في يوم الـ 14 من شهر أيار/ماي 2024، هزّت حادثة غرق مأساوية شاطئ الصابلات في الجزائر، حيث لقي خمس أطفال تترواح أعمارهم بين 8 و 12سنة مصرعهم، تاركين وراءهم فاجعة إنسانية عميقة، لم تقتصر آثار هذه المأساة على عائلات الضحايا فقط، بل امتدت لتشمل جميع أفراد المجتمع الذين شعروا بالحزن والأسى والألم لفقدان هذه الأرواح البريئة.
النفسانية خديجة تناح لـ "الترا جزائر": اضطراب ما بعد الصدمة في مرحلة الطفولة متكرر، وطويل الأمد، ومن المحتمل أن يكون خطيرً
وفي هذا الحوار مع "الترا جزائر"، تفصل الأخصائية النفسانية خديجة تناح، في متلازمة اضطراب مابعد الصدمة نتيجة حادث غرق الأطفال في الصابلات، وأثرها على عائلات الضحايا والناس الذين شهدوا الحادثة .
- ما هو اضطراب ما بعد الصدمة ؟
اضطراب ما بعد الصدمة هو نوع منفصل من اضطرابات القلق، وهو عبارة عن ردود فعل على ضغوطات كبيرة، يعايش خلالها المريض تهديدًا لسلامته أو سلامة الآخرين، ويشعر بالخوف الشديد أو العجز أو الرعب. وتكون الصدمات الرئيسية في الغالب نتيجة الاغتصاب، والتجارب القتالية والحروب والاعتداءات الجسدية وحوادث الطرق والغرق، والفقدان المفاجئ لأحد أفراد أسرته. وأهم الأعراض الرئيسية لاضطراب ما بعد الصدمة هو إعادة تجربة الصدمة في شكل أحلام أو كوابيس أو استرجاع الأحداث (ذكريات الماضي).
- كيف يبدأ اضطراب متلازمة ما بعد الصدمة ؟
التاريخ الطبيعي للمرض يبدأ عند مواجهة حدث صادم ويبدأ بظهور العواقب المباشرة بعد الحدث مباشرة، وهي متنوعة منها الخوف، والقلق، ورد الفعل الاكتئابي، والأزمات العصبية، وحالات الهياج والانهيار والذهول والغيبوبة، والمظاهر النفسية الجسدية مثل الصداع، القيء، الإسهال، ارتفاع ضغط الدم، ضيق التنفس، الأكزيما، الاضطرابات العصبية.
وفي مرحلة ثانية تسمى مرحلة الكمون، وهي مرحلة ثابتة لاضطراب ما بعد الصدمة تختلف حدتها حسب المواقف والأفراد، حيث تتراوح من بضع ساعات إلى بضعة أيام، إلى عدة أشهر أو حتى سنوات، تظهر فيها علامات مختلفة مثل الانسحاب الاجتماعي، صعوبة التكيف، أعراض القلق، الأرق، المتلازمات العصبية، النشوة المتناقضة مع النشاط الزائد، ظهور أعراض جسدية، واضطرابات الشخصية.
- ماهي أعراض اضطراب مابعد الصدمة ؟
اهم أعراض اضطراب مابعد الصدمة التي تستدعي الاستشارة الطبية النفسية هي : اضطرابات النوم، ومظاهر الاكتئاب، وإدمان المنشطات والمخدرات، والسلوك المعادي للمجتمع ، وردود فعل سلوكية غير متوقعة، تكرار الكوابيس في الغالب تكون عبارة عن إعادة إنتاج الحدث الصادم في الظروف الدقيقة للمكان والأشخاص والموقف الذي حدث فيه بشكل بثبات، واضطراب في النوم، والاستيقاظ مع جزع، وقلق شديد، وأعراض غيبوبة. إلى جانب الأفكار القسرية التي تستحضر المشهد المؤلم، والتشنجات اللاإرادية والمفاجأة، والانطباعات المفاجئة بأن الحدث سوف يتكرر مرة أخرى، وسلوكيات الدفاع أو العدوانية، والهروب وكأن الحدث يتكرر مرة أخرى، وحالة من التنبيه الدائم.
وتؤدي متلازمة تكرار الصدمة إلى تغير في طريقة الحياة والتعامل مع الآخرين مما يؤدي إلى الشعور بسوء الفهم، الانسحاب، الشكاوى المتعدّدة، الشجار، الصراعات العائلية، تقلب المزاج، انخفاض الكفاءة الفكرية والدراسية عند الأطفال والمراهقين.
- كيف يتم تشخيص اضطراب ما بعد الصدمة؟
تشخيص المصاب باضطراب ما بعد الصدمة يكون بعد تعرض الشخص لحدث صادم يتوفر فيه عنصران أساسيان، أن يكون الشخص قد شهد حادث توفي فيه أفراد أو أصيبوا بجروح خطيرة للغاية أو تم تهديدهم بالموت أو بالإصابة الخطيرة أو تم خلالها تهديد سلامتهم الجسدية أو سلامة الآخرين، ونتج عنه رد فعل للمريض بخوف شديد أو شعور بالعجز أو الرعب، وعند الأطفال يمكن للسلوك غير المنظم أو المهتاج أن بسبب هذا الاضطراب. ويصنف اضطراب مابعد الصدمة أن حاد إذا كانت مدّة الأعراض أقل من 3 أشهر، ومزمن إذا كانت مدّة الأعراض 3 أشهر أو أكثر.
- كيف تظهر متلازمة الصدمة النفسية عند الأطفال؟
تظهر متلازمة تكرار الصدمة عند الطفل من خلال التذكر أو إعادة المعاش النفسي للوضعية الصدمية، الألعاب المتكررة التي تثير جوانب معينة من الحدث الصادم الذي لا يدركون إعادته، الهلوسة، والأوهام، أو ذكريات الماضي، تنشيط الحس العميق أو اللمسي أو الشمي، الأحلام المتكررة ورعب ليلي، تبلد التفاعل العام مع التخدر العاطفي وتقليل الاهتمامات والشعور بالانفصال، الاعتقاد بحدوث المزيد من الصدمات، والشعور بالضعف، وفقدان الثقة في الكبار الحاميين، وظهور مخاوف محددة مرتبطة بالصدمة، التهيّج، الغضب، حالة التأهب، اضطراب النوم، والظواهر التراجعية مثل التبوّل اللاإرادي، كلام طفولي، مص الإصبع وغيرها.
وكما يمكن أن تستمر "الذاكرة السلوكية" وتتجلى من خلال السلوكيات المتكررة وإعادة تمثيلها مثل الحزن، ردود أفعال استيعابية وزيادة صعوبات الانفصال، وصعوبات التعلّم واضطرابات اللغة، الصمت الاختياري والسلوك العدواني، تبلد المشاعر، والانسحاب الاجتماعي، وفقدان المهارات المكتسبة (تدهور اللغة، فقدان النظافة).
اضطراب ما بعد الصدمة في مرحلة الطفولة متكرر، وطويل الأمد، ومن المحتمل أن يكون خطيرًا، فدور الوالدين حاسم، حيث يمكنهم أن يكونوا بمثابة درع بين الحدث والطفل. ولا تقتصر هذه الحماية على الحماية الجسدية فحسب، بل إنها أيضًا حماية من واقع الحادث. يمكن للوالدين أيضًا التعبير عما يحدث بالكلمات وبالتالي تخفيف التأثير النفسي للحدث.
- ما هي العلاجات المتاحة لاضطراب ما بعد الصدمة في الجزائر؟
هناك تقنيات مستخدمة خاصة بكل مرحلة ومكيفة مع احتياجات الشخص الذي تعرّض للصدمة ، المرحلة الفورية خلال أقل من 24 ساعة من خلال الفحص الجسدي، والترحيب بالمريض وتشجيعه على الكلام برفق ، دعمه والتكفّل به، إعادة دمج المريض في مجتمعه في أسرع وقت ممكن، من أجل إعادة تكوين الرابطة التي كسرتها الصدمة، وعدم استخدام المؤثرات العقلية (المهدئات، مزيلات القلق) إلا في الحالات القصوى. والوقاية من ظهور اضطراب ما بعد الصدمة من خلال استخلاص المعلومات النفسية.
المرحلة الثانية في أقل من ثمان أيام، إذ يمكن أن تتوافق إما مع نهاية التوتر أو مرحلة الكمون أو الصدمة النفسية، ويمكن أن يكون التدخل فرديًا أو جماعيًا باستخلاص المعلومات بإعادة إحياء الحدث المؤلم المصحوب بشحنته العاطفية.
هذه الطريقة متحررة لأنها تسمح بالتعبير اللفظي وكذلك التفكير في الصدمة لتجنب تركيب الاجترار والكوابيس والومضات، وفي هذه المرحلة يتم اكتشاف الأشخاص المعرضين للخطر والذين يحتاجون إلى علاج نفسي أو علاج كيميائي. وفي المرحلة المتأخرة بعد أكثر من ثمانية أيام، وهي اضطرابات لم يتم تشخيصها للأسف في المرحلتين السابقتين أو تم تشخيصها بعد فوات الأوان، وهي تقع على عاتق المتخصصين والأطباء النفسيين والأخصائيين النفسيين من خلال خلايا الاستماع واستشارات علم النفس والطب النفسي، والعلاجات النفسية المقترحة لاضطراب كرب ما بعد الصدمة متعددة وتتمثل في العلاج النفسي المساند، وتقنية التفريغ (التنفيس)، والعلاج النفسي التحليلي، والاسترخاء، والتنويم المغناطيسي، والعلاج الأسري، والعلاجات السلوكية المعرفية.
- ما هي التدابير التي يمكن اتخاذها للحد من خطر الإصابة باضطراب ما بعد الصدمة؟
كلما كان زمن الوصول أقصر، كما كان العلاج فعالًا، وكلما زاد عدد الإصابات الجسدية لدى المرضى، قلت معاناتهم النفسية، ومساعدة المريض على دمج التجربة المؤلمة في تاريخه الشخصي والعائلي والجماعي للمضي قدمًا واستعادة طعم الحياة.
النفسانية خديجة تناح لـ "الترا جزائر": اعتماد التدخلات العلاجية النفسية لأنها تساعد على إعادة دمج المريض المعرّض للصدمة في المجتمع، ورفع مستوى الوعي بمشكلة الصدمة النفسية يشجع على احترام الحالة والاعتراف بها وتجنب تضخيم الصدمة
بالإضافة الى اعتماد التدخلات العلاجية النفسية لأنها تساعد على إعادة دمج المريض المعرّض للصدمة في المجتمع، ورفع مستوى الوعي بمشكلة الصدمة النفسية يشجع على احترام الحالة والاعتراف بها وتجنب تضخيم الصدمة، ورفع جودة الدعم الأسري والاجتماعي للفرد يعتبر عنصرًا أساسيًا في حياته بعد الصدمة النفسية، وضرورة تفعيل دور المعالج النفسي والذي دوره تنظيم بيئة الحالة وجعلها فعالة بحيث تشكل مساعدة علاجية حقيقية. وتشجبع الدعم اجتماعي بالأسرة، والأخصائيين الاجتماعيين ، والعمل على الإدماج الاجتماعي والمهني والأسري، ولذا وجب إنشاء خلايا الاستماع والجمعيات وأرقام الطوارئ للتدخل العاجل والمبكّر في مثل هذه الحالات.