01-فبراير-2020

المياه الجوفية مهدّدة بالتلوث بسبب استغلال الغاز الصخري (الصورة: العرب)

في هذا النص أدناه، المترجم عن نصّ نُشر على مدوّنة "فرونتيير بلوغ"، يجمع كاتب المقال من مصادر عدة معلومات عن الثروات التي تزخر بها الجزائر والصحراء الكبرى أمام الأطماع العالمية، وخصّ مساحة كبيرة لما كتبه الباحث البيئي كريستوف ماغدولان، عن طبقة المياه الجوفية التي تبلغ مساحتها مرّتين مساحة فرنسا في الصحراء جنوبًا، والتحدّيات التي تواجهها الجزائر وأفريقيا للحفاظ على هذه الثروات.

من المتوقّع أن يصبح الماء في العقود المقبلة، أغلى الثروات عالميًا مع التغيرات المناخية التي تواجه الكوكب

ذكر موقع "فنك ووتر" سنة 2019، أن الجزائر تشترك مع جيرانها بخمسة أحواضٍ للمياه الجوفية، المغرب والنيجر ومالي، إضافة إلى تونس وليبيا، حيث تتمّ إدارة نظام الطبقات المائية في شمال غرب الصحراء الكبرى، من خلال آلية تشاور ثلاثية دائمة يستضيفها مرصد الصحراء والساحل، ويكمن الهدف الرئيسي حسب المصدر، في تنسيق الإدارة المشتركة لموارد المياه، في نظام الطبقات المائية في شمال غرب الصحراء الكبرى، من خلال العمل المستمرّ لتحسين فهم النظام واستغلاله.

اقرأ/ي أيضًا: تقرير دولي يحذّر.. الجزائر على أبواب "أزمة عطش"

يُثار هذا الموضوع في الوقت الذي عاد الحديث فيه عن قضية الغاز الصخري، الذي يعد التنقيب عنه حسب العديد من الخبراء، خطرًا كبيرًا على هذه الثروة.

ومن المتوقّع أن يصبح الماء في العقود المقبلة، أغلى الثروات عالميًا مع التغيرات المناخية التي تواجه الكوكب.


تُعَدُّ الجزائر بلدًا غنيًا إلى حدٍ كبير. فهي تمشي على الذهب بالمعنى الحرفي والمجازي للعبارة، إنّ الذهب في كل مكان، شمالًا وجنوبًا، وفي الشرق والغرب، في سواحلها الزاخرة الممتدّة بضع كيلومترات عن العاصمة، يكفي أن تنحني لتجني ذهبًا، هذه البقعة لم تكُفّ أرضها ولا جوفها يومًا عن منح أسرارهما.

ثروات كبيرة بين معادن وخاماتٍ، وطاقات أحفورية، مساحات وأراضٍ نادرة، وأخرى زراعية قابلة للاستغلال، حتّى في الجنوب، مياه وفيرة وطاقة شمسية قد تنير كلّ العالم، إضافة إلى اليورانيوم الخام، المنتشر في مناطق واسعة بالأهاقار والطاسيلي.

إن القارّة الأفريقية هي مستقبل العالم، وليست الجزائر سوى امتداد لهذا الغنى الذي لا يمكن تصوّر حجمه الفعلي، والثروات التي تزخر بها أفريقيا فوق الأرض وفي باطنها، تثير قَطعًا اهتمام كل قوّةٍ عالمية.

لقد تحدث زبينياف برزنسكي في مرحلة ما، عن أهميّة منطقة البحيرات الكبرى الأفريقية بالنسبة للولايات المتحدة، حيث أرادت الأجندة الأميركية دحر فرنسا إلى الشمال الأفريقي.

وقد بدأت ذلك بتنصيب أوغندا كنقطة استطلاع، ثم إقامة قاعدة خلفية في رواندا بإشراك فرنسا في إخمادها، في واحدة من أبشع جرائم الإبادة الجماعية التي وقعت في القرن العشرين، والتسبب في تقسيم السودان.

أصبحت دول أثيوبيا، وإريتريا، والقرن الأفريقي بالفعل تحت تأثيرٍ أميركي صهيوني، كما وقعت الخرطوم تحت "تفويض" الإمارات والسعودية، "تل أبيب" وواشنطن.

أما في الشمال، فقد حوصرت تونس والمغرب تمامًا، في "قبضةٍ" تُكافح الدولتان للخروج منها.

لكن مدخل الغزو النهائي لأفريقيا يكمن في "تنحية" الجزائر، وهذا هو عَصبُ الحرب العالمية الحالية الذي لا يذكر اسمه، حيث تدور الأحداث في الكواليس، في مخابر وحدات الاستخبارات، وفي المناوشات السياسية الصمّاء.

كلّ العيون مفتوحة ومشرعة جدًا، لكن الأفواه مُخاطة خوفًا من الكشف عن حجم المخاطر، لكن بعض الأفواه بدأت بالنطق للتوّ.

إن التغطية الإعلامية في الجزائر ستتزايد، فالمخاطر هائلة إلى الحدّ الذي يجعلها غير متحفظة، وهي ضخمة إلى الحدّ الذي قد يتجاوز كل نقاط التعريف العالمية الحالية.

مستقبل حتمية فرنسا وأوروبا على المحكّ، ونهاية الهيمنة الأميركية والتحالف الأطلسي الصهيوني قادمة، كما أن مصالح الصين وروسيا أيضًا على المحكّ.

كل هذا يعني نهاية التوازنات العالمية الموروثة عن مؤتمر "يالطا"، وقت كانت هذه الدول تُحاول التجديد بجلب بعض التعديلات عليه.

إن صحوة الجزائر قد تغيّر كلّ الحسابات، وتُخرس كل القوى التي تعلم اليوم أنها تشارك بشكلٍ عاجز في إعادة تشكيل عالم لا تُتقن أدواته، غير أنه لا مصلحة لأيّة قوة عالمية في أن تستعيد الجزائر أو باقي القارة الأفريقية سيطرتها على مصيرها.

إن مصير ومستقبل التوازنات العالمية الحالية على المحكّ؛ حيث جعلت من أفريقيا الغائبة الكبرى عن طاولة المفاوضات، مع أنها الكعكة الكبرى التي يريد الجميع أن يتناولها، كيف إذن يمكن التحكّم في ما هو حتمي؟

طبقة هائلة من المياه الجوفية

قبل أقل من 15000 سنة، كانت الصحراء بمثابة سافانا إستوائية عشبية، لكنّها أصبحت قاحلة تدريجيا مع مرور الزمن، لتفسح المجال لأكبر صحراء على وجه المعمورة، منطقة قاحلة تسحقها الشمس في غالب الأحيان، لكن تحت رمالها وصخورها، تكمن كتلة هائلة من المياه التي لديها القدرة على تجديد نفسها، على الرغم من الضغوط البشرية المتزايدة.

تمتدّ شبكة طبقات المياه الجوفية شمالي الصحراء، على مساحة تقارب ضعف مساحة فرنسا، وتحجب ما تراكم بحجم يتراوح ببن مئات وآلاف الأمتار عمقًا، أي أكثر من 30000 كم³، خلال مرور تعاقب رطبة بلغت مليون سنة.

وقد أتاح مخزون المياه الجوفية هذه، والذي يعد من أكبر خزانات المياه في العالم، آفاقًا للتنمية الحضرية والزراعية للمناطق شبه القاحلة في تونس والجزائر، وجزء من ليبيا على مدى ثلاثين سنة الماضية.

تجدّد شبكة طبقة المياه الجوفية

إن الأمر الذي لا نعلمه، هو أن المسطحات المائية في شبكة طبقات المياه الجوفية في الصحراء الشمالية دائمًا ما تتجدّد، حسب ما كشفت عنه دراسة نُشرت في رسائل البحوث الجيوفيزيائية التي يجريها باحثون من المعهد الدولي للبحوث الزراعية (IRD).

في الواقع، لقد اعتُبرت المياه الجوفية في الصحراء الكبرى حتّى الآن "أحفورية"، أي غير متجدّدة، مثل الفحم أو النفط الذي نستغله إلى أن ينفذ، وتبدو نسبة التهاطل في المنطقة منخفضة للغاية، كما أن التبخر هائل جدًا، بحيث لا يمكن إعادة تعبئة طبقات المياه العميقة بشكلٍ كبير، ولكن الباحثين أظهروا حديثًا أن طبقات المياه الجوفية في نظام طبقات المياه شمال الصحراء، ما تزال تتغذّى إلى اليوم.

في الحقيقة إن إعادة شحن هذه المياه موجود، وقد تم قياسه كميًا، حيث تزود مياه الأمطار ومياه الجريان السطحي هذا النظام بمتوسط يبلغ 1.4 كيلومتر مكعب سنويًا، أو حوالي 2 مم سنويًا على سطح طبقات المياه الجوفية.

في الفترة الممتدة بين 2003 إلى 2010، بلغت إعادة الشحن السنوية 4.4 كيلومتر مكعب في بعض السنوات، أو 6.5 مم سنويًا.

نهج قياسٍ بالقمر الصناعي

لقد أبرز فريق البحث هذه المعلومات؛ من خلال طريقة جديدة للقياس عبر الأقمار الصناعية، وحلّل العلماء هذه البيانات مم خلال مهمّة القمر الصناعي "غراس" التابع لوكالة ناسا، ومركز الفضاء الألماني.

هذا القمر الصناعي الذي ينشط في مداره منذ سنة 2002، يقيس الاختلافات في مجال الجاذبية الأرضية، وهو الأمر الذي يمنح إمكانية استنتاج الاختلافات، في كتلة المياه الموجودة في المغلفات السطحية.

وقد مكنت هذه البيانات الباحثين من تقدير تطوّر حجم المياه المخزونة، وتقييم عملية إعادة تغذية طبقات المياه الجوفية، آخذين بالاعتبار عينات من طبقات المياه الجوفية.

ويتيح هذا المنظور الشامل إجمالًا، إمكانية التغلب على أوجه عدم التيقن التي تحيط بالنماذج الجيولوجية المائية، والتي تستند إلى قياساتٍ محليةٍ لمستوى البيزيومترية، أي مستوى المياه المسجّل في الآبار مناطق التنقيب عن المياه.

خطر الاستغلال المفرط

يبلغ متوسط إعادة الشحن السنوية حجم 1.4 كيلومتر مكعب، وهو ما يعادل 40% من إجمالي 2.75 كيلومتر مكعب التي تتجمّع كل عام في المنطقة، وذلك وفقًا للبيانات الواردة من مرصد الصحراء الكبرى والساحل، ونتيجة لهذا فإن 60% من عمليات استنزاف المياه السنوية لا يتمّ تعويضها، وعلى الرغم من إعادة التغذية الكبيرة، لا يزال نظام خزّان المياه الجوفية في الصحراء الشمالية مُستغَلاّ استغلالًا مفرطًا، حيث ازداد الاستخراج منذ الستينات، من أجل تلبية الطلب المتزايد من مختلف القطاعات الاجتماعية، الاقتصادية، الصناعية، والزراعية، والسياحة، والاستخدام المحلّي.

ونتيجة لذلك، تضاعفت الآبار ومناطق التنقيب عن المياه، وزادت عمليات الاستخراج من 0.5 كيلومتر مكعب في عام 1960 إلى 2.75 كيلومتر مكعب في عام 2010، مما أدّى إلى انخفاض عام في مستوى البيزيومتري، ليصل إلى 25 أو 50 مترًا حسب موقع الاستخراج، إضافة إلى أن العديد من الآبار الإرتوازية والينابيع الطبيعية، التي نشأت حولها الواحات قد جفّت بالفعل.

إن انخفاض نسبة الضغط داخل المياه الجوفية، يهدّد بالتأثير على استدامة اقتصاد الواحات، ومن خلال التحديد الكمّي لعملية إعادة التغذية الحالية، ستتاح فرص لتطوير أدواتٍ لإدارة هذا المورد بطريقة رشيدة، ريثما يتمّ إنشاء نظم ريٍّ أكثر اقتصادًا.

يتعيّن على طبقات المياه الجوفية أن تلبّي الاحتياجات المتزايدة للسكان 

وهنا، تظهر مخاطر كبيرة؛ إذ يتعيّن على طبقات المياه الجوفية هذه، أن تلبّي الاحتياجات المتزايدة للسكان الذي يُرتقب أن يصل عددهم إلى 8 ملايين نسمة بحلول عام 2030، وفقًا لمرصد الصحراء الكبرى.

 

اقرأ/ي أيضًا:

بعد الثلوج.. الجزائر تغرق!

ميلة الجزائرية..مملكة الجنان والمياه تبحث عن مجدها