08-يوليو-2019

نابليون ناني/ إيطاليا

كثيرًا ما نتحدّث عن إهمالات وزارة الثقافة الجزائريّة في الاحتفاء بالوجوه المبدعة، التّي تفتكّ جوائزَ مهمّة خارج الجزائر، فهي تذهب يتيمة وتعود يتيمة، من غير أيّ التفاتٍ إليها من طرف هذه الوزارة المكلّفة بهذا أصلًا ومن مؤسّساتها التابعة لها، بغضّ النّظر عن الوجه الوزاريّ الذي يتولّى الحقيبة، حتّى أن المهرجان الدولي لأدب الشّباب، مثلًا، كان يستبعد أوّل ما يستبعد قطاعًا واسعًا من هذه الوجوه الشابّة المتوّجة بالذّات. بالمناسبة: لماذا اختفى هذا المهرجان، عوضًا عن إعادة تأهليه؟

بعض المنابر الإعلامية لا تتفاعل مع  تتويج كتابنا في المهرجانات العربية حتّى من باب حقّ المواطن في المعلومة

في المقابل، لا نتحدّث عن إهمالات الإعلام الجزائري الحكومي منه والمستقلّ في هذا الإطار، وعن تعامله البارد مع الفتوحات الثقافيّة والفنّيّة والأدبيّة، التّي يحقّقها مثقّفون وفنّانون وكتّاب جزائريّون في الخارج. وأنا هنا أتحدّث انطلاقًا من معرفة حقيقيّة بواقع صارخ، بغضِّ النّظر عن النّوايا التّي تقف وراءه.

اقرأ/ي أيضًا: "الثقافة في الفضائيات الجزائرية.. "وجبة بايتة

لقد تابعتُ مثلًا كيف تعامل إعلام الدّول العربيّة، التي ترشّح منها وجه أو جهان أو عدّة وجوه للمسابقات الكبرى، مثل "أمير الشّعراء" أو "منشد الشّارقة" أو "عرب آيدل" أو "جائزة البوكر للرواية" أو جائزة "كاتارا" بكلّ فروعها، وقارنته بتعامل إعلامنا مع وجوهنا، التّي ترشّحت لهذه المسابقات، فوجدت أنّ الفرق بينهما يشبه تمامًا الفرق بين عريس يتيم وآخرَ لا زال أبواه على قيد الحياة له والفرح به.

بل إنّ بعض منابرنا الإعلاميّة لم تتفاعل مع الأمر، حتّى من باب حقّ المواطن في المعلومة. كأن تكتب أو تبثّ أنّ فلانًا فاز أو هو مؤهّل للفوز. والحديث قياس على من يفوز بجائزة وطنيّة، في جنس من أجناس الإبداع. إذ ثمّة من يقضي العام محاورًا للأقلام والأصوات والوجوه الرّديئة والمحدودة والمغشوشة والسّطحيّة، حتّى إذا توّج قلم أو صوت أو وجه مبدع، تصرّف كأنّه لا يعلم.

في أسبوع واحد فقط، خلال الشّهر الجاري، افتكّ كاتب شابّ هو عبد الهادي دحدوح من تمنراست جائزتين وطنيتين وازنتين هما "جائزة امحمّد بن قطّاف للكتابة المسرحيّة" و"جائزة محمّد ولد الشّيخ لنصوص الصّحراء"، فهل حظي بما هو جدير به من الضّوء؟ كم من صحفيّ ثقافيّ شعر بالمسؤولية المهنيّة والأخلاقيّة والإبداعيّة، فقام بواجبه تجاهه؟ هل يجوز لهؤلاء أن يعلنوا سعادتهم بعيد الاستقلال والشّباب وهم يعتّمون على الشباب المبدع بقصد أو بغير قصد؟

التقيت زميلًا صحفيًّا يرأس القسم الثقافيّ لإحدى الجرائد الوطنيّة، فقلت له: لماذا لم ترفد إعلاميًّا فلانًا في المسابقة الفلانيّة؟ قال لي: لا أحبّه. قلت: إنّني لا أتحدّث عن صفحتك الشّخصية في فيسبوك. والتّي أنت حرّ في أن تسانده أو لا تسانده فيها. إنّني أتحدّث عن جريدة وطنيّة هي في الأصل ملك للقرّاء، ومن التعسّف أن تستغلّ نفوذك فيها لتحكّم عواطفك أو مصالحك الشّخصيّة في تعاملك مع الفاعلين في المشهد الثقافي.

فعلًا.. لا تخاف السّلطة المريضة، من إعلام لا يراجع أمراضه

إنّ الاحترافيّة التّي تصرّ دائمًا على أن تقرنها باسمك وقلمك ليست كلامًا تقوله، بل هي تفكير تفكّره وسلوك تسلكه، وما اقترفته من إقصاء في حق هذا المترشّح بسبب عاطفة شخصيّة هو احترافيّة ولكن في العهر الإعلاميّ. فعلًا.. لا تخاف السّلطة المريضة، من إعلام لا يراجع أمراضه.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

"جدل الثقافة".. النقد في مواجهة أسئلة الكولونيالية وما بعدها

المؤسسات الثقافية في الجزائر كأداة لخدمة النظام