تتعالى الأصوات من داخل المقهى: "10. 25. 31. 78..."، ثم سكون يتبعه صراخ، ثم تتعالى التصفيقات والقهقهات، ليلتفت الجمع إلى شخص مهنئينه على الفوز بناصية مربحة.
تتحول كثير من المقاهي في ليالي رمضان إلى تجمعات لممارسة لعبة اللوطو إذ يتسابق الناس بعد الإفطار لحجز تذاكر رهاناتهم
هكذا هي الأجواء اليومية للمقاهي الجزائرية في ليالي رمضان، حيث تصير تجمعات لممارسة لعبة اليانصيب التي تعرف باسم "اللوطو"، يراهن فيها المئات ليكون من بينهم فائز واحد، وللحظ لعبته.
قواعد اللوطو: الحظ أولًا وأخيرًا
مباشرة بعد الإفطار يتسابق هواة اللوطو إلى المقاهي والأماكن المخصصة للعب لحجز تذكرتهم. يختارون تذاكرهم بعناية، فبحسبهم، هناك أرقام رابحة، والأرقام التي فازت بالأمس لن تكون حاملة للسعد اليومَ، فللعبة اللوطو قواعدها الخاصة وتكتيكاتها، رغم أن القاعدة الأبرز فيها أنها مرتبطة بالحظ لا أكثر.
هناك داخل المقاهي والمستودعات يقضي الشباب والكهول وحتى القصر، ساعات طويلة في غياب للبرامج الثقافية والترفيهية عدا في المدن الكبيرة، ليكون اللوطو هو البرنامج الوحيد المتوفر لأبناء الجزائر العميقة.
في مدينة بشلول بولاية البويرة جنوبي شرق العاصمة، اتخذ رفيق أحد المستودعات ليهيئه خصيصًا لشهر رمضان. يوفّر رفيق لزبائنه الحلويات الرمضانية كالزلابية وقلب اللوز، إضافة للقهوة والشاي والمشروبات الباردة. لكن السواد الأعظم ممن يقصدون محله، هم هواة لعبة اللوطو التي تنطلق كل يوم ساعة بعد الإفطار، داخل محل رفيق الذي لا يتجاوز الستة أمتار مربّعة.
يصطف الحاضرون فوق الكراسي وفوق ألواح خشبية، ومن تأخروا عن الموعد فيجلسون في مؤخرة القاعة على الصناديق الفارغة للمشروبات الغازية فيما يكمل الآخرون سهرتهم واقفين، وأعينهم لا تفارق كرتون اللوطو، ينتظرون الإعلان عن الرقم، مؤشرين عليه، ومنتظرين لحظة إعلان الكرتون الرابح، والذي قد يكون بين أيديهم.
في مقدمة القاعة، وفوق كرسي خشبي، يقف شخص يحمل كيسًا من القماش أو البلاستيك، ويبدأ في استخراج كرات صغيرة تحمل أرقامًا من الصفر إلى الـ90. يلتقط الحاضرون الرقم ليبحثوا عليه في تذكرتهم، ويؤشروا عليه بقلم أو بوضع حصاة فوقه، وصاحب الحظ السعيد هو أول من يتوصل إلى التأشير على 15 رقمًا في كرتونه.
آهات الخيبة وأصوات المباركات
وحين الإعلان على الأرقام يخيم على القاعة صمت رهيب لا يعلو فيه إلا صوت الشخص الذي يقرأ الأرقام، ولا يكسر الصمت إلا صوت شخص ما من داخل القاعة مرددًا "توقف، هي هنا، هي هنا"؛ إنه صاحب الحظ والتذكرة الرابحة، لتتعالى من بعده آهات الخيبة مع أصوات المباركات والتهنئة. وهكذا ينتهي الدور الأول ويمر الحاضرون لتجربة حظهم للمرة الثانية في ذات الليلة، وهكذا دواليك.
يتقدم الشخص الفائز إلى صاحب المحل ليسلمه تذكرته التي يتحقق منها الأخير، فيسلمه القيمة المالية التي تمثل عادة نصف المبلغ المجمّع من طرف المشاكرين، إذ يذهب النصف الآخر لصاحب المحل. ثم يتوجه الشخص الفائز ليسلم جزءًا يسيرًا من المبلغ للشخص القائم على قراءة الأرقام، ويحتفظ بباقي المبلغ الذي قد يفوق ثمن تذكرته عشر أضعاف أو يزيد.
قمار؟
ولأن دفع مبلغ لتكافئ بمبلغ أكبر منه، في لعبة يانصيب قائمة على الحظ، دفع بالبعض لاعتبار اللوطو شكلًا من أشكال القمار المحرّم في الدين الإسلامي، حيث تستدرج اللعبة المشاركين باستعمال الحلم والإثارة ليدفعوا مالًا بنية ربح مال أكبر، وهناك من يخسر مالًا كل ليلة لكنه يواظب على اللعب تحديًا لحظه التعيس، أو طمعًا في ربح ينسيه خساراته السابقة.
يقول عبد الرزاق، وهو أحد المواظبين على اللوطو في رمضان: "أنا ألعب بنية المرح فقط، لا ألعب طبعًا كل يوم، لكن أشارك فقط في أمسيات نهاية الأسبوع، وسبق لي الحصول على ثلاجة العام الماضي كمكافأة".
يعتبر البعض أن اللوطو شكلًا من أشكال القمار المحرم في الدين الإسلامي. ويتحول بالنسبة لكثيرين إلى إدمان قد يدفعهم للاقتراض للعب
ويضيف: "أعرف أرباب عائلات يقترضون من أجل اللعب طمعًا في الفوز. وهنا تكمن مساوئ هذه اللعبة وتحولها إلى قمار وإدمان ومجلبة للطمع". فيما ذهب البعض للقول بأن مثل هذه الممارسات إساءة لحرمة شهر رمضان الذي يعتبر في الأساس شهرًا للعبادات والأعمال الخيرية، ليتحول إلى شهر يرتبط بمقاهي القمار والتي تغلق مباشرة بعد نهايته.