16-نوفمبر-2019

تجمع شعبي في حملة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة (نصر الدين زبار/Getty)

في أجواء الحملة الانتخابية، بدأت حملة الاتهامات بين المرشّحين الخمسة للاستحقاقات الرئاسية، عندما قال أحدهم إنّ مرشحًا آخر -لم يسمّه- يكون قد سرق برنامجه الانتخابي.

رغم تدهور صحّته تقدّم بوتفليقة لطلب عهدة خامسة من أجل "إتمام برنامجه الانتخابي"

وجاء ذلك في معرض تقديمه للخطوط العريضة لهذا البرنامج الذي يتمثّل في محاولة استقطاب النساء وخاصّة فئة "العازبات" التي قدّرها بـ11 مليون امرأة، وهو رقم اشتهر منذ سنين عديدة عندما وضعه الداعية الشهير الشيخ شمس الدين بوروبي في كتابه "تأنيس العوانس"، ووصفه كثير من الباحثين بـ"المبالغ فيه" بالنظر إلى عدد سكان الجزائر الذي يقدّر بحوالي 42 مليون نسمة.

ولأن اسم المرشّح المتّهم بسرقة برنامج زميله بقي مجهولًا، فقد ذهبت التكهّنات إلى الجهات الأربعة، قبل أن يُستبعد أحدهم من لعبة الاحتمالات، لأنه أقسم قبل سنوات بأن "برنامج فخامة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة سيُطبق مهما كانت الظروف".

وعلى ذكر برنامج الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، فقد كانت الجملة الأكثر تداولًا طيلة عشرين سنة من حكمه، حيث تردّدت عبر وسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية ربّما مئات المرّات، دون أن يعرف أحد الصيغة المكتوبة لذلك البرنامج وحدوده.

فعند تدشين أيّة منشأة مهما كان شكلها، فالأمر يتمّ طبعًا "في إطار برنامج رئيس الجمهورية"، وعند تسليم سكنات اجتماعية ففي إطار البرنامج نفسه، بل وصل الأمر إلى حدّ التناقض، فعندما مرّرت الحكومة قانون المحروقات سنة 2005 فقد تمّ في إطار "برنامج فخامته" وصادق عليه البرلمان دون مناقشة، لكن الرئيس نفسه ألغاه في إطار البرنامج نفسه.

عبد العزيز بوتفليقة الذي جاء إلى حكم الجزائر سنة 1999، وكان في الثانية والستين من عمره، كان قد ردّ حينها على تخوّف أحد الصحافيين من أن يكون مشروع دكتاتور، مستعيرًا مقولة الجنرال شارل دوغول عندما أسّس الجمهورية الفرنسية الخامسة إنه "لن يكون دكتاتورًا وهو في هذا السنّ"، وكان الجميع يتوّقع أن يمتد حكمه إلى خمسة سنوات على أكثر تقدير، لكن حكمه استمرّ ليكون الأطول بين كل رؤساء الجزائر المتعاقبين منذ الاستقلال.

انتهت العهدة الرئاسية الأولى، فتقدّم بوتفليقة للثانية بحجّة أن برنامجه الانتخابي لم يكتمل، وهو في حاجة إلى خمسة سنوات إضافية فكان له ما أراد، لكنه كان في النهاية أمام واقع دستوري صريح لا يمنح لأيّ رئيس جمهورية أكثر من عهدتين انتخابيتين.

وتقدّم بوتفليفة بمشروع تعديل الدستور سنة 2008، يُمكّنه من فتح عدد العهدات، وكانت الحجّة الكبرى لمحيطه هي أن "برنامج فخامة الرئيس لم يكتمل" فهو في حاجة إلى عهدة ثالثة يُسلّم بعدها المشعل للجيل الجديد.

 وقبل أن تنتهي العهدة الثالثة أصيب الرئيس بجلدة دماغية منعته من الحركة، لكنها لم تمنع برنامجه الانتخابية "الهلامي" من التمدّد عبر الزمن، فتقدّم عبر وكلائه لطلب عهدة رابعة جاءته إلى حيث يقيم، فلم ينشّط أيّة حملة انتخابية، وأدى اليمين الدستورية بصعوبة بالغة.

ورغم تدهور صحّته الواضح، تقدّم بوتفليقة لطلب عهدة خامسة من أجل "إتمام برنامجه الانتخابي" لكن رياحًا جرت عكس ما اشتهته سفنه وسفن المنتفعين من عهداته الأربع، فاضطر لمغادرة المشهد السياسي دون أن يعرف الجزائريون سّر ذلك "البرنامج الهلامي" المتمدّد.

اضطر عبد العزيز بوتفليقة إلى مغادرة الحكم دون أن يعرف الجزائريون شيئًا عن برنامجه الانتخابي

ولأن شرّ البلية ما يُضحك فقد تحوّل "برنامج فخامة الرئيس" إلى نكتة؛ حيث  كان البعض يقول إنه سيذهب إلى تناول وجبة الفطور "في إطار برنامج فخامة الرئيس"، بل إن بعضهم كان يؤكّد أنه سيقوم بقضاء حاجته البيولوجية في إطار البرنامج نفسه.

 

اقرأ/ي أيضًا:

عصر بوتفليقة.. من تقديس الوطن إلى تقديس الفرد

أجنحة الحكم في الجزائر.. تناقضات مقصودة