26-أبريل-2022

في متنزّه الصابلات بالجزائر العاصمة (تصوير: رياض باتيش/أ.ف.ب)

بعدما شهدت أسعار المواد الاستهلاكية ارتفاعًا محسوسًا قبل أيام قليلة من شهر رمضان هذه السنة، تزامنت مع وجود ندرة في المواد الأساسية مثل الزيت والحليب والبطاطا، وظهور حملات مقاطعة لبعض المنتجات مثل الموز بسبب ارتفاع سعره إلى ما يعادل ستة دولارات للكيلوغرام، إلى أن طال الحديث عن غلاء الأسعار إلى ملابس العيد قبل أيام قليلة من انقضاء شهر الصيام.

هذا العيد لن يكون مثل سابقيه فالتضخم المالي الذي انعكس بشكلٍ كبيرٍ على أسعار المواد الأساسية في الجزائر  أنهك القدرة الشرائية لدى كثير من العائلات المتوسطة والهشة

يرى كثير من المتابعين أن هذا العيد لن يكون مثل سابقيه، فالتضخم المالي الذي انعكس بشكلٍ كبيرٍ على أسعار المواد الأساسية في الجزائر ومختلف السلع والمنتجات، أنهك القدرة الشرائية لدى كثير من العائلات المتوسطة والهشة.

 نتيجة للارتفاع "الفاحش" لأسعار المواد الاستهلاكية خلال شهر الصيام، لم تتمكّن أسر كثيرة من ادخار المال الكافي لشراء ملابس العيد جديدة لأبنائها، بوهو ما دفع بهم للبحث في الأسواق التي توفّر أسعارًا زهيدة على حساب النوعية، فيما دفعت الظروف الاقتصادية بعض الأولياء إلى الاقتراض أو الشراء والدفع بالتقسيط.

أسعار ملتهبة

في سياق الحديث عن وجهة الأسر الجزائرية لاقتناء ملابس العيد، نجد أن حسين وزوجته لم  يقرّرا بعد أين يقتنيان ملابس العيد لطفليهما، فحسين عامل يومي في مجال دهن وديكور المنازل، إذ يعترف في حديث لـ"التر جزائر"  أنّه بسبب تراجع فرص العمل نتيجة أزمة كورونا لم يتمكن من ادخار المالي الكافي خلال السنتين الأخيرتين.

وأضاف المتحدّث أن القدرة الشرائية ومستوى المعيشة تدهورا بشكلٍ ملموس، نظرًا إلى زيادة المصاريف اليومية، حيث يسعى حسين وزوجته إلى اختيار البدلات الأقل سعرًا في السوق، معلّقًا "نحن في الأسبوع الثالث من مشوار البحث ولم نقرر بعد، إذ نحاول مقارنة الأسعار والاختيار ما هو أفضل وأجمل".

يُشير حسين إلى أن سعر  بنطلون الجينز  يتراوح سعره ما بين 4000 -4500 دج، أما تي شورت في حدود 2500 دج، والحذاء الرياضي المقلد يصل ثمنه إلى غاية 4000 دج، أما الحذاء الرياضي الأصلي فلا يقل عن 9000 دج.

ويعتبر حسين أن الميزانية المخصّصة لشراء ملابس الأطفال تفوق ميزانيته الشهرية، وباتت متعبة، خاصة مصاريف باقي مستلزمات العائلة كبيرة جدًا، ويصعب الحصول على كلّ ما يريده.

الأمر يتطلب التضحية

من جهته، يرى أحمد أن شراء ملابس العيد لأطفال من الطقوس والعادات القديمة المتوارثة من الأباء، فرغم ظروفهم المادية الصعبة التي مروا بها خلال فترات التسعينيات، حيث حُلت المؤسسات العمومية التي كانت توفّر منتجات محلية جيّدة بأسعار معقولة آنذاك، إلا أنهم حافظوا عليها. 

وأضاف المتحدث، أن الأمر يقتضي التضحية من أجل إسعاد الأطفال والأبناء، إذ "لا يمكن حرمان الأطفال من فرحة العيد مهما كان السبب، فهم لا يدركون الأسباب الاقتصادية والمعيشية".

يشتغل أحمد رفقة زوجته في مؤسّسة خاصة، تنشط في مجال توزيع الأدوية، ولديه طفلين معاذ (11 سنة)، ونهاد (6 سنوات)، ورغما تكاليف كراء المنزل التي تستهلك نصف أجرتي أحمد وزوجته، غير أن توفير المال من أجل إسعاد الأطفال ورسم البسمة على وجوههم من أولويات الزوجين لأن الأمر يستحق التضحية، يقول المتحدث.

هنا، يعترف أحمد أن تكاليف الحياة ارتفعت بشكل هائل، ويتطلب الأمر إعادة النظر في نمط الاستهلاك وإدارة الميزانية.

من المسؤول؟

في مقابل ذلك، وخلال الأسبوع الأخير لعيد الفطر، تشهد العديد من المحلات التجارية الخاصة ببيع ملابس الأطفال إقبالًا كثيفًا وتوافدًا للعائلات رفقة أطفالها، حيث تستمر عملية التسوّق إلى ساعات متأخرة من الليل.

وفي جولة قادت "التر جزائر" إلى بعض المحلّات، وقفنا على طوابير الانتظار أمام محلات (PRINTEMPS) بالمحمدية، والمركز التجاري بباب الزوار بالعاصمة، حيث انتعشت الحركة التجارية في شوارع القبة والشراقة ودالي براهيم حيث تتواجد محلات خاصة ببيع ملابس الأطفال.

يُجمع  كثير من الزوار في حديث إلى "الترا جزائر" أن الأسعار هذا السنة مرتفعة جدًا وغير مريحة البتّة، حيث تعترف سيدة من زوار المحل أن فستان فتاة لا تتجاوز 10 سنوات يبلغ 12 ألف دج، وهو ثمن ليس في متناول الكثير من العائلات التي تتألف عادة من ثلاثة إلى أربعة أطفال، موجهة أصابع الاتهام إلى جشع التجّار.

من جهته، يرفض أحد  باعة ملابس الأطفال أن يكون ارتفاع الأسعار بسبب استغلالهم لهذا الظرف وزادة الإقبال، موضحًا أن الأسعار ارتفعت بنحو 40 إلى 50 بالمئة مقارنة بالسنة الفارطة، حيث أن "أسعار القمش والمواد الأولية عرفت ارتفاعًا عالميًا، زيادة على الضرائب المفروضة على السلع والبضائع المستوردة، وتراجع قيمة الدينار أمام العملات الأجنبية وتكاليف الشحن التي ارتفعت بشكل كبير هي الأخرى".

الإنتاج الوطني جد محدود

بعيدًا عن حديث الزبائن والتجار، نجد أن للخبراء الاقتصاديين تفسيرًا لظاهرة الارتفاع المحسوس لملابس العيد، حيث يرى عدد منهم أن صناعة الملابس بالجزائر لا تلبي حاجيات السوق الوطنية بشكلٍ كافٍ، و"لا توجد قاعدة صناعية للملابس والأنسجة، وما هو موجود من ورشات يتكون في الغالب من مؤسسات عائلية صغيرة ومحدودة الإمكانيات، تشتغل دون تصريح رسمي، وتنسج عددًا محدد من الملابس كالمآزر المدرسية".

يضيف هؤلاء أن الحديث عن صناعة الأنسجة يتطلب وجود آلاف الورشات والمصانع الصغرى والمتوسطة ومشاغل الحياكة المتخصّصة، ويستلزم توفّر اليد العاملة المؤهلة، ومخزونًا كبيرًا من المواد الأولية كالقماش والقطن ولواحق الخياطة والطرز، زيادة على توفّر المعدات وماكينات النسيج ومستلزمات مصانع الحياكة.

في هذا الإطار، قال الحاج طاهر بولنوار، رئيس الجمعية الوطنية للتجار والحرفيين إن نشاط بيع ألبسة العيد يعرف انتعاشًا خلال مواسم الأعياد، إذ يرتفع الطلب إلى أكثر من 50 بالمائة عمًا كان عليه خلال الفترة العادية.

وأضاف بولنوار في حديث إلى "الترا جزائر" أن الملابس المعروضة حاليًا هي مخزون السنوات الماضية التي عرفت كسادًا وركودًا نتيجة الأزمة الصحية، وأوضح في السياق أن "الإنتاج الوطني لا يتجاوز 25 في المئة من حجم سوق الملابس، ويزيد عدد ورشات الخياطة والتصميم عن 3000 ورشة".

يشدّد المتحدّث على ضرورة إعادة الاعتبار لقطاع النسيج والخياطة قصد تقليص فاتورة الاستيراد، داعيًا إلى تعزيز وتشجيع القطاع وتنظيمه في شكل تعاونيات للقدرة على الإنتاج والمنافسة.

الواقع التي تعيشه الأسرة الجزائرية اليوم يفرض عليها البحث عن حلول ظرفية لتحسين مستوى المعيشة والمحافظة على عاداتها

عمومًا، فإن الواقع التي تعيشه الأسرة الجزائرية اليوم يفرض عليها البحث عن الحلول الظرفية لتحسين مستوى المعيشة والمحافظة على التقاليد والعادات المرتبطة بشهر الصيام، غير أن مشكلة غلاء الأسعار في المناسبات الدينية والاجتماعية، ظاهرة تفرض نفسها كل سنةوإن اختلفت أسبابها وتعدّدت تفسيراتها، دون أن تكون هناك حلول جذرية لها.