17-أغسطس-2019

شهدت البلاد عدّة احتجاجات بسبب ندرة المياه (أ.ف.ب)

ورد في تقرير نشره المعهد الدولي للموارد، في شهر أوت/ أغسطس الجاري، أنّ الجزائر ضمن أكثر دول العالم المهدّدة بالجفاف بحلولها في المرتبة 29 عالميًا، في التصنيف الثاني المميّز باللون الأحمر، وهي الدول التي يتراوح فيها معدّل العطش بين 40 و80 في المائة.

دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من أكثر الدول التي تعاني من شحّ الموارد المائية 

وفي استقراء للتقرير، تظهر دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في قائمة الدول التي تعاني أزمة عطش وشحّ في الموارد المائية من جهة، وإجهادًا لتلك الموارد من جهّة أخرى، حيث تصدّرت دولة قطر الترتيب العالمي بينما حلّت الأردن، العراق، لبنان، ليبيا، السعودية والإمارات في قائمة أكثر 10 دول تعيش تحت خط الفقر المائي.

اقرأ/ي أيضًا: مدينة جانت.. نكَبتها الأمطار والجغرافيا والإعلام

من جهتها حلّت تونس والمغرب في نفس ترتيب الجزائر، أي في التصنيف الثاني، وبحس المصدر نفسه، فإنّ أزيد من مليار شخص يعيشون في مناطق تعاني من شحّ في المياه وسيتضاعف العدد إلى 3.5 مليار بعد ست سنوات، أيّ عام 2025.

انتفاضة العطشى؟

عاشت عديد المدن الجزائرية في الآونة الأخيرة، انقطاعًا في شبكات التزوّد بالماء، تزامن ذلك مع مناسبة عيد الأضحى، حيث غابت المياه عن حنفيات عدد من المدن والقرى دون سابق إنذار في غالب الأحيان، بينما تعوّد آخرون على تلك الحالة منذ أسابيع، في مقابل ذلك، تبقى بعض المدن الداخلية خارج مجال تغطية شبكات التزويد بالماء الشروب.

مشكل الماء في الجزائر ليس أمرًا جديدًا، بل بات ظاهرا للعيان، وتعدّى الأمر المدن الداخلية والصحراوية ووصلت إلى المدن الكبرى أو المدن المعروفة بتوفرها على خزّان مائي هائل، مصدرها تحلية مياه البحر أو وجود سدود مائية فيها.

وقد تناقلت مواقع التواصل الاجتماعي صورًا ومقاطع فيديو عن احتجاجات بسبب انعدام الماء في عديد المدن عبر التراب الوطني، ففي مدينة برج بوعريريج شرقًا، قام مواطنون باقتحام مقرّ وحدة الجزائرية للمياه وهم يحملون قارورات فارغة، تعبيرًا منهم عن صورة عن المعاناة اليومية التي يعيشونها منذ قرابة شهرين للظفر بقطرة ماء. بينما لجأ سكان بلدية أولاد عمّار بولاية باتنة شرقي البلاد، إلى غلق مقرّ البلدية بجدار إسمنتي احتجاجًا على ندرة المياه في منازلهم.

من جهتهم، قام سكان مدينة الأخضرية بالبويرة بغلق شطر من الطريق السيّارشرق-غرب  لمدّة ساعات احتجاجًا على أزمة المياه التي تعيشها مدينتهم رغم وجود سدّ في إقليم الدائرة، وهو ما دفع السلطات الولائية لإقالة رئيس الدائرة ورئيس المجلس الشعبي البلدي بسبب سوء التسيير والتقاعس في أداء المهام.

بعد تصاعد وتيرة الاحتجاجات في البلاد، أطلّ علي حمّام، وزير الموارد المائية في تصريح للصحافة، مؤكدًا بلغة الأرقام أنّ 97 في المائة من الجزائريين لم يعانوا من انقطاع في التزوّد بالماء الشروب في أيّام عيد الأضحى، إذ تكفّلت مصالح الدولة بتوفير صهاريج لتزويد المناطق السكنية التي عانت من غياب المياه في حنفياتهم، مضيفًا أن هذا الإشكال أمرٌ طبيعي ويحدث في جميع أنحاء العالم وليس هاجسًا جزائريًا فقط، كمّا لمّح الوزير أنّ هناك أطرافا تسعى لـ"تسييس العطش" من أجل أغراض أخرى، فتهاجم أعوان الدولة دون سابق علم بالموضوع.

من جهته، يرى عربان علي، رئيس مصلحة في شركة الجزائرية للمياه بولاية البويرة في حديث إلى "الترا جزائر" أنّ ندرة الماء في هذه الفترة من العام أمر وارد، ويزداد احتمال ذلك في عيد الأضحى بسبب الاستهلاك المفرط للمياه الذي تسبب في إفراغ الخزانات الرئيسية في ظرف وجيز، مؤكدًا أن ملء خزان ميّاه يحتاج إلى قرابة يوم كامل، بينما يستنزف الاستهلاك المفرط تلك الكميّة في ظرف ساعات قليلة على حدّ قوله.

ولا يخفي عربان وجود مشاكل في شبكات تزويد المجمّعات السكانية بالماء، حيث تكشف تدخلات أعوان الشركة اهتراء شبكة توصيل المياه والضرر الحاصل في شبكات الربط التي لم تتغيّر أو تعرف إصلاحات منذ مدّة كبيرة، ممّا جعلها تشهد تسرّبات كبيرة.

رحلة البحث عن قطرة ماء

أن تخرج من بيتك حاملًا صفائح بلاستيكية وقارورات فارغة بحثًا عن البئر الأقرب كانت ربما صورة يظنّها جزائريون قد ولّت دون رجعة، لكنها في الحقيقة واقع الحال بالكثير من القرى والمداشر والمدن الداخلية، حيث لازال الناس يقصدون ينابيع الماء الطبيعية أو أحياء سكنية مجاورة تتوفّر على الماء من أجل التزوّد اليومي.

في مناطق أخرى، قد يكون البعض محظوظًا إذ يأتي الماء ساعة أو ساعتين في اليوم في أوقات غير معلومة، ويغيب عن حنفيات المنزل بعد ذلك لأيّام طويلة ودون سابق إنذار، في مقابل ذلك، يقوم سكان بعض القرى الواقعة في مناطق جبلية بإنجاز شبكات توصيل تقليدية من منابع الماء لتصل لبعض المنازل القريبة. وتزدهر تجارة صهاريج المياه في مناطق أخرى ويصل ثمن الصهريج الواحد إلى حوالي ألف دينار جزائري.

سوء التسيير زاد من حدّة أزمة العطش في البلاد رغم الميزانيات الضخمة

تشير أزمة التزوّد بالماء الشروب في الجزائر، إلى فشل الحكومات المتعاقبة، في توفير أحد أهمّ مقوّمات الحياة رغم صرف الكثير من رصيد الخزينة العمومية في مشاريع إنجاز السدود ومدّ الشبكات، إلا أن سوء التسيير والتدبير الذي صار علامة ملازمة للمسؤولين الجزائريين، حرم المواطن البسيط حتى من حقّه في قطرة ماء.

 

اقرأ/ي أيضًا:

"ثاجماعث" أمازيغ الجزائر .. برلمان القرى

الصحّة العمومية في الجزائر.. مجانّية الموت