20-فبراير-2024
محمد شرشال

محمد شرشال (الصورة: فيسبوك)

بجرأة كبيرة وصراحة يتحدث المخرج المسرحي والسيناريست الجزائري محمد شرشال في حوار مع "الترا جزائر" عن "جي بي أس" وتتويجه قبل 4 سنوات بالأردن، وحول ما يسميه قضية تهميشه في الساحة الفنّية وعن "تجاهل" مطالبه خاصة ما تعلق بوضعه السوسيو مهني، كما يكشف أسباب اضطراره للعمل كسائق سيارة أجرة ولماذا ترك وظيفته قبل  نحو 30 سنة؟.. نقاط كثيرة  ومثيرة سيتطرق إليها شرشال في هذا اللقاء.

شرشال: ما يزيد من ألمي ليس مهنة سائق أجرة، لأنّ أبي كان يمتهنها ويعيلنا، لكن مشكلتي أنني مرغم على ممارسة مهنة ليست مهنتي وأن أبتعد عن الفضاء الذي وجدت من أجله

"جي بي أس" أول عرض جزائري يتوج بجائزة أفضل عمل مسرحي عربي.. عد بنا إلى أجواء ذلك الفوز في 2020 بالأردن؟

كانت ذكرى رائعة، لا تمحى، لأنّها بالنسبة لي كان تحدّيا ونجحت فيه، الحكاية بدأت سنة 2017 عندما شاركت في دورة تونس للمسرح العربي بمسرحية "ما بقات هدرة" إنتاج مسرح سكيكدة، وهي أول مشاركة لي في هذا المهرجان، أتذكر في النهاية ترشحت مسرحيتي لجائزة القاسمي، والفائز كان صديقي المخرج المغربي محمد الحر، فقررت رفع التحدي وقلت سأنتزع يوما ما هذه الجائزة، حيث شاركت في 2020 بمسرحية "جي بي أس"، ضمن المنافسة، عرضت في آخر المهرجان، وكانت دهشة الإخوة الفنانين العرب، بمن فيهم لجنة التحكيم أنّ مسرحية "جي بي أس" الصامتة أي ولا كلمة طيلة 120 دقيقة، شدّتهم، فاحتفى بها العرب وانتزعت جائزة القاسمي عن جدارة واستحقاق، واعتبرت التتويج عودة المسرح الجزائري إلى المرتبة التي يستحقها.. هكذا كنت أرى.

هل هذه الجائزة شفعت لك وفتحت لك أبواب العمل أكثر في بلادك أم أن العكس حدث ولماذا؟

اليوم عمري 60 سنة، وبكل انجازاتي المسرحية وبكل التاريخ الذي أحمله، وأظن أنه مشرف وشرّف الراية الجزائرية في الداخل والخارج، وأنا "إطار في وزارة الثقافة دون منصب"، بمعنى كوّنتني وزارة الثقافة بمعهد برج الكيفان ودفعت تكاليف تكويني، أنا محسوب عليها، ولكن عندما أجد نفسي وأنا في هذا العمر بطّالا، ولا  يبحث أي مسرح جهوي عنّي، رغم كفاءتي العالية التي برهنتها في الميدان، فلست مديرا لأي مؤسسة مسرحية عبر الوطن ولا حتى مديرا فنّيا ولا أنتمي لأي لجنة فنية في المسارح.. إلخ،.. بمعنى مبعد تماما عن الحقل الثقافي، وكأنني معاقب.

لذلك أتحدث عن التهميش من هذا الجانب، وأتساءل أيعقل أن يكون كل هذا صدفة؟ مع العلم أنّ جل المستشارين والمديرين المركزيين والمفتشين العامين في الوزارة هم من أصدقائي وزملائي، 80 بالمائة من المؤسسات المسرحية في الجزائر يديرها زملائي وأصدقائي، وبالتالي كيف نسمّي هذا إن لم يكن تهميشا أو إبعادا؟.

ما السبب الحقيقي برأيك؟

 لا أملك جوابا صريحا عن السبب، أعيش الوضع وفقط، ربما أقول لك غيرة، ربما أحكام مسبقة، ربما يرون أنني متطلب.. أقول لهم لست "صعبا" في العمل ولكنني منضبط.

يعاب عليك انتقاداتك لمسؤولي الثقافة على منصات التواصل.. بماذا تردّ؟

انتقادي للوضع الثقافي عبارة عن حرية تعبير وحرية التعبير حق مكفول دستوريا، من حقي وأنا أنتمي لهذا القطاع أن أبدي رأيي في قضية معينة أو حتى أنتقد نشاط مسؤول دون تجريح أو شتم ودون تجاوز الحدود ودون الوصول إلى ما يعاقب عليه القانون.

البعض ينتقدك، يقول إنّ مزاجك المتقلب والانتقادات التي توجهها على منصات التواصل.. لم تخدمك بل أزّمت وضعك؟

ربما، لكن ماذا أفعل؟  هكذا هو مزاجي، وأنا هكذا، حاولت أن أتغير ولكنني لم أستطع، حاولت أن ألجم لساني، ولم أستطع، لا يمكنني أن أسكت، وأنا أرى أحب الفنون لدّي يداس ويهان، لم أسكت في صغري، فكيف وأنا على أبواب الشيخوخة.

هناك من يرى أن مزاجي متقلب، وهناك من يرى صراحتي "قباحة".. كل حسب موقعه يرى من تصرفاتي هذه أنني ربما طويل اللسان، ولكن ثق أنّ حبّي لهذا الفن هو الذي يجعلني أدافع عنه، أحبّ المسرح ولن أتوانى مهما كنت وفي مكان كنت عن قول الحقيقة في هذا الموضوع،  ولو كان ذلك على حسابي وعلى حساب حياتي ولن أعيش أكثر ممّا عشت.

وزيرة الثقافة الحالية فتحت ذراعيها للفنانين والمبدعين بشهادة العدي منهم.. هل اجتمعت بها وطلبت منها أنك تريد فرصة عمل؟ أو دعم إنتاج مسرحي لك؟، أم لم يحدث ذلك؟

لا أنكر النية الصادقة لوزيرة الثقافة الحالية، وشخصيا وقفت معي في بدايات عهدتها، وقفت مع "جي بي أس" عندما كانت ستعرض في ألمانيا، لولا تأخر التأشيرات، كنا سننطلق نحو ألمانيا، ولا أنكر أنّها ساعدتنا في الذهاب إلى بغداد في مهرجانها الدولي للمسرح والمشاركة باسم الجزائر، حيث رشحت الجزائر في هذا المهرجان لجائزتين، جائزة أحسن أداء جماعي والجائزة الكبرى،.. لكن بعد ذلك راسلت الوزيرة لكي أشرح لها وضعي السوسيومهني وأضعها في صورة صعوبة إنجاز عملي الجديد بالمسارح،.. لا أفهم لحد الآن ولا أٌحمّلها هذا الأمر، بينما أتساءل ما سبب رفضها مقابلتي؟، في الوقت الذي تستقبل الجميع،؟ أتساءل لماذا يغلق الباب في وجه محمد شرشال؟ سؤال لم أفهمه.

ولا أخفي جمعتني لقاءات قصيرة بالوزيرة في بعض المناسبات مثل يوم الفنان، ولم الوضع يسمح بأن أفاتحها في الموضوع، فالجو عام والكل يريد التحدث معها، غير أنني أظن أنّها ليست على علم بما وصلت إليه قضيتي، سواء قضية تنصيبي مستشارا بالمسرح الوطني بحسب ما وعدني به مديره أو قضية مشروعي الجديد في الإنتاج وقضيتي مع مسرح تيزي وزو، ومع هذا مازلت أنتظر منها أن تتكرم باستقبالي ولو لـ20 دقيقة، لكي أضعها في صورة ما يحدث لي.

قررت العمل كسائق سيارة أجرة.. كيف ذلك؟

قررت العمل كسائق في شركة خاصة (عبر تطبيق هاتف)، لمّا تأزّم الوضع، أنا ربّ أسرة، لدّي التزامات، وفواتير ودواء، وتأمين أسدده، وديون، خاصة وأنني كنت أشتغل في المسرح بين الفينة والأخرى، بحيث آخر عمل لي كان "جي بي أس" وحصلت مقابله على 700 ألف دج، لكن بعدها لم أعمل إلى اليوم، ووجدت نفسي ملزم بالتحرك والعمل كسائق.

منذ متى بدأت العمل سائق "طاكسي"؟

 بدأته منذ 4 أشهر، وهي مهنة شريفة وأفتخر بها، ما يزيد من ألمي ليس لأنّها مهنة سائق أجرة، لأنّ أبي كان يمتهنها ويعيلنا، لكن مشكلتي أنني مرغم على ممارسة مهنة ليست مهنتي وأن أبتعد عن الفضاء الذي وجدت من أجله، ودفعت حياتي ثمنا له، وربما لا يعلم الكثيرون أنّني تخلّيت عن الوظيفة من أجل المسرح، وكان ذلك أواخر الثمانينيات إلى غاية منتصف التسعينيات، لإيماني أكثر بالمسرح، والفن، فتركت الوظيفة من أجلهما، وكنت أقول إنّ الفن هو من ينقذني، ولكن وجدت أن نجاحي فيه معنويا، ندمت، ولو طلب الشباب نصيحتي لما نصحتهم بممارسة الفن.

هل ستتوقف عن ممارسة هذه المهنة أم تستمر؟

أتوقف، عندما أعود إلى وضعي الطبيعي، إلى الإبداع، إلى المسرح، إلى الفن الذي أحب، أكيد سأتوقف عن ممارسة هذا العمل، وسأريح سيارتي.

كيف استقبل الفنانون قرارك بالعمل سائق سيارة أجرة؟ وما مدى حالة تضامنهم معك؟

 الأصدقاء الحقيقيون لا أشك في تضامنهم وتعاطفهم وهم كثيرون وحتى إن كان بعضهم صامتا، أتفهم صمتهم، لا أشك في أنهم يعرفون محمد شرشال، ولا يحبون أن أكون في هذا الوضع، لأنّهم لا يحبون أن يكونوا في وضعي، بالمقابل فنانون قلّة، يشمتون، وهذا من طبعهم، بإمكاني إخفاء الموضوع والسكوت عنه، لكن أتحدث لكي أجنّب آخرين مصيري.

هل لديك مشاريع أعمال جاهزة تنتظر العرض في التلفزيون والمسرح؟

أنهيت كتابة مسلسل عنوانه "أنا ربّيت" دخل رتوشاته الأخيرة، وسأقترحه على المنتجين، ابتداء من نهاية رمضان هذه السنة، وبالنسبة للمسرح، ثلاثية "ميتا شو" جاهزة للإنجاز، وسأشرع في متى توفرت الظروف المكانية والزمانية والمادية.

تتمنى لقاء الوزيرة، لكنّك كتبت على فايسبوك أنّ "أزمتك" نحو الانفراج.. ما الجديد حولها؟

بحسب آخر المستجدات، هناك استجابة سريعة من وزيرة الثقافة صورية مولوجي، حول قضيتي التي يبدو أنّها ستتجه للانفراج، وهنا أشكر كل من ساندني من أصدقاء وأساتذة وصحافيين، غمروني بمحبتهم وإيمانهم برسالتي الفنية.