15-سبتمبر-2021

(الصورة: المسار العرب)

بعدما أمضيا أطوار تعلميهما في المدرسة العمومية، لم يتردّد عبد المالك في تسجيل ابنيه في مدرسة خاصّة قبيل الدخول المدرسي الجديد، بسبب أنّه لاحظ تراجعًا في مستواهما الدراسي، وهما كل من لطفي الذي يلتحق بالسنة الخامسة ومنال في القسم الثاني ابتدائي.

يجمع أرباب الأسر المنتمية إلى الطبقة المتوسطة على ارتفاع الأسعار التي تفرضها المدارس الخاصة كل سنة

عبد المالك الذي في قطاع التأمينات، وتعمل زوجته في القطاع المصرفي الخاص، يؤكد أن التحصيل المدرسي تراجع بشكلٍ كبير لدى أبنائه، مرجعًا السبب إلى أزمة كورونا التي انعكست على الحجم الساعي للدروس المقرّرة، ما أثر في نفسية التلاميذ، على حدّ قوله.

هنا، يضيف محدث "الترا جزائر"، أن نظام التدريس الجديد كلّفهم أعباء مالية إضافية، فقد اضطر إلى تكليف روضة أطفال تقع إلى جانب المدرسة، قصد التكفل بإطعام ابنيه والإبقاء عليهما في الروضة إلى غاية نهاية دوامه هو وزوجته، قبل أن يعرج لاصطحابهما.

ارتفاع الأسعار

شهدت المؤسسات التعلمية التابعة للقطاع الخاص زيادة معتبرة في الأسعار، حيث تراوحت كلفة التمدرس للتلميذ الواحد ما بين 15000 دج و25000 دج شهريًا كحد أقصى، إضافة إلى تكاليف التسجيل والتأمين الذي تدفع قبيل الدخول المدرسي.

يجمع أرباب الأسر المنتمية إلى الطبقة المتوسطة على ارتفاع الأسعار التي تفرضها المدارس الخاصة كل سنة، في ظلّ تراجع القدرة الشرائية للمواطنين، وانخفاض قيمة الدينار الجزائري.

في هذا السياق أكدت السيدة آمال، مديرة مدرسة خاصة واقعة بحي باش جراح بالعاصمة، أنها حرصت على رفع من تكلفة التمدرس نظرًا لارتفاع الوجبات الغذائية وزيادة أجور الأساتذة، مضيفة أنّ ذلك تم مع مراعاة القدرة الشرائية للعائلات، "فأغلب أسر التلاميذ من الفئات المتوسطة حظيت بزيادات رمزية".

تشير المتحدّثة، إلى أن تكاليف الكراء والصيانة وسلم الأجور تزاد سنويًا، إلا أنها تحرص أن تكون الأسعار معقولة، وتضع تسهيلات في طريقة الدفع بالتقسيط شهريًا ولا تفرض الدفع السنوي، موضّحة "أن مستوى التعليم يستوجب توظيف أساتذة ذوي خبرات وليس من الأساتذة المتقاعدين".

وتحرص محدثة "الترا جزائر"، على احترام دفتر الشروط والتزامها بعددٍ محدود من الأقسام وعلى نوعية الإطعام المدرسي، مؤكدة أن كلفة التمدرس تتجاوز سعر 15000 دج لو يتم التفكير بمنطق الربح والخسارة.

تستدرك السيّدة آمال، أن الأسعار المُعتمدة في مدرستها تتماشى مع القدرة الشرائية لفئة عريضة من أولياء التلاميذ والمنتسبة إلى الفئات متوسطة الدخل، على حدّ قولها.

استقطاب العائلات المتوسطة

في سياق الموضوع، تقول أسماء زجار، أستاذة ومختصة في البيداغوجيا، إن الخوصصة سيطرت على كافة القطاعات وصولًا إلى التعليم، حيث عرفت الجزائر نظام المدارس الخاص بداية من سنة 2004، على حدّ تعبيرها.

تؤكّد زجار في حديث إلى "التر جزائر، أن المدارس الخاصّة كانت حكرًا على أبناء الطبقات الميسورة في السابق، غير أنّه "بداية من العشرية الماضية ما لبثثت أن أصبحت المدراس الخاصة تستقطب الطبقات المتوسطة وتنافس المؤسسات التربوية الحكومية".

أما بخصوص الدوافع التي شجعت العائلات المتوسطة للتوجّه إلى المؤسسات التعليمية الخاصة، أفادت محدثنا أن المؤسسات الحكومية لم تعتمد تغييرات جادة في المحيط التربوي ولا تجديد في الوسائل والتأطير، مردفة أن القطاع التعليم الحكومي شَهد نزيفًا حادًا في إطاراته مستفيدًا من التقاعد النسبي نظرًا للظروف المزرية للعمل والاختلالات في شق الانضباط والصرامة، على حدّ قولها.

"المدارس الخاصة منحت مستخدميها كافة الامتيازات والظروف الجيدة للعمل مع فرض الصرامة في التعامل مع المتعلمين، في مقابل ذلك ما يزال التعليم الحكومي يعتمد على التلقين والأنماط التقليدية في التعليم رغم التغييرات المتتالية في مناهج والبرامج"، تقول أسماء زجار.

هنا، تسجّل المختصّة في البيداغوجيا، جملة من السلبيات في القطاع التعليمي الخاص، متمثلة في تراجع نتائج البكالوريا نسبيًا، "وقد يعود سبب ذلك إلى تضخيم معدّلات تلاميذ دون المستوى".

فوضى مقنّنة؟

رغم أنّ العشرية الأخيرة شهدت نمو المدارس الخاصة، وتزايد أعداد الأسر التي تفضّل التحاق أبنائها بقطاع التعليم الخاص في كامل الأطوار التعلمية، من الابتدائي إلى الثانوي مرورًا بالمتوسط، إلا أنّه اختلافات كثيرة من ناحية التكلفة، بين المدراس المخصّصة للعائلات الميسورة والغنية والمؤسّسات التي يلجأ إليها الأولياء ذوي الدخل المتوسط وتباين بين مستويات التعليم واختلاف البرامج.

يرى مهتمون بالشأن التربوي أن تعدد وتنوع المؤسّسات الخاصة من شأنه إحداث فوارق في مستوى التدريس

تعود هذه الاختلالات في أحايين كثيرة، بحسب متابعين، إلى تباين في الهياكل والبرامج ومستويات التكفّل بالتلاميذ، غير أن هذا التباين قد يشكل خطرًا على المنظومة التعلمية في الجزائر مستقبلًا، إذ يرى مهتمون بالشأن التربوي أن تعدد وتنوع المؤسّسات الخاصة من شأنه إحداث فوارق في مستوى التدريس في الأطوار الأولى، وبالتالي على الدولة مراقبة نوعية وجودة التعليم على مستوى المدارس العمومية، وتوفير كامل الشروط البيداغوجية والتربوية من أجل تحصيل مدرسي متقارب في البلاد.