07-أبريل-2020

عبد المجيد تبون, عبد العزيز بوتفليقة (تركيب/ الترا جزائر)

لم يكد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، يستلِم عهدته الرئاسية الأولى، حتّى أطلّت أزمتان برأسهما في المشهد الجزائري العام، فإضافة إلى أزمة الاستقرار السياسي المرتبطة بالحراك الشعبي منذ الـ22 شباط/ فيفري 2019، والاختلالات السياسية في مؤسّسات الدولة، يواجه ثاني أخطر أزمة نفطية في تاريخ الجزائر، بعد أزمة سنة 1986، والتي تزامنت بدورها مع أزمة فيروس كورونا، وعلى سبيل المقارنة، فإنّ هذه المعطيات، تتباين مع ظروف مغايرة، استلم فيها الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة سدّة الحكم في نيسان/ أفريل 1999.

 استلم الرئيس تبون في ظلّ أزمة سياسية مستمرّة، باستمرار الحراك الشعبي ومطالبه السياسية المتصاعدة

100 يوم من الحكم

في المقام الأول، استلم الرئيس تبون الحكم في 19 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، في ظلّ أزمة سياسية مستمرّة، باستمرار الحراك الشعبي ومطالبه السياسية المتصاعدة، والمتمثلة في التغيير الديمقراطي، وحرّية التعبير، والانتقال السلمي للسلطة، والإصلاح السياسي والدستوري.

اقرأ/ي أيضًا: تبون يصف فترة بوتفليقة بـ"العهد البائد"

علاوة على ذلك، تقلّد تبون الحكم، في ظلّ هشاشة المؤسّسات السياسية، كالبرلمان بغرفتيه من خلال أدائه السياسي، إضافة إلى اختلال في منظومة الحكم وتداخل في العلاقة بين المؤسّسات، فضلًا عن الغضب الشعبي من أداء عديد المجالس البلدية والولائية التي أبرزت عجزها عن حلّ مشاكل المواطنين، مع تفاقم المشكلات الاجتماعية والاقتصادية مثل البطالة والسكن والصحّة والتعليم.

بالرغم من كلّ هذه الظروف، باشر رئيس الجمهورية في معالجة الوضع السياسي، عبر إجراء لقاءات حوار سياسي، وطرح خطّة إصلاح سياسي ودستوري، عن طريق مسودّة دستور جديد، وتقديم وعود والتزامات للحراك الشعبي، وتوزير بعض الوجوه الفاعلة في الحراك الشعبي.

الخزينة تتقلّص

وفي المقام الثاني، برزت في بداية السنة الحالية، أزمة أسعار النفط التي انهارت كليًا في شهر شبّاط/فبراير، إذ بلغت أسعار النفط  مستويات دنيا وصلت إلى 29 دولارًا أميركيًا، ما أدى إلى تراجع عائدات البلاد من النفط، وتآكل احتياطي الصرف الذي نزل إلى حدود 50 مليار دولار أميركي.

يحذّر مختصون، من تداعيات الأزمة النفطية على الاستجابة لحاجيات المواطنين الاقتصادية والاجتماعية، إذ يقول الأستاذ في العلوم الاقتصادية بشير فنوح لـ "الترا جزائر"، إنّ الأزمة النفطية، ستنقص من قدرة الحكومة من توفير مناصب شغل جديدة، وتنفيذ المشاريع الكبرى الخدمية، وهو ما يقلّص من هامش تنفيذ العشرات من المشاريع المتوقّفة منذ فترة حكم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة من جانب، كما يُضعف هامش المناورة بالنسبة للسلطة، فيما يتعلق بتهدئة الشارع، أو كما سمّاه مختصون في علم الاجتماع السياسي بشراء السلم الاجتماعي من جانب آخر، على حدّ قوله.

حدث كلّ هذا، بينما كان الرئيس تبون وحكومته برئاسة عبد العزيز جراد، يضعان أولى الخطط في تسير المرحلة الأولى من الحكم، وإعادة تجسير الثقة مع المواطنين، والاهتمام بمناطق الظلّ، والمناطق الداخلية، وتقليص الفجوة بين الحواضر والمدن.

تمدد الأزمة

في المقام الثالث، فاجأت الأزمة الوبائية بتفشي فيروس كورونا، الرئيس تبون والحكومة الحالية، إذ غيّرت السلطة الحالية من وجهتها، بتخصيص أكبر جهد والقدرات المادية والبشرية، من شتى القطاعات، لمحاربته، والدفع بتقليص تمددّها بأخف الأضرار، وهو ما دفع الرئيس تبون إلى تغيير أولويات السياسية والاقتصادية، أبرزها اضطراره إلى تأجيل طرح مسودة الدستور الجديد، بعدما وعد أن يتم تقديمه للاستفتاء الشعبي قبل منتصف السنة، إضافة إلى تنظيم انتخابات تشريعية قبل نهاية السنة الحالية.  

معطيات إيجابية في البداية

إذا أمكنت المقارنة بين  الفترة الأولى لحكم الرئيس تبون، مع الفترة نفسها للرئيس السابق بوتفليقة، فإنّ الأخير يكون استفاد كثيرًا من  معطيات إيجابية، كانت في صالحه؛ أبرزها الاستقرار السياسي الذي تعزز عام 1999 بقانون "الوئام المدني"، وانخراط كل القوى السياسية والمدنية في ذلك المسعى لتجاوز مخلفات الأزمة الأمنية، أو ما وصف بـ "العشرية السوداء"، والأبرز في هذا السياق، أنّ أول حكومة للرئيس بوتفليقة، برئاسة أحمد بن بيتور، شاهدت مشاركة سبعة أحزاب سياسية بما فيها أحزاب معارضة مثل "التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية". 

وبخلاف الرئيس تبون، الذي يواجه أزمة انخفاض أسعار النفط، توفّرت للرئيس بوتفليقة عوامل مالية واقتصادية هامّة، نتيجة ارتفاع أسعار النفط، وانتعاش المخزون المالي للدولة، بما أمكن الرئيس من مباشرة العديد من المشاريع السياسية والاقتصادية والاجتماعية بأريحية.

وإذا كان الرئيس تبون، قد وجد نفسه في تحدٍ مباشر مع أزمة وبائية واقتصادية وسياسية، فإن فترة حكم الرئيس بوتفليقة لم تشهد في بداياتها، وما تلاها أزمة طارئة وخطيرة مثل أزمة كورونا، خاصّة وأن هذه الأزمة، لا يقتصر مداها على المجال الصحّي وإنما تمدّد المجالات الاقتصادية والاجتماعية، وكلّفت خزينة الدولة أموالًا باهظة لمواجهة انتشار الوباء.

 ظروف نجاح ولكن..

اللافت أن العوامل الإيجابية التي خدمت الرئيس بوتفليقة، لم تتح له بالضرورة النجاح في تنفيذ مشاريع إصلاح سياسي واقتصادي واجتماعي ناجح، ماعدا أنّه حافظ على استقرار البلاد، وتجاوز مخلفات الأزمة الأمنية، بحسب المختصّ في العلوم السياسية نور الدين آيت يعلى، في مقابل أن تكون الأزمات التي يواجهها الرئيس تبون، تحدّيًا يضعه أمام امتحان حقيقي، يتيح له فرصة استرجاع الثقة مع المواطن، وكسب نقاط لصالحه في حال ما نجح في تسيير الأزمة بشكلٍ إيجابي وبأقلّ كلفة، على حدّ قوله.

في إدارة الشأن العام، يبدو من خلال الظروف التي تعيشها الجزائر، أنّ هناك خللًا في تسيير الأزمات، إذ يرى مختصّون في علم الأزمات، أن المسؤولية تفرِض على المسئولين وضع مخططات استشرافية تحت مُسمّى"استباق الأزمة"، تستند إلى قاعدة "أننا معرّضون  للأزمات في مختلف المجالات والقطاعات". ويستوجب ذلك، التهيؤ لها والتحضير لها، أي أن المؤسسات تبدأ بالتسيير قبل انفجار الأزمة، وهنا تختلف التقنيات حسب طبيعة الأزمة.

تبون.. مواجهة ميدانية

بالعودة إلى مراحل الأزمة الوبائية الحالية، ظهرت بؤرة فيروس كورونا في الصين، وانتشر لعدّة أسابيع قبل وصوله للجزائر، إذ أن "عنصر المفاجأة من المفروض لم يكن في حالة الجزائر"، كما قالت المتخصّصة في علم تسيير الأزمات الأستاذة نصيرة بن عمرة من جامعة الجزائر، موضّحة لـ "الترا جزائر"، أنّه في حالة تمدّد الوباء فإن "مواجهته تتطلّب إمكانيات، حتى ولو اقتضى الأمر الاتصال بالصين، وطلب المساعدة استعدادًا لمواجهة الوباء".

وواصلت المتحدّثة، بما أن الجزائر في المستوى الثالث من الوباء، وهو ما أشار إليه وزير الصحّة الجزائري عبد الرحمن بن بوزيد، فإن التفكير الاستباقي في تسيير الأزمات، "يتطلّب حتى طرح تصورات أسئلة، وتحضير افتراضات من الضروري الإجابة عليها قبل تفشّي الوباء، ووضع فرضية صعوبة احتواء الوباء كأحد الفرضيات".

الجزائر في خضم حتمية تسيير الأزمة، "تتطلّب وضع مجموعة من السيناريوهات لمواجهة الكارثة أو الأزمة، ولكل سيناريو إستراتيجية للتسيير وأدوات لمعالجتها"، كما شرحت الأستاذة بن عمرة.

من الطبيعي أنه لا يمكن تلافي تبعات الأزمة الوبائية، غير أنه من الأخطاء المتكرّرة في مختلف الأزمات في الجزائر، هو عدم تنصيب خلية أزمة يوكل إليها دور المتابعة، تقول الأستاذة بن عمرة، لافتةً إلى أنها، أي خلية الأزمة، هي من أبسط الإجراءات أو أبسط خطوة ضمن خطوات أخرى أكثر أهمية.

وأضافت بن عمرة، أن التحضير لتسيير أزمات الأوبئة، لديها خصوصية، إذ كان على وزارة الصحّة وضع سيناريوهات ومخطّطات عدة ناطقين رسميين، يتحدّثون باسمها"، وهو ما عكفت الوزارة في تفاديه منذ الأسبوع الأوّل.

أظهر فيروس كورونا هشاشة بعض القطاعات في مواجهة أي طارئ وضعف كامن في جميع المستويات

الأزمة الدّرس

أزمة كورونا من التحدّيات التي تواجه الرئيس تبون وحكومته، وهو ما يعني أنه من المهم جدًا وضع الاختبار الحالي المرتبط بالأزمة الوبائية، كدرس للمستقبل، إذ تسيير الأزمة الحالية، هو "عمل طوال السنة" بحسب مختصين، وهو مجرّد حلقة من سلسلة الأزمات المتوقعة، أي "حتى في الأوضاع العادية"، منبهين إلى ضرورة تهيئة فريق كامل من المختصّين وفي عدة قطاعات، وتأسيس هيئة ضمن الهيكل التنظيمي للمؤسسات، لديها صلاحيات للتنبيه إلى أيّة أزمة وتوقع أزمات أخرى، خصوصًا وأن الفيروس الحالي، أظهر هشاشة بعض القطاعات في مواجهة أي طارئ وضعف كامن في جميع المستويات.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الحراك الشعبي مستمرّ.. هل تنجح تحرّكات تبون الخارجية في فكّ العزلة عنه؟

أوّل خرجة دولية لـ عبد المجيد تبون.. البحث عن شرعية دولية أم تموقع إقليمي؟