flickr)

كُنت أشرت في مقال سابق إلى أحد مُعوقات مسار الانتقال الديمقراطي التي تعيشه المنطقة العربية والمغاربية، وقد كَتبت عن "العصبية الإدارية"، ودورها السلبي في التحوّل من مجتمعات بيروقراطية ساكنة وجامدة إلى مجتمعات ديناميكية تخلق نمط سياسي تعايشي وتشاركي.

ترى تيارات من القطب الديمقراطي أن خيار المقاطعة كان موقفًا مُوفقًا، ويُعبر عن رغبة الأغلبية الشعبية

وارتباطًا بالموضوع، تُشكّل العملية الانتخابية وسيلة من بين الوسائل الأنظمة الديمقراطية، يتم من خلالها اختيار الممثلين والناخبين، يَتولُون إدارة حياة المواطنين، ويَعملون على توفير الرفاهية والحياة الكريمة للمواطن، لكن نتائج الانتخابات المحلية الأخيرة التي جرت بالجزائر، تَدفعنا إلى  طرح عديد من التساؤلات عن نسبة المشاركة، ونتائج الاستحقاقات التي أفرزت سيطرة أحزاب سياسية وشخصيات محلية، ارتبطت بعناوين الفشل في إدارة الشأن المحلي والتنموي، وعٌرفت خلال التسيير بالفساد الأخلاقي والمالي، ما الذي يدفع بعودة هؤلاء المسؤولين الفاشلين، وسط تراجع الكفاءة والنزاهة والاستقامة المواطناتية.

اقرأ/ي أيضًا: غباء الدولة وتفاهة السياسة

وسط حالة من الإحباط السياسي تتوجه أصابع الاتهام إلى التزوير ودور المال الفاسد في توجيه العملية الانتخابية، وسط ردود فعل عاطفية، يتم فيها إغفال وتجاهل الأسباب الرئيسية وراء عرقلة مسار التمثيل الشعبي والاختيار الحر، وتَمكين الإرادات الوطنية من تجاوز العقبات.

في السياق، تبقى جُل التحاليل والقراءات السياسية للعملية الانتخابية خاضعة إلى قناعات إيديولوجية، أو إلى استراتيجية القيادة الحزبية المُ المُسبقة، فعلى سبيل الذكر لا الحصر، وقف البعض يُعد نسب تَراجع التيار الإسلام السياسي، مُعلنا انتصارً وهميًا، دون الإشارة إلى عودة اخطبوط الفساد والمحسوبية والرداءة.

 بدروه ترى تيارات من القطب الديمقراطي أن خيار المقاطعة كان موقفًا مُوفقًا، ويُعبر عن رغبة الأغلبية الشعبية، في الحقيقة هو رأي يحاول تجاوز الصدمة السياسية والنفسية، وإقناع القاعدة النضالية أن الخيارات الحزبية الاستشرافية صائبة.

 لكن من الناحية العملياتية والنضالية ماذا كرّست تلك الأحزاب الديمقراطية واقعيًا وعمليًا في سيرورة التغيير والإصلاح؟ ماعدا الإنشاء والبيانات الحزبية، ماذا فَرضت من أجندة معاكسة تُمكن الأفراد والجماعات الوطنية من تحقيق نتائج إيجابية، والاتفاق على الحد الأدنى من القناعات السياسية المشتركة، ماذا أعاق الانفتاح والنقاش السياسي بين الأطراف من خارج سياج السلطة السياسية وأدواتها الإدارية والحزبية، لماذا لم تدعوا أحزاب التيّار الديمقراطي على التصويت على مترشحي جبهة القوى الاشتراكية، وهو الحزب المحسوب على المعارضة، لماذا لم يتم الاتفاق على دعم ومساندة  العناصر الشبابية ذوي التكوين الجامعي، دون تجربة نضالية، مٌسلحين بالإدارة في التغيير فقط، في مواجهة العصبيات المحلية الضيقة، والعروشية، والمقاولين  الفاسدين، وكل مكونات "لا دولة".

إن مصطلح "لا دولة" يعبر عن كل الكيانات والمكونات التي ترفض العملية الديمقراطية، والانتقال إلى نظام وطني شفاف، أين َيخضع الكل إلى القانون وتَعلو دولة المؤسسات والقانون أمام اللوبيات المحلية والمركزية، والفئات التي تَنشط في السوق الموازية، وأصحاب التهرب الضريبي، وتوظيف عمالة الأطفال ودون التأمين الاجتماعي، والمجرمين وأصحاب السوابق القضائية، والوسطاء والوصوليين والزبائنية، والتيارات الدينية المتشددة وكل العناصر التي تستثمر في الضبابية والظلامية.

إن عَطب الدمقراطية لا يَكمُن في ازدواجية المقاربة الصراعية المدنية والعسكرية بل في وجود بيئة اجتماعية تَتغذى وتَستفيد ماديًا ووجوديًا من حالة "لا دولة"

إن عَطب الدمقراطية لا يَكمُن في ازدواجية المقاربة الصراعية المدنية والعسكرية؛ بل في وجود بيئة اجتماعية تَتغذى وتَستفيد ماديًا ووجوديًا من حالة "لا دولة"، و قد تنمو وتتحول إلى قاعدة سياسية واجتماعية مستقرة، تدافع عن الشمولية المقننة، وتُعادي الانتقال إلى نَسق سياسي، يُساعد على بروز الكفاءة والشفافية والخضوع إلى منطق دولة المؤسسات والقانون.

 

اقرأ/ي أيضًا:

النضال من أجل "التفاهة"

"جدل الثقافة".. النقد في مواجهة أسئلة الكولونيالية وما بعدها