16-يوليو-2022
شاطئ سيدي فرج بالجزائر العاصمة (الصورة: فايز نور الدين)

يتميّز الصّيف الجزائري بـ "الڨصرة" في اللّيل. أي السّمر. وهي من تقصير الوقت بالحديث والمؤانسة. ومنه المثل الشّعبيّ القائل: "الصّيف بلا قصرة كِالكانون بلا جمرة". إنّها ظاهرة اجتماعيّة تمخّضت عنها تعابيرُ فنّيّة كثيرة، مثل البوقالة والأحجية والحكاية والألغاز الشّعبيّة. 

لماذا لا يبادر فنّانو الشّارع ويستصدرون تراخيص لممارسة نشاطاتهم  في السّاحات العمومية في مساءات وليالي الصّيف؟

لا تخلو مدينة جزائريّة، اليوم، ساحليةً كانت أم داخليةً، خاصةً عواصم الولايات، من مكان مفتوح تواطأت العائلات عفويًّا على اتّخاذه فضاءً لسهراتها اللّيليّة. تأكل. تشرب. تتبرّد وتتحاكى. فالحاجة الشّعبيّة إلى أمر ما تدفع النّاس عفويًّا إلى ابتكار ما يقضيها، من ذلك ظهور أسواق خاصّة بالشّباب البطّالين، في أماكن معيّنة، يبيعون فيها الهواتف المستعملة أو العصافير.

أين المانع من مواكبة معطى سهر الأسر الجزائريّة ليلًا في أحد الفضاءات المفتوحة ثقافيًّا؟ من خلال إقامة سهرات فنّيّة. حكواتيّة. فكاهيّة. شعريّة شعبيّة. ترفيهيّة للأطفال. مسرح شارع، سينما الحائط؛ خاصةً من طرف دور الثّقافة والفنون؟

إنّ تعامل دار الثّقافة مع نفسها على أساس كونها جدرانًا، فلا تنشط خارجها، تصوّر بائس بات بلا جدوى في علاقة الأفعال الثّقافيّة بمحيطها. وإنّ بقاءها مغلقةً في الوقت الذّي تتزاحم فيه السّاحات المفتوحة بالأسر مؤشّر إذا لم يحملها على التّأقلم والانفتاح، فما أولاها بأن تبقى مغلقةً على مدار العام!! 

إنّها بهذا السّلوك اللّاثقافيّ واللّااجتماعيّ تفقد مبرّر وجودها؛ وتؤكّد كونها مجرّدَ إدارةٍ لامتصاص البطالة وإنهاك الخزينة العامّة، لا مؤسّسة ذات تفكير وتدبير وتخطيط ومواكبة في المجال الثّقافيّ.

لماذا لا تؤطّر مديريّات الثّقافة والفنون، خلال ليالي الصّيف، إن لم يكن يوميًّا ففي نهايات الأسابيع على الأقلّ، برنامجًا تشرف عليه الجمعيات والنّوادي الثّقافيّة المعتمدة؛ مستغلّةً وجود جمهور جاهز ومهيَّئ ومتعطّش، فلا تحتاج أصلًا إلى أن تُشهِر لنشاطاتها؟ 

لماذا لا يبادر فنّانو الشّارع باستصدار تراخيص من البلديّات؛ ويقتحمون هذه السّاحات في مساءات وليالي الصّيف، علمًا أنّ الخطوة تدرّ عليهم مصروفًا؛ فقد كان فنّان شعار فنّان الشّارع الجزائريّ: "دور وخلّي القبّعة تدور"؟

نفس هؤلاء الفنّانين الكسلاء أو المتهيّبين أو السّلبيّين يمضغون الشّكوى يوميًّا في مواقع التّواصل الاجتماعيّ من أوضاعهم الماليّة المتعبة؟

إنّنا بصدد منظومة ثقافيّة جزائريّة حكوميّة ومستقلّة، فلا فرق بين الطّرفين في كثير من الأمراض والاختلالات، باتت تعاني نوعًا مخيفًا ومزعجًا من التّرهّل والجمود وعقليّة "راقدة وتمونجي". أي تأكل نائمةً؛ وعلى بقايا الضّمائر الحيّة في الوصاية والمجتمع الثّقافيّ المدنيّ أن تعالجه سريعًا بما يجب من تشخيصٍ وبرامجَ وتعليمات. فالإبقاء على الوضع نفسِه بالأمراض نفسِها سيفاقم من جرعات اليأس والاستقالة المعنويّة وإهدار المال العامّ، من غير أثر عامّ. 

علنا أن نعترف بأننا نعاني من عزوف المثقّفين والمؤسّسات الثّقافيّة عن الجمهور لا العكس

علينا أن نكون صرحاءَ، فنعترف بأنّنا نعاني من عزوف المثقّفين والمؤسّسات الثّقافيّة عن الجمهور لا العكس. وما عبارة "عزوف الجمهور" التّي بات يردّدها قطاع واسع من المنتمين إلى المنظومة الثّقافيّة إلّا مشجب يعلّقون عليه فشلهم وتقصيراتهم في مواكبة تحوّلات وفرص التّلقّي.