14-يونيو-2021

الانتخابات التشريعية جاءت في ظرف سياسي متوتر (تصوير: بلال بن سالم/Getty)

 

يُطِلّ علينا رئيس جمهورية مباشرة، وهو يُدلي بصوته في الانتخابات تشريعية، يتعاطى مع الصحافيين، ويبدي رأيه مجيبًا على أسئلة الصحافة، إذ كانت لغة الاتصال السائدة في وقت مضى، وخصوصًا في الانتخابات السابقة مغيّبة تمامًا على مدار سنوات طويلة، ظلّ فيها الرئيس السّابق عبد العزيز بوتفليقة، ينظر للإعلام على أنه وسيلة تحريك أحجار الدومينو متى أراد ذلك ووقت ما تنسى له ذلك، إذ تجاهل كثيرًا المنظومة الإعلامية، ووصفها بأوصاف كثير منها ما يبقى عالقًا في الذاكرة الإعلامية للصحافيين في تلك الفترة، عندما كان يتحدّث وبكامل قوّته، وكان يرفض من يُعارِضه، ولو بينه وبين نفسه.

ظلّ الرئيس السّابق عبد العزيز بوتفليقة ينظر للإعلام على أنه وسيلة تحريك أحجار الدومينو

المشهد الأول

هذا المشهد، يشدّ الانتباه، إذ يتعلق بأعلى منصب في الدولة الجزائرية، وبالقاضي الأوّل للبلاد، حيث أكّد أنه أدّى واجبه الانتخابي كمواطن جزائري، وأدى واجبه وحقه اتجاه بلده، غير أنه في المقابل من ذلك، تمّكن من تمرير رسائل أولاها للجزائريين، وثانيها للمقاطعين، وثالثها للسلطة الوطنية للانتخابات، ورابعها وجّه صورة الجزائر "الجديدة" للخارج، خاصّة عندما قال في ردوده الصحفية: "حتَّى الدول الديمقراطية ونسبة المشاركة فيها كثيرًا ما تكون ضعيفة في التشريعيات".

اقرأ/ي أيضًا: صور لمترشّحين تثير السّخريّة.. سلطة الرّداء؟

هذه المرحلة التي ميزتها إجراء انتخابات تشريعية، التاسعة من نوعها في الجزائر المستقلة، والثانية من نوعها في فترة حكم الرئيس عبد المجيد تبون، لن تمرّ مرورًا عاديًا، إذ مهّد الأخير الطريق بقرارات تفتح شهية ممارسة السياسة لفئة الشباب، إن على المستوى التنظيمي، كانت سريعة، وفرصة لمن أراد خوض المغامرة البرلمانية، ودفعهم بمغريات العملية السياسية للترشح، وإبعاد المال الفاسد عن المسار برمّته، كما أعطى الجزائريين "أمل التّغيير"، وأن النزاهة هي الفيصل.

 لم يمرّ تصريح الرئيس تبون مرور الكرام، فالرئيس تحدث على الساعة الحادية عشر صباحًا من عمر اليوم الانتخابي، أي في الفترة الصباحية التي تعرف دوما في مختلف الانتخابات أن توجّه الجزائريين نحو الانتخابات يكون بصفة متذبذبة، وأيضًا هي الفترة التي يمكن فيها التأثير على المتلقي، الجمهور أو الناخب بصفة خاصة، واستمالته عاطفيًا، من رئيس الدولة الذي أجاب عن عدة أسئلة تتعلق بالمقاطعين، ووجه عدّة رسائل.

هي لفتة بوجهين: سياسي وإعلامي؛ أراد من ورائها الرئيس تبون أن يتحدث عن الانتخابات التشريعية كثاني انتخابات ينظمّها ضمن مشروعه السياسي منذ اعتلائه سدة الحكم، إذ ذهب يبرر نسبة المشاركة التي توقعها ضمنيًا بأن تكون ضعيفة نسبيًا، مع ما هو المأمول في انتخابات الغرفة السفلى للبرلمان، في المقابل من ذلك صرح أن النسبة لا تهمه بالقدر ما يهمّه نزاهة الصندوق، أو بالأحرى ضمان مشروعية الانتخابات، حسب ما تفرزه من أصوات معبرة عن اختيار الشعب لممثليهم في المجلس الشعبي الوطني.

سياسيًا، رسالة الرئيس تبون، موجّهة للناخبين وللمترشحين، ففيما يتعلق بالانتخابات ونسبها أي مدى أهمية نسب المشاركة، لا يُوازي مدى نزاهة الانتخاب في حدّ ذاته، لكن في الواقع نحن أمام ثلاث مستويات من قطيعة مع الانتخابات كأداة فاعلة في التغيير السياسي، وذلك عبر احتساب المقاطعين كموقف سياسي في المستوى الأوّل، ونسبة العازفين عن التصويت في علاقة مع حالة الناخبين السيكولوجية وانفصالهم عن الانتخاب في المستوى الثاني، وهناك أيضًا فئة الناخبين الذين صوتوا بورقة بيضاء في المستوى الثالث باعتبارهم أصوات غير مُعبّر عنها وتُصنَّف في خانة الأوراق الملغاة.

ومن خلال هذا المعطى المهم، يُمكن تبيان أن نسبة المشاركة لها عدّة قراءات، خاصّة عندما لا يُهمِل الفاعل السياسي التعاطي معها، واحتساب عدد الملايين من الجزائريين الذي لم يختاروا نوابهم، وهو أمرٌ لا يمكن للمؤسّسة السياسية أن تغفله، خاصة وأنها تبحث عن المشروعية، في خضم شرعية النتائج.

كلّ ما سبق بدا من حيث الشّكل مقبولًا، غير أن النتائج غير النهائية، التي تعلن عنها مندوبيات السلطة الوطنية للانتخابات عبر الولايات، وكذا ما تعلنه الأحزاب، والأحرار من أرقام، تشير إلى إعادة انتاج وجوه منظومة سياسية كانت هي الحاضنة الأساسية لفترة الرئيس بوتفليقة، ما يطرح الكثير من التساؤلات، تتعلق بالشق الانتخابي والشق السياسي والشق التنظيمي أيضًا.

المشهد الثاني

في الظّاهر، كل ما جرى قبل الثاني عشر حزيران/جوان، الماضي، من مشاهد الحملة الانتخابية، كانت عبارة عن تسبيق لمفاجآت كبرى، رغم أن البعض كانوا يرون في الانتخابات كمحطة من محطات تركيز المؤسسة التشريعية، لن توفيها الحملة الانتخابية حقّها، خاصة وأنها انتخابات مسبقة بعد حلّ الغرفة الثانية للبرلمان الجزائري، بل هي محكومة بعدة معايير أهمها كيانات سياسية تجذرت في قلب الولايات، ولديها أدواتها في استمالة الناخبين، واللعب على وتر العشائرية والقرب الجغرافي، والقرابة أيضًا، وبذلك التصويت سيكون لفائدة حزب على حساب آخر، ولشخص على حساب أشخاص.

تصريحات الأحزاب والمرشّحين في القوائم الحرة، وأمل الكثيرين في عرض برامجهم خاصة في الفضاء الافتراضي عبر منصات التواصل الاجتماعي، خلال أيام الحملة، لم تكن كافية لاستمالة المواطن الجزائري، بل هناك من لم يستوعب حتى تلك البرامج المعروضة، وأضحت الحملة باهتة، ومملوءة بالـ "الوهم السياسي"، خاصة وأن الكثيرين خاضوا المنافسة الانتخابية من بوابة التجربة الأولى في معركة لا تحسِمها الحملة والقدرات فقط، بالقدر ما تحسمها الكثير من البوابات التي تؤدي إلى الصندوق، إذ يحمل الأخير الكثير من المفاجآت.

المشهد الثالث

لا يمكننا أن نطوي صفحة التشريعيات، لأنها أوّل انتخابات تجري بقانون انتخابي جديد، وبطريقة جديدة في العملية الانتخابية، عبر نمط انتخابي جديد، بالاقتراع النسبي على القائمة المفتوحة.

لا يمكننا أن نطوي صفحة التشريعيات لأنها أوّل انتخابات تجري بقانون انتخابي جديد

كما أن عملية فرز الأصوات باتت جدّ صعبة بالنظر إلى حداثة العملية، وتأثير نتائجها سيكون على أساس أن الأغلبية هي من تشكّل الحكومة، لذا فغليان المشهد السياسي سيبقى الطاغي في الساحة السياسية، إلى غاية تشكيل الطاقم الحكومي الجديد، وبذلك يبقى المشهد مُتحرّكًِا إلى غاية إجراء الانتخابات المحلية والولائية، وهو ما يعني أننا أمام سنة يهيمن عليها الحراك السياسي الانتخابي بفعل الاستحقاقات التشريعية ثم البلدية المرتقبة قبل نهاية العام الحالي.

 

اقرأ/ي أيضًا:

حنون بعد "الحركة التصحيحية" في حزبها: أنا مناضلة ولا أنوي العودة للسرية

حزب العمال أول المقاطعين للتشريعيات